لندن السينمائي: وثائقيات جريئة تناقش التابوات

لندن / عدنان حسين أحمد
تنطلق فعّاليات مهرجان لندن السينمائي الدولي في العاشر من أكتوبر الجاري وتستمر لغاية الحادي والعشرين منه. وسوف يُعرض على مدى أيام المهرجان (225) فلماً روائياً ووثائقياً من بينها (14) عرضاً دولياً و (15) عرضاً عالمياً و (34) عرضاً أوروبياً أولاً، هذا إلى جانب عروض أفلام التحريك التي بلغت هذا العام (111) فلما.ً
وسوف يُفتتح المهرجان بفلم فرانكنويني(Frankenweenie)  للمخرج الأميركي المعروف تيم برتون مبدع الأفلام الشهيرة “عودة باتمان”، “المرّيخ يهاجم”، “كوكب القرود”، “السمكة الكبيرة”، “العروس الجثة”، “أليس في بلاد العجائب”.
 تدور أحداث هذا الفلم حول صبي يُدعى فيكتور يفقد كلبه فيحاول تسخير كل معرفته العلمية بغية إعادته للحياة من جديد، وبالفعل ينجح فيما يُشبه إعادة صنعه، ولكن بطباع مختلفة عما إعتاد عليها سابقاً.و جدير ذكره أن موضوعات تيم برتون تتميز بالسوداوية وأجوائها القوطية الغريبة.
أما فلم الاختتام فهو “التوقعات العظيمة” للمخرج الإنكليزي مايك نيويل، وهو مأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب الكبير تشارلز ديكنز.
و تتمحور قصة الفلم حول الطفل اليتيم “بيب” (جيرمي إيفرين) ومسيرته منذ الطفولة حتى سن البلوغ، ومحاولاته المستميتة لأن يصبح واحداً من النبلاء. وتجري أحداث هذا الفلم عشية عيد الميلاد وحيث  أُسند دور البطولة للفنانة هيلينا بونهام كارتر.
 سبق أن قُدمت هذه الرواية بصيغة فلم درامي عام 1988 بطولة جونيث بالترو، روبرت دي نيرو وإيثان هوك. كما أُخرج هذا العمل عام 1946 من قبل ديفيد لين الذي أسند أدواره الرئيسية إلى جون ملز، برنارد مايلز، جين سيمونز ومارتيتا هونت.

مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة
بغية إحاطة قرّاء “الجزيرة الوثائقية” بجانب من المسابقات الرسمية لمهرجان لندن السينمائي الدولي اخترنا في هذا المقال أن نركز على مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة وذلك لأهميتها الكبيرة من جهة، ولطرافة موضوعاتها وغرابتها وجرأتها في آنٍ معا.و بعد مشاهدة لجنة الفحص والتمحيص توصل أعضاء اللجنة إلى ترشيح الأفلام التالية التي نوردها حسب التسلسل الذي وضعه القائمون على المهرجان وهي “كن حذراً من السيد بيكر” لجي بلجر، “أحلام معلّبة” لكاتيا غوريلوف، “المتنزّه المركزي خمسة” لكين بيرنز، “الأثنوغرافي” ليوليسيس روسيل، “أخلوا سبيل أنجيلا وكل السجناء السياسيين” لشولا لنج، “اللامرئيون” لسيباستيان ليفيشتز، “ميا ماكسيما كولبا: صمت في بيت الله” لأليكس غبني، “القمة” للآيرلندي نيك ريان، “، “استدار باتجاه الشمس” للأميركي غريك أوليفر، “قرية في نهاية العالم” لسارة غافرون، ” غرب ممفيس” للأميركية إيمي بيرغ..
لا يمكن التوقف عند كل الأفلام الوثائقية المشاركة في المسابقة الرسمية، لذلك سننتخب بعضاً منها، ونقدِّم مختصرات لثيماتها الرئيسية التي استمددناها من موقع المهرجان الإليكتروني.

