الذهاب الى السينما..

رحلة سِيد فيلد في السينما خلال أربعة عقود

قيس قاسم ـ السويد

رحلته الشخصية الطويلة في حقلي كتابة السيناريو والنقد السينمائي، سطرها سيد فيلد في كتاب حمل عنوان:”الذهاب الى السينما”، قام بترجمته من الإنكليزية الى العربية أحمد الجمل وراجعه عن الألمانية قيس الزبيدي، وفيه تداخلت السيرة الشخصية والتجربة المهنية ووصل الى قرائه العرب سهلاً وممتعاً على ما فيه من عمق وتخصص الموضوع، الفضل في ذلك يعود الى اسلوب شيق إمتهن صاحبه العمل الكتابي والى ترجمة ومراجعة حاولتا الحفاظ على حلاوته وعلى نقل أفكاره ونظرياته، التي جعلت منه واحداً بين أهم المساهمين في وضع الأسس المنهجية للنقد السينمائي وكتابة السيناريو، ويكفي هنا إشارته الى كتابه المرجع “السيناريو” (ترجمه سامي محمد) بأنه أفضل ما قام به من وحي التجربة الشخصية وصار من أكثر الكتب رواجا الى درجة اعتمدته كليات ومعاهد في طول البلاد وعرضها وطبعت منه أكثر من طبعة خلال مدة قصيرة على صدوره عام 1979.

                                      سيد فيلد

 في صباه ذهب فيلد مثل ملايين من البشر الى السينما، بدافع التمتع بمشاهدة الأفلام لكنه ومع الوقت بدأ يفكر في طريقة صناعاتها فكان هذا مدخلاً للسير في دهاليز ذاك العالم السحري الذي سيقوده وبعد سنوات الى التفكير جدياً في تأليف كتاب يستطيع من خلاله فحص العناصر المميزة للفيلم وما الذي يجعل منه جيداً أم سيئاً. لقد تغيرت غاية ذهابة الى السينما من المتعة المجردة الى العمل الإحترافي، وعنوان الكتاب “الذهاب الى السينما” الصادر عن المؤسسة العامة للسينما السورية، يحمل في داخله دلالات هذا الإنتقال وما سيترتب عليه من تأثيرات شخصية ومهنية خلال حياته “في وقت لاحق أصبح ذهابي الى السينما لمشاهدة الأفلام كمهنة، بداية، كمخرج وثائقي، وبعدئذ، كناقد سينمائي. وتطور عملي بسرعة وأصبحت كاتب سيناريو. بعد مرور عدة سنوات أصبحت قارئاً للسيناريوهات”.
مراحل تطور بناءه الشخصي والعملي يسردها فيلد بإسلوب روائي ومن خلالها يتكشف للقاريء صعوبة تحقيق نجاح ما في عالم شديد التنافس إبتدأ حياته العملية فيه بقسم “الشحن” التابع لشركةالإنتاج التلفزيوني ولبر برودكشن، التي كلفته بمهام عادية مثل: قيادة السيارة أو تسليم الطرود البريدية واستقبال زوار الشركة. وعلى مستوى النظرية، وما يبدو لنا اليوم معروفاً وبديهياً فيها، كان بالنسبة اليه توصلاً أو إكتشافاً، فالفترة التي عاش فيها لم تعرف حسماً للكثير من القضايا النظرية والأكاديمية وإستنتاجه حول المباديء الدرامية للفيلم يعبر عنها بوضوح “مع أني كنت أرغب في انتاج الأفلام الروائية تعلمت بسرعة إن المباديء الدرامية في الوثائقي لا تختلف عن الروائي، وهذة هي الإضافة الجديدة التي جاء بها ديفيد ولبر الى عالم التلفزيون”. حتى الدراسة الأكاديمية لم تساعده كثيراً في عمله، لكنها شكلت له أساساً لمعرفه سيكملها لاحقاً بتجارب شخصية من بين أكثرها حضوراً  وتاثيراً عليه علاقته برينوار الذي تعلم منه كيف يجلس في مواجهة ورقة بيضاء ويسطر فوقها أفكاره حتى يحصل على الشيء الذي يريد قصه بطريقته الخاصة. وسيتأثر بإتجاه غودار الجديد الذي سيدفعه للتفكير في موضوع العلاقة بين الشكل والمضمون، وتصوله لاحقاً الى ما يمسى  ب”المعنى المبطن للنص” من خلال طريقة عمل الإيطالي مايكل أنجلو انطونيوني.

