السينمائي العراقي عامر علوان يعود بالشيطان الرجيم
كانت إطلالة السينمائي العراقي ”عامر علوان” في فيلم ”المغني” للمخرج ”قاسم حول” جد مميزة، فكفاءة علوان الذي كلف في البداية بإدارة الإنتاج جعلت المخرج ينتقيه لأداء دور المغني الذي جسده بكثير من الاحترافية و المصداقية، ابن مدينة بابل العراقية متحصل على شهادة الدكتوراه في السينما من جامعة السوربون، في رصيده كمخرج و ممثل العديد من الأعمال السينمائية منها الانتقام، الضفاف، و هي أفلام قصيرة، و وثائقي أطفال الحصار، كركوك القلعة المنسية، الحضر مدينة الآلهة، وداعا بابل، العراق بين الواقع و الخيال، زمان رجل القصب، المغني و قريبا الشيطان الرجيم.
و من خلال هذا الحوار سنتوقف للحديث مع السينمائي العراقي ”عامر علوان” عن تجربته في فيلم ”المغني” و عن واقع السينما العراقية بعد الحرب و عن أخر أفلامه الروائية.
**************
المخرج ”قاسم حول” يعيدك للسينما بعد طول غياب بفيلم ”المغني” كيف كانت العودة ؟
أنا بصراحة كُلفت من قبل قناة ”أرت” الفرنسية بإدارة الإنتاج في فيلم ”المغني” و لم تكن في نيتي التمثيل، إلى أن اقترح علي المخرج ”قاسم حول” ذلك، صحيح أنا أحب التمثيل فقد درست في معهد الفنون الجميلة قسم المسرح، لما أتيت إلى فرنسا و درست السينما مثلت في بعض الأفلام الفرنسية كفيلم ”بنت القطار السريع” لاندريه دشينه، أديت بعض الأدوار الصغيرة للرغبة الخاصة، أما بالنسبة لفيلم ”المغني” فقد منحني الأستاذ ”قاسم حول” البطولة الرئيسية، و حينها اقتنعت كثيرا بالدور وبالعمل ككل، فبدأنا العمل و ذهبنا للبصرة للتصوير، في الأول قمت بإدارة الإنتاج ولما لاحظنا أن الممثل الذي اختاره المخرج كان من الصعب أن يتبنى شخصية المغني، شاءت الصدف أن أكون أنا من يؤدي الدور وبصراحة المسألة لم تكن سهلة خاصة بالنسبة لظروف العمل في جنوب العراق بالبصرة، التصوير قمنا به سنة 2009 و بقينا هناك 60 يوما، ترين طبيعة الاحتلال الأمريكي بالبلد موجود، و الفريق الذي أتى من أوروبا من تقنيين، ممثلين و الكادر من العراق كنا ننام في المعسكرات، الجنود الأمريكيون على اليمين والجنود الانجليز على اليسار وأحد قصور صدام السابقة مهجورة، فقمنا بإصلاحها وتهيئتها بمساعدة بعض الإخوة من العراق الذين كان لهم فضل كبير في نجاح الفيلم.

هل تم التصوير فعلا في أحد القصور التي كان يملكها الرئيس الراحل صدام حسين ؟
نعم القصر الذي صورنا فيه هو في الأصل لصدام حسين، فقد بنى خمسة قصور على شط العرب جنوب العراق بالبصرة، فلما قامت الحرب في العراق ودخل الاحتلال الأمريكي -وأنا أؤكد على كلمة الاحتلال- أخذ الجيش الأمريكي قصرا سكن فيه لأنه كان معزولا و الجيش البريطاني أخذ قصرا والجيش العراقي أخذ قصرا به الوحدات العسكرية محصنا، و بقي قصر من قصور صدام مهجورا قمنا بتنظيفه، وهو فعلا قصر من القصور التي كان يسكنها صدام حسين كان مخصصا له وبالتالي الشيء الذي أنجح الفيلم هو اقترابه من الواقع، فضلا عن كونه عملا دراميا مكتوبا، فيه حوارات و دلالات ولمسات واقعية فنية جيدة أنا شخصيا أحبها، فالمكان كان فيه طاقة، كان فيه نَفس للماضي الذي عاشه المكان، فالرهبة موجودة وهذا يقرب الممثل أكثر للدور، خاصة بالنسبة لشخصية المغني و أنا بصراحة من عشاق الممثلين الذين يعيشون الشخصية و لا يمثلها يعني التمثيل المبالغ فيه لا أحبه، مثلا طول الفيلم ما تركت ماكياج أردت أن أكون على طبيعتي وحتى بأدائي أحاول أن أكون طبيعيا عندما أنتمي للخوف في بعض اللحظات والترقب والقلق يعني أحاول ترجمته بشكل انسيابي وليس بشكل مبالغ فيه.. يقال إن الجمهور العربي متعود على هذا لكن أعتقد أنه لا بد من تنمية قابلية وذوق المتفرج العربي في انتمائنا في أعمالنا السينمائية والدرامية، وفي انتمائنا للحقيقة والواقع.