 ففي فلم “كُن حذِراً من السيد بيكر” لجي بلجر تتمحور الثيمة حول غنغر بيكر الذي انتزع اعتراف المعنيين بأنه أعظم طبّال في العالم، ولكنه مدمن على المخدرات، وربما تفوقت شهرته الإدمانية على الجوانب الفنية التي يتمتع بها هذا العازف وفرقته التي سبقت الروك أند رول في لندن.
و يتابعه المخرج بلجر في أمكنة متعددة لينجز هذا الفلم الوثائقي المتميز في موضوعه من جهة وفي خطابه السينمائي من جهة أخرى.
يتداخل العام والشخصي في فلم “أحلام معلّبة” للمخرجة الفنلندية كاتيا كوريلوف إلى درجة التماهي، فقصة هذا الفلم هي كولاج سردي وغنائي في آنٍ معاً، كولاج لقصص غير مرئية ترصد الإنتاج الهائل للطعام الذي نستهلكه يومياً فعلبة الرافيولي البسيطة قد تكون مرشداً للمسار السردي للمخرجة كاتيا غوريلوف التي تأخذنا في رحلة تمتد إلى آلاف الأميال وتمر في العديد من الأقطار التي تصنّع هذا النوع من الطعام أو ذاك.
أما الجانب الأكثر أهمية في هذا الفلم فيتمثل في العمّال الذين  يتشاركون في قصصهم الشخصية وتجاربهم وآمالهم وأحلامهم ومونولوجاتهم التي تتكدّس فوق حقول الحنطة، وبساتين الزيتون، ومناجم البوكسايت، ومجازر اللحوم. تستعمل كاتيا في هذا الفلم الوثائقي صوراً قوية تعززها الشهادات الدامغة التي تفتح لنا سلسلة من الحيوات غير المرئية (للإنسان والحيوان في آنٍ معاً) وتقدِّم رؤية مثيرة ومستفزة لعالمنا الحديث المعولم.
 أخرجت كاتياً عدداً من الأفلام الوثائقية نذكر منها (اليوم الأخير في حياته)، (نوايا مخلصة) و (صرخة في الريح).
يناقش فلم (المتنزّه المركزي خمسة) لكين بيرنز، ديفيد ماكماهون وسارة بيرنز حادثة اعتداء مروِّعة قام بها خمسة مراهقين حيث أوسعوا فتاة شابة ضرباً بينما كانت تمارس رياضة الركض في المتنزه المركزي رقم خمسة ثم اغتصبوها، لكنهم تركوها، نتيجة الذعر ربما، في النفس الأخير.
 وبعد ساعات من التحقيق المكثف وجّهت مديرية شرطة نيويورك اتهاماً بالاعتداء البدني على الضحية واغتصابها إلى خمسة مراهقين من مدينة هارلم بعد تسجيل اعترافاتهم وسط الضجة الإعلامية والهياج الشعبي وهؤلاء الشباب هم أنترون ماغرَي، كيفن ريتشاردسون، رايموند سانتانا، كورَي وايز ويوسف سلام.
 قالت المخرجة كين بيرنز أن هذه الجريمة صدمت الناس في نيويورك وغيرها من المدن الأميركية، كما أثارت انقسامات حادة في قضايا اجتماعية حساسة، لكنها بالمقابل كانت أنموذجاً ساطعاً لنظام العدالة الأميركية الذي يُطبّق على الجميع من دون تفرقة أو تمييز.
من الأفلام الوثائقية الجميلة التي سوف يعرضها مهرجان لندن السينمائي الدولي هو فلم (الأثنوغرافي) للمخرج الأرجنتيني يوليسيس روسيل الذي تابع بدقة حياة الأنثروبولوجي الإنكليزي جون هيلاري بالمر الذي أمضى أكثر من مع مجتمع الويتشي (Wichi) عقدين وهؤلاء هم مجموعة أثنية من سكان بأميركا الجنوبية الأصليين الذين يقيمون على ضفاف نهري بيرميجو وبلكامايو في الأرجنيتين وبوليفيا.
لقد سافر هذا الأنثروبولوجي أول الأمر إلى هناك ليقضي بعض الوقت معهم بينما كان يعمل على إنجاز أطروحة الدكتوراه في جامعة أكسفورد، لكنه قرر أن يبقى هناك ويعيش معهم، ويساعدهم في شؤونهم القانونية، ويقدِّم لهم النصح والإرشاد.
 يسلط الفلم الضوء على الجانب الشخصي أيضاً لهذا الأنثروبولوجي الذي تزوج من (وتشية) تُدعى توجوايا التي  أنجبت له أربعة أطفال…
 الأنثروبولوجيا هنا ليست مهنة، وإنما هي طريقة حياة حيث يكون فيها الشخصي والسياسي في حوار دائم.
والأثنوغرافي هو فلم عن اللغة والهوية أيضاً، فلم يحترم التقاليد الشعبية ويرصد بأمانه إيقاعات العالم الذي يريد أن يوثقه.
أنجز يوليسيس روسيل عدداً من الأفلام نذكر منها “مكان للراحة” و “السرير”.

