أزمة على سطح أوسكار ساخن
أي فيلم تسجيلي له الأفضلية؟
محمد رُضا
?لدى أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية المانحة لجوائز الأوسكار والموكلين بالتصويت على أوسكار أفضل فيلم تسجيلي، شهر ونصف الشهر من هذا الأسبوع، لمشاهدة ثمانين فيلماً تسجيلياً تم إرسالها في حزمة واحدة إلى كل منهم قبل أقل من أسبوعين. على عكس أعضاء “جمعية مراسلي هوليوود الأجانب” فإن الأفلام التسجيلية لا تحظى بعروض خاصّة على الشاشات الكبيرة قبل توزيع أسطوانات الـ DVD على الأعضاء جميعاً. هذا يتيح للراغبين من أعضاء الجمعية التي تقوم بتوزيع جوائز الغولدن غلوبس في الشهر الأول من العام المقبل، مشاهدة الفيلم على شاشة سينمائية وتقديره كما يجب. ?
هذه هي الفترة التي نُـشاهد فيها، نحن أعضاء هذه الجمعية الأساسية، كتلاً من الأفلام وعلى نحو متواصل يمتد من منتصف الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر) إلى منتصف الشهر الأخير من العام (كانون الأول/ ديسمبر) بهدف التصويت على جوائز الغولدن غلوب. من الساعة التاسعة صباحاً ننطلق لنؤم لقاءاً مع سينمائي ما شاهدنا فيلمه ليلة البارحة. أحياناً يتبعه لقاء آخر، وفي أحيان أخرى ننطلق من اللقاء لمشاهدة أول عروض اليوم الخاصّـة الذي قد يكون بإتجاه غربي المدينة. بعد ثلاث ساعات ترانا، كل في سيارته، نقود المسافة (ونحن نتحدّث عن واحدة من أكبر مدن العالم وهي لوس أنجيليس) بالعودة، لا إلى المقر الذي يقع في منتصف المدينة بل إلى طرف شرقي منها لنشاهد فيلماً آخر. وساعات الليل ليست حرّة. إذا لم يكن هناك حفل سينمائي نحضره يسبق او يلي عرض خاص لفيلم ما، فإن هناك عرض آخر بلا حفل سابق او تال.

أسمّـيه “مهرجان الغولدن غلوب” خصوصاً وأن نصف أفلامه لا تقل عالمية وتنوّعاً عن أفلام أي مهرجان آخر. فنحن نشاهد أفلاماً من أوروغواي إلى مصر ومن جنوب أفريقيا إلى السويد مروراً بنحو خمسين جنسية أخرى لجانب كل ذلك العدد الكبير من الأفلام الأميركية ذاتها. والمشاهدات تتضمن الروائي والتسجيلي والأنيماشن من دون تفريق.
لكن المسألة مختلفة بالنسبة لأعضاء الأكاديمية فمعظم العروض الروائية تقام في صالة واحدة، ما يجعل الحضور أسهل بكثير، و-كما سبق- يتم توزيع الأفلام التسجيلية على فرع معيّـن من أعضائها (يشمل على نحو 160 فرد) صندوقاً جامعاً يحوي كل ما هو مرشّـح لتأليف قائمة من ثلاثة إلى خمسة أفلام هي التي سيتم، في إقتراع شامل لاحق، اختيار ما يراه الأعضاء يستحق الجائزة الكبرى.
هذا العام هناك اختلاف أثار حذر مخرجي الأفلام التسجيلية إلى حد بعيد: الصندوق المذكور حوى رسالة موجّـهة إلى الأعضاء الـ 160 المخوّلين ترشيح أفضل ما يجدونه من أفلام مقدّمة إليهم ترشدهم إلى بعض التوجيهات التي وجدها الأعضاء والسينمائون على حد سواء، تدخلاً في التفضيل الشخصي للمرشّح. هذه التوجيهات تحد من عدد الأفلام التي يمكن للعضو الواحد إيرادها من بين ما شاهده، من ناحية، ومن ناحية أخرى توجهه لأي من الأفلام “عليه” أن يركّـز اهتمامه عليه.