من خلال المواجهة التي حصلت بين الدكتاتور و الفنان تتجلى مقولة ”الفنان يبقى والدكتاتور يسقط” هل هذا اعتراف بدور الفن في المجتمعات ؟؟
طبعا، باعتقادي كل بلد يعطي قيمة لكاتب الكلمة و للشاعر وللفنان فانه يؤكد بذلك على أنه مجتمع واع و متوازن سواء بنسبة قليلة أو كبيرة هذا شيء يقدره الزمن، أما البلد الذي يتجاهل دور الفنان وحقه ويُسيسه أو ينفيه فإنه بلد مريض، و نلاحظ أن دور الفنان ومكانته ألغيت تماما، لكن مع هذا الفنان يبقى خالدا. أما الدكتاتور فالكرسي الذي يجلس عليه ككرسي الحلاق اليوم يجلس عليه هو وغدا يأتي غيره، فكراسيهم لا تدوم لأحد، بينما الفنان يبقى خالدا بأعماله و بإبداعه ، تعلمين الحكام الذين جلسوا على كرسي الحكم و امتلكوا الخلود هم ”غاندي”، و”مانديلا”، هذه الشخصيات يذكرها التاريخ لأنها صدقت مع نفسها و مع الواقع أما من يغلف وجهه بقناع و ينسى الواقع هو من يدفع الثمن و الثمن سيكون غاليا..
المخرج قاسم حول يقول إن النظام الأسبق للرئيس الراحل صدام حسين سيّس السينما هل توافقه الرأي ؟
صحيح فالسينما العراقية قبل وصول حزب البعث للسلطة أو حتى السنوات الأولى من وصوله للسلطة كانت سينما ذات نوعية رائعة، قليلة الإنتاج لكن صادقة وواقعية، مثلا فيلم ”الحارس” لسعيد أفندي، فيلم ”المنعطف” ، ”بيوت في ذلك الزقاق” لقاسم حول، وأفلام أخرى بالأسود والأبيض، أفلام جميلة ومميزة توجت بجوائز دولية عدة، لكن بعد فيلم ” بيوت في ذلك الزقاق” بدأت السينما في العراق تُسيّس، وأخذ الإنتاج السينمائي يسير في اتجاه آخر، فأصبحوا ينتجون أفلاما عن الحروب تحرض على القتل والصراع، و بالتالي ابتعدت عن المواضيع الحياتية و الاجتماعية و الطرح الفني البسيط. أنا شخصيا من عشاق السينما الواقعية، درست في فرنسا وأول فيلم رأيته بحياتي كان بمدينة بابل وأنا طفل، كانت أول مرة أدخل فيها للسينما رفعت رأسي ورأيت شاشة كبيرة والفيلم عنوانه ” سارق الدراجات ” لفيكتوريا ديسيكا، فيلم من أروع الأفلام الكلاسيكية التي أنتجتها السينما الايطالية، رأسي كان مرفوعا طيلة العرض احتراما للعمل يعني تربينا على الواقعية أما أن تسيس الأفلام و تدفع الناس للموت فهذا حرام وأعتقد أن هذا من مظاهر الأمراض في المجتمع لأن السينما فن راق تكتمل فيه كل جماليات الصوت و دلالات الصورة.