ويستقبل المهرجان كل عام تقريباً عدداً من الأفلام التي تتمحور حول حقوق الإنسان ولعل فلم “أخلوا سبيل أنجيلا وكل السجناء السياسيين” هو خير مثال لما نذهب إليه، إذ تتناول المخرجة الأميركية شولا لنج جانباً من حياة أنجيلا ديفس المناضلة والأيقونة لحركة حقوق الإنسان المدنية التي حققت شهرة واسعة في أميركا خلال ستينات القرن الماضي، وقد أُجبرت على ترك التدريس في جامعة كاليفورنيا عام 1969 بسبب انتمائها للحزب الشيوعي. وعلى الرغم من ملاحقتها، والانتقادات اللاذعة التي وُجهت إليها، ومحاولات تشويه سمعتها إلا أنها نجحت في تنظيم حملة لضمان العدالة لقضية (سوليداد براذرز)، الثلاثة السود المتهمين بقتل حارس أبيض.
 وأثناء انهماكها في هذه القضية تعرضت إلى محاولة اختطاف فاشلة اضطرتها لاحقاً إلى الاختفاء. وقد سبب اعتقالها المتكرر انقساماً في الأمة الأميركية، أما حملات اطلاق سراحها فقد تجاوزت حدود أميركا لتنتشر في مساحة واسعة من العالم.
وللمثلية الجنسية حصتها في غالبية المهرجانات الأوروبية والغربية عموماً، وقد خص مهرجان لندن هذا الجانب ببعض من اهتمامه ففلم (اللامرئيون) لسباستيان ليفشتيز يسلط الضوء على أحد عشر مثلياً تجاوزت أعمارهم السبعين من الرجال والنساء على حد سواء تربطهم هذه العلاقة الجنسية الحميمة من وجهة نظرهم. وما أن ينغمر المشاهد في أجواء الفلم حتى يجد نفسه منغمساً في قصصهم الشخصية، فكل واحد منهم لديه قصة يرويها، واللافت للنظر أن هذه المقابلات الشخصية لهم تكاد تكشف شيئاً واحداً على قدر كبير من الأهمية، وهذا الشيئ هو إخلاصهم للحياة المثلية، وولائهم لهذا الانجذاب الساحر الذي لا يفهمه الغالبية الكبرى من الناس الذين يعتقدون أنهم أسوياء بينما يضعون المثليين في خانة (المنحرفين) كما أراد الفلم أن يرى . أنجز سباستيان عدداً من الأفلام نذكر منها “أجساد مفتوحة”، ” الأرض الباردة”، “العبور”، “الجانب البري” و “الذهاب جنوبا.ً”
لم يخرج فلم “ميا ماكسيما كولبا: صمت في بيت الله” عن إطار الجنس أو المثلية الجنسية، فقبل 25 عاماً في مدرسة القديس جون لذوي الاحتياجات الخاصة في ويسكونسن نجا الكاهن لورنس سي ميرفي من العقاب وهو الذي تحرّش بمئتي طالب بالتمام والكمال. لقد استفز هذا الكاهن العالم برمته، لكن الفاتيكان لم يقم إلا برد فعل صغير على هذه الحادثة الكبيرة. يعتبر هذا الفلم جوهري في مغزاه، وكبير في تصديه لواحدة من أكبر فضائح العصر الحديث، كما أنه ينتصر لضحايا التحرّش في هذه الأمكنة التي يعدها الكثيرة مقدسة، ولا بد أن تمتد هذه القداسة إلى الأطفال لكي يكونوا بمنجاة من بعض الكهنة المثليين.
لابد من الإشارة أن هذه الأفلام المهمة قد لفتت انتباه النقاد والمتابعين للصحافة السينمائية الذين يعتقدون أن واحداً من هذه الأفلام المعروضة طي هذا المقال قد ينتزع جائزة مهمة من جوائز المهرجان.


إعلان