                                    غلاف الكتاب

لقد ظل هاجسه لمعرفة العامل الحاسم في تحديد جودة أي نص سينمائي، قائما طيلة حياته المهنية. أراد أن يؤسس قواعد عامة يمكن من خلالها كتابة سيناريو يتضمن عناصر نجاحه ونجاح الفيلم بعد اكمال مراحله، ونتيجة لعمله الطويل كمنتج مساعد توصل الى ان المشاهد العظيمة تصنع أفلاما عظيمة وأن منزلة النجم بدت له تقريباً ذات طبيعة اسطورية وأن الحاجة الدرامية للشخصية هي المحرك الذي يولد الإطار الدرامي لخط القصة لكنه لم ينس إن تجربة مشاهدة أي فيلم جيد لا تعود فقط الى مستوى نوعية العناصر المكونة له؛ كالتمثيل والموسيقى وفن التصوير بل المهم ان تكون كلها منسوجة في خط الحكاية، كخيوط الذهب التي تدل على أبهة النسيج المطرز. لقد ظل محتفظاً بنظريته التي تعتبر القصة أساساً لنجاح كل فيلم وربما ما زاد من قناعته تلك تجربة عمله الطويل كقاريء ومقترح نصوص في شركة  سينه/ موبايل التي أدارها المصور والمنتج المصري فؤاد سعيد، خريج كلية السينما في جامعة (يو أس سي) والمصور في مسلسل “أنا الجاسوس” والمسؤول عن تصوير مشاهده الخارجية. إنه مبتكر حافلة التصوير المتنقلة بعربة (فان) التي صممها كي تحمل الكاميرات وتجهيزات التصوير الضرورية وتقلص مصاريف الإنتاج الى حد كبير. لقد إبتكرا سوية مصطلحاً نقدياً جديداً أطلقا عليه “الهوامو” بدأ بإستخدامه سعيد ثم طوره فيلد ليصبح مبدءاً في الكتابة السينمائية، ويعني بإختصار: مشهداً أو حركة أو شيئاً يدفع بالحدث. انه عدد المشاهد المحركة للمشاعر والمؤثرة بعد كل عشر صفحات. سيقوده المصطلح الجديد الى التفكير بوضع “نموذج” للسيناريو، منطلقاً من خبرة متراكة في هذا الحقل رسخت مبدءاً يقول “لا يمكن تحقيق فيلم جيد من سيناريو مكتوب بشكل سيء ومنجز على نحو رديء”. وسيظل يكرر هذة العبارة أمام طلابه.
أما نموذجه المقترح لكتابة السيناريو والمعتمد على الحركات الثلاثة التقليدية: بداية وسط ونهاية، فهو الأكثر مثاراً للجدل والخلاف، بخاصة بين المدرستين الأوربية والأمريكية ومعه يثار سؤال ما إذا كانت فكرة أي فيلم تؤثر على مستوى بنيته؟ لقد آمن بوجود هذا التأثير، وأيضاً وجود الفوراق بين القارتين رغم وحدة لغة السينما وعالميتها، فالمخرجون الأوربيون يعتقدون بأن الفكرة التي تقف وراء الفيلم هي أهم بكثير من القصة بينما الفكرة في السينما الأمريكية تتطور وتتحول الى قصة، ثم تعالج حبكتها دراميا لتصبح قصة متماسكة. فالسينما في النهاية بالنسبة لسيد فيلد لغة تخاطب القلب مباشرة، ومن يمسك بعناصرها وعناصر الفيلم من الداخل هي: القصة.


إعلان