القطاع السينمائي في العراق أصيب في عموده الفقري بخسارته لقاعات السينما فبعض منها أغلق و البعض الآخر هدم و العديد من الأفلام التي تعد مرجعية سينمائية تم إتلافها، ما تعليقك على الموضوع ؟
صحيح، لكن صالات العرض لم تغلق بل لم يهتموا بإعادة فتحها أو ترميمها، أنا شخصيا عرضت واقترحت عليهم مساعدة أوروبية تأتي لإصلاح وترميم الصالات، مثلما قامت به فرنسا في أفغانستان مجانا، شرط أن تعرض فيها الأفلام الواعية التي تنتجها قناة ”أرتي الفرنسية”، في البداية وافقوا وكان معنا حينها مساعد وزير الإعلام العراقي الذي أبدى موافقته بعدما عرضنا عليه المشروع وبعد أسبوعين قال إن الوضع الأمني لا يسمح بذلك في الوقت الحالي، و من هنا أتساءل لماذا يهتمون بالعزاء و المواكب الدينية و إعطاءها الزمن والعطل الرسمية والتحضيرات والأمان، ولا يهتمون بالثقافة، كيف تريد من شعب أن يكون مثقفا و يؤمن بك و يحميك إذا بنيت فكره على طريقة من الجهل الثقافي مع كل احترامي أنا لست ضد الدين، أنا مسلم أحترم الدين، أحترم كل قيم الدين الإسلامي، لكن الانتماء للدين بالجهل مرفوض، لو كان الانتماء للدين بطريقة واعية لما حصل هذا.

السينما العراقية في وقت مضى اتجهت إلى توثيق مرحلة صدام هل انتقل اليوم صناع العرض السينمائي إلى توثيق مرحلة ما بعد صدام حسين أي مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق ؟
هناك توثيق لحقائق لكن بإنتاجات محدودة لأوضاع العراق، فيلم ”المغني” مثلا كان يتحدث عن مرحلة صدام حسين، و أنا اخر عمل لي كان فيلما تسجيليا ”وداعا بابل” يتحدث عن جندي أمريكي كان ضد الحرب عاش بمدينة بابل – مسقط رأسي – عاد إلى نيويورك و خلال فترة تواجده بالعراق و أداءه للخدمة العسكرية هناك -أثناء الغزو الأمريكي- اكتشف أن الأسباب التي دعت لقيام الحرب ليست حقيقة و لا أساس لها من الصحة و شعر بالإذلال، فالمواضيع التي يتبناها سينمائيو العراق اليوم أو الحركة التي هي الآن في طريقها للولادة لم تكن حركة سينمائية مكتملة، هناك الأستاذ ”قاسم حول”، ”محمد الدراجي”، ”عدي رشيد”، و المتحدث والكثير من الشباب الذين اتجهوا لإنجاز أفلام تسجيلية وقصص واقعية، لكن يجب أن نتحدث عن واقع اليوم، عن عراق اليوم وغدا، أنا لا أقول أن ننسى الماضي طبعا لكن يجب علينا أن نلتفت و نهتم بأفلام تتحدث عن حال العراق اليوم دون إغفال الماضي وعدم تناوله لكن بوعي أكبر حتى تصل تلك الوقائع إلى ذهن الجمهور وتعرفه بالحقائق التي عاشها الشعب العراقي حتى تكون لديه قوة الاختيار، طبعا ضروري أن تتحدث أفلام اليوم عن الواقع وعراق اليوم، فأنا أشتغل على فيلم جديد يتحدث عن الواقع العراقي الحالي أحداثه تدور في مدرسة أطفال وهناك قصة جميلة بالفيلم. فالحديث عن واقعنا هو ضرورة و إن أردنا أن ننسى الماضي فذلك خير لنا.ا
هل لنا أن نتعرف على تفاصيل هذا العمل ؟
عنوان الفيلم ”الشيطان الرجيم” و هو فيلم روائي طويل يتحدث عن قصة أطفال يعيشون في ريف عراقي و طبيعة المعتقدات الدينية، المعتقدات التي تربى عليها الطفل من الأب بالدرجة الأولى و دور المدرسة والدين في توعية الطفل، أنا أخذت الفكرة من تجربة مررت بها و أنا تلميذ عندما كان يأتي دور مدرس الدين، يخرج الطالب المسيحي من الصف، فيه أيضا قصة حب بين مُدرسة مسيحية و معلم مسلم، فالموضوع به مجال للإبداع و التصوير أردناه أن يكون بالجنوب وسط النخيل والطبيعة الرائعة وسط الناس البسطاء، الممثلين أكثرهم واقعيين، هناك ممثلين اثنين أو ثلاثة يؤدون الأدوار الرئيسية و الناس البقية كلهم أهل البلد و المدرسة، و هذا يجعل العمل أقرب للمشاهد و يكون أكثر مصداقية، شخصيا أحب المزج بين الواقعي و الروائي.
