في قاعة محكمة إيرانية.. !

محمد موسى
لاشك إن الحكاية التي يتناولها الفيلم التسجيلي “مقتل المهرج” للمخرجة الإيرانية مهناز أفضلي هي مثالية تماما لصحافة الإثارة ولإهتمام جمهور واسع في معظم دول العالم: لاعب كرة قدم شهير متزوج، يرتبط بعلاقة سرية طويلة مع عشيقة. العالم “الخارجي” سيعرف عن هذه العلاقة بعد مقتل الزوجة الوحشي، وتوجيه الإتهام إلى العشيقة ، ليبدأ بعدها هوس إعلامي غير مسبوق بالقصة وأبطالها ، وبالخصوص المتهمة ، والتي ستطاردها كاميرات أجهزة الإعلام في قاعات المحكمة لأشهر عديدة. لا تضم الحادثة التي وقعت في العاصمة الإيرانية طهران في عام 2002 ، أي سبب واضح جَلي يربطها بالوضع السياسي والإجتماعي للبلد ، لذلك بقيت في حدود الجمهورية الإسلامية ، ولم تنل إهتماما دوليا ، وكما يحصل أحيانا مع القصص العامة التي تثير ضجيجا محليا في البلد الذي تحيطه هالة السياسية والخلافات لأكثر من عشرين عاما. لكن المخرجة والممثلة الإيرانية مهناز أفضلي والتي تعود إلى الحادثة بعد عقد من الزمان على وقوعها ، ستقدم فيلما تسجيليا مؤثرا كثيرا ، عن قصة وإن تبدو خاصة بدوافعها وخطوطها العامة ، لكنها لا تبتعد كثيرا عن الجدال الذي يحيط بوضع المرأة في إيران والمجتمعات الشرقية بشكل عام ، والظلم الذي تتعرض له ، كما يدين الفيلم “الخفة” التي يتعامل بها النظام القضائي مع قصص معينة ، ناسيا ، أي هذا القضاء ، مهامه في حماية الحقوق الشخصية ، حتى بالنسبة للمجرمين المتهمين بأكثر الجرائم وحشية، والذين يستحقون معاملة عادلة ، عندما يتعلق الأمر بكشفهم ، والذي يصل أحيانا إلى التعرية النفسية ، لكاميرات صحف الإثارة الفوتغرافية ولإخرى تلفزيونية متعطشة للحظات سقوط عامة.
تبدأ المخرجة الإيرانية فيلمها التسجيلي بلقطات إرشيفية من سيرة لاعب كرة القدم الإيراني ناصر محمد خاني ، والذي حصد شهرته في سنوات الثمانينات من القرن الماضي ، وواصل مسيرته في تدريب كرة القدم لسنوات طويلة ( بعضها مدربا في دول خليجية). هذا اللاعب الإيراني المحبوب متزوج لسنوات مع زوجة إيرانية ، ويبدو من الخارج وكأنه يعيش الحياة النموذجية لكثيرين. لكنه يملك حياة سرية لا يعرفها أحد ، فهو مدمن على المخدرات ويرتبط بعلاقة غرامية مع إمراة لسنوات. بعد البداية تلك ، تقضي المخرجة معظم وقت الفيلم في قاعة المحكمة التي شهدت وقائع محاكمة العشيقة “شهلا” بحضور الزوج ، وعشرات الإعلاميين الإيرانيين.

تضفي شهادة المتهمة كثير من الدراما لوقائع المحكمة ، هي ستتكلم لدقائق طويلة ، تدافع عن نفسها ، تشرح للمحكمة ولإيران جميعها ، قصة حبها باللاعب الشهير، وبإنها تزوجته بشكل مؤقت ، وعاشت سنوات معه بشكل سري ، قامت فيها بشكل دوري بدخول بيت عشيقها مررا وبوجوده ، في غياب صاحبة البيت وقتها ، لكنها لم تقم أبدا بقتل الزوجة.شهادة العشيقة كانت عاطفية كثيرا ، منفلته ، إقتربت من الهيستريا في جلسات معينة، والجنون في جلسات اخرى ، وحتى عندما يسكتها القاضي ، كانت ترسل إشارات صامتة لعشيقها الجالس بقربها او إلى كاميرات التلفزيون.هذه إمراة دفعتها ظروف حياتها إلى حافة الإنهيار النفسي ، كما إن الضغوط التي تتعرض له في حبسها ، إذ تشكف في إحدى شهادتها بإنها تعرضت إلى ضرب مبرح من قبل قوى الأمن بعد إحدى جلسات المحكمة ، ستصل بالمتهمة لحدود قاسية من البوح والتشتت الفكري، تجعل من العسير جدا مشاهدة تلك الشهادات. وعندما يخرج الفيلم من قاعة المحكمة تلك ، يبقى مع أبطال حكايته ، فيذهب مع الزوج إلى منزل الزوجية ، والذي قضت فيه زوجة اللاعب أنفاسها الإخيرة بعد أن تلقت عدة طعنات. في أحد المشاهد ، يدخل الزوج إلى البيت المهجور منذ أشهر ، يتجول هناك ، يقلب الاغراض الخاصة لزوجته ، يستعيد ذكريات خاصة لهما معا ، قبل ان يترك البيت المتروك.
لا يكشف الفيلم التسجيلي ، والذي خلى من أي تعليق ، عن منهجية واضحة، او عن الطريقة التي حصل على أفلام فيديوية شخصية للمتهمة وعشيقها وهما يقضيان أوقات عادية في منزل العشيقة ، وإذا كانت المخرجة نفسها قد صورت الافلام للمتهمة في قاعة المحكمة أم إنها تعود لإرشيف التلفزيون الإيراني. كما إنه لا يقترب إلا قليلا من محاولة حل القضية بلقاء قاضي إيراني (لم يرغب الكشف عن هويته) ، قدم أدلة مقنعة تثبت براءة العشيقة من قتل الزوجة. لم يختار الفيلم أن يَنجر كثيرا إلى إسلوب التحقيق الإستقصائي ، او ربما لم يعثر على أدلته الخاصة الكافية ، هو إكتفى بالنهاية بالتركيز على “شهلا” ، المرأة العاشقة في العقد الثالث من العمر، والتي وجدت حياتها الخاصة وعلاقتها السرية مكشوفة للبلد كله، علاوة على التهمة الفظيعة ، والعقوبة التي تلوح فوق رأسها ، والتي سيتأجل الحكم فيها لسنوات طويلة ، قبل أن ينفذ في عام 2010 بالإعدام شنقا، وبعد سنوات من إختفاء اللاعب السابق ناصر محمد خاني من الحياة العامة الإيرانية.


إعلان