عملياً هذا أشبه بتحديد مسبق لكيف سيتم للعضو التصويت. ليس هذا فقط، بل أن أحد الشروط الجديدة لقبول فيلم تسجيلي في مسابقة الأوسكار هذا العام هو أن يكون واحدة من صحيفتين محددتين، هما “لوس أنجيليس تايمز” و”ذ نيويورك تايمز”، قد نشرت نقداً سينمائياً عن الفيلم. هذا يعني أنه إذا لم يقم المنتج او المخرج بدعوة نقاد الصحيفتين (كل صحيفة لديها ثلّـة من النقاد) لمشاهدة فيلمه عبر عرض خاص، او عبر إرسال أسطوانة دجيتال فإنه لا يحق له دخول المسابقة.
مايكل مور، السينمائي التسجيلي الأشهر، هو عضو اللجنة الموكلة بترشيحات هذا النوع من الأفلام ومن نقاد تشريعاتها أيضاً. وأول ما ينتقده هو إرسال الأفلام لعروض منزلية فيقول أن النظام المعمول به ليس عادلاً: “لا أحد منـا سيشاهد ?كل ما يتم إنتاجه من أفلام تسجيلية خصوصاً (132 فيلم في هذا العام) وأن منها ما هو منتج من قِـبل المحطات التلفزيونية ??(بنسبة 40 بالمئة)” ويرى بالتالي أن تتم عروض الأفلام على الشاشات الكبيرة على إلزام الأعضاء بمشاهدتها. وعوض متابعة كل هذا العدد من الأفلام يتم اختيار مسبق للأفلام بحيث يتم استقبال ما هو جيّـد منها او محتو لعناصر إنتاجية ثابتة.?

إذا كانت هذه هي المشكلة الفعلية الواردة في سياق عمل الأكاديمية في هوليوود، فإن الجانب الآخر منها الذي لا يقل فداحة هو أن التركيز إذا ما اتبع العضو إرشادات اللجنة ستعمل لصالح أفلام دون أخرى. لكن هذا التمييز واقع لا محالة. ففي بال كل عضو، من خلال متابعته لهذه السينما طوال العام بكامله، فئة محددة سيتوجّـه إليها تلقائياً. لعلها الأفلام التي تناولت مواضيع اجتماعية- سياسية، او أفلام نالت نجاحاً نقدياً كبيراً من أي لون. المهم أن نسبة تبلغ عشرة بالمئة ستسود الإهتمام وهي التي سيخلص معظم الأعضاء لاختيارها.
المخرج جو برلينجز يقول في حديث لصحيفة “ذ نيويورك تايمز” أن هذه الإرشادات التي تحبّذ أفلاماً دون سواها للمعاينة والترشيح “تلغي العملية الديمقراطية بأسرها”. برلينجر الذي من بين أفلامه التسجيلية الحديث «تحت سماء أفريقية»، يجد أن الإرشادات هي “دعوة للتمييز وتوجيه الأعضاء لنخبة من الأفلام دون سواها”.
وفي نفس الصحيفة مقابلة مع سينمائي تسجيلي آخر هو ستيف جيمس، الذي حقق مؤخراً فيمين لقيا إهتماماً من الجمهور والنقاد هما «المتدخلون» و«أحلام كرة السلّـة» الذي يقول أنه يتفهّم أزمة الأكاديمية في هذا الخصوص: “على أي أساس يجب إختيار الأفلام؟ على أساس عروضها الجماهيرية؟ أم على أساس عروضها في المهرجانات؟ أو أن يكون الباب مفتوحاً أمام كل فيلم من دون إستثناء؟”
مع تحديد المسألة على هذا النحو، فإن الحلول المطروحة تبدو سهلة، لكنها لا تُطرح وإذا ما طرحت فإن جوانب لها تبرز لتعيق الأخذ بها. فأي تحديد يُـقيد حريّـة الفيلم التسجيلي، مثل اختياره من بين ما عرض جماهيرياً فقط، او من بين ما تداولته مهرجانات السينما، هو أمر عليه أن يكون مرفوضاً. لكن البديل، إنتخاب كل شيء مع توصيات، هو ما أوصل الأمور إلى الأزمة الحالية. ماذا لو قامت الأكاديمية بسحب توصياتها التوجيهية وترك المسألة للناخبين؟ حل آخر يبدو سهلاً… لكن هل سيستطيع الناخبون مشاهدة 132 فيلماً في شهرين فعلاً؟