إلى أي درجة تأثر الإنتاج السينمائي العراقي خاصة في السنوات الأولى للاحتلال و هل هناك صحوة سينمائية اليوم؟

الإنتاج عموما تأثر كثيرا، الآن لو تكلمين أي مسؤول عراقي عن السينما خاصة الفاعلين في هذا المجال تلمسين رغبتهم الكبيرة في الإبداع و خلق أشياء جميلة، فهم فعلا يعملون لأجل النهوض بالقطاع، لكن لو تقارنين بين الميزانية التي تدعم بها الحكومة الإنتاج السينمائي و ميزانية الاحتفالات الدينية لمدينتي كربلاء المقدسة والنجف ترين الفرق، و هذا يعني أن السينما الآن ليست من أولويات الحكومة العراقية الحالية، رغم أن الفنان المثقف و السينمائي العراقي لا زال يناضل للبقاء و تقديم الأفضل للارتقاء بالفعل السينمائي و الثقافي، نحن مثلا وجودنا في أوروبا يساعد كفنانين عراقيين للتعريف بأنفسنا وبفننا هناك ”محمد الدراجي” من لندن أنا من باريس والأستاذ ‘قاسم حول” من هولندا، يعني هي فرص سمحت للفنانين العراقيين أن يظهروا في مهرجانات دولية وعالمية، ووجودنا بهذه المهرجانات هو تمثيل للعراق و للسينما العراقية، لكن بالمقابل هناك بوادر طيبة لبعض الفنانين بدأت تحرك المشهد السينمائي العراقي، لكن إذا لم تدعم الحكومة العراقية السينما فستبقى هذه الأخيرة في ظلام، فالإرادة وحدها لا تكفي.
إذن أنت متشائم من مستقبل المشهد الثقافي و السينمائي بشكل خاص بالعراق ؟
لا على العكس… نحن متفائلون بمستقبل السينما في العراق لأن هناك نواة صلبة من المبدعين والنواة الأثمن التي لا يقف في وجهها ولا يصدها شيء هي إرادة الفنان، لأن الفنان لو عشق فنه وامتلك الرغبة في الإبداع وخلق الحركية يبدع بالشيء الممكن والمتوفر و بالتالي بإرادته التي لا ثمن لها تصنع الفيلم، حتى وزارة الإعلام و الحكومة العراقية لا تستطيع أن تعوض إرادة الفنان صحيح أنهم ساعدونا في فيلم ‘المغني” مثلا لكن نتمنى أن تستمر هذه الحركة والدعم، حبذا لو وزير الإعلام والثقافة يسألونا عن الحركة السينمائية والمسرحية أين وصلت، و يحثونا على ضرورة ترميم قاعات العرض، و لهذا يجب أن تتكاثف الجهود ليعود الجمهور للقاعات، فالشعب يعاني من نقص الصالات و الفعاليات الثقافية صالونات الكتاب معارض وما إلى ذلك من نشاطات، إذن اليوم و أكثر من أي وقت مضى لا بد أن نوفر مساحات ثقافية للناس، فالاهتمام زاد بمسائل أخرى زاد بينما قل الاهتمام بالمسرح، السينما، الشعر، الكتاب، و الموسيقى.