فيلم لستانلي كوبريك وآخر لمهووسيه

محمد موسى

يَفّتح الفيلم التسجيلي “غرفة 237” للمخرج رودني آشر مجازيا ، باب غرفة فندق “أوفرلوك”، التي كان قد أغلقها ” جاك تورانس ” على نفسه، قبل أن يتيه في ظلام جنونه، مطاردا أشباحه، ثم يفسح الفيلم التسجيلي، المجال لأكثر المهووسين بفيلم ستانلي كوبريك الشهير “شايننغ” تطرفا، ليفصحوا عن تفسيراتهم للفيلم وشفراته، وبالتحديد تلك الرسائل الغامضة التي يبدو متأكدين بأن  المخرج المثير للجدل  تركها في مشاهد الفيلم، لمعجبيه وللمستقبل . تترواح تلك الشفرات، وحسب المتحدثين في الفيلم التسجيلي، بين إشارات للتاريخ الألماني النازي والهولوكوست، إلى تاريخ السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، مرورا بإشارات جنسية ساخرة للمخرج، الذي كان متأثرا وقتها بالرسائل الضِمّنية للإعلانات التجارية التلفزيونية ، وأيضا هناك دلائل في الفيلم تخص ندم المخرج لإشتراكه في إخراج الهبوط المزيف لمركبة امريكية على القمر ، بل إن أحد المتحدثين زعم إن الفيلم يجب يشاهد بطريقة معكوسة عن الطريقة التي يعرض فيها ، ليتم فهم رموزه!

يكتفي المخرج بجمع عينة قليلة فقط من النظريات، التي يقترب بعضها من الهلوسة، التي تحيط بفيلم “شايننغ” منذ سنوات، والتي وجدت في شبكة الإنترنيت، ساحة مثالية للنمو وجمع الأتّباع، لكن الفيلم، والذي كان قد جمع جمهور غفير عند عرضه في الدورة الإخيرة من مهرجان أبو ظبي السينمائي ويعرض حاليا في الصالات السينمائية البريطانية، تزامنا مع عرض نسخة جديدة مصححة من فيلم ” شايننغ ” للمخرج ستانلي كوبريك، لا يفسر سر الهوس الكبير في الفيلم، والذي على الرغم إنه أكثر افلام ستانلي كوبريك شهرة وشعبية إلا إنه ليس أفضلها بالتأكيد، ولماذا  لم تحقق افلام آخرى للمخرج، مثل ” 2001: أوديسا الفضاء” على إهتمام مشابه، رغم الرمزية المتعددة الطبقات للفيلم الآخير، وإثارته لجدل كبير وقتها.

كان يمكن لبعض تفسيرات ونظريات الذين تحدثوا لفيلم “غرفة 237″ التسجيلي أن تثير السخرية وأن لا ينظر لها بجدية أبدا، لولا ما عرف عن هوس ستانلي كوبريك بالتفاصيل الدقيقة لكل مشهد او كادر لمعظم افلامه، وخاصة تلك التي أنجزها بعد تركه الولايات المتحدة الأمريكية وإستقراره في بريطانيا، والتي صور فيها جميع أفلامه وحتى وفاته في عام 1999. هناك كتب وأفلام تسجيلية تقدم شهادات للذين عملوا مع المخرج الراحل تؤكد هذا الهوس المطلق بالتفاصيل، والذي تزامن مع سيطرة كاملة على العملية الفنية وبدون تدخلات الإستديوهات السينمائية الكبيرة التي أنتجت أفلامه، والتي منحت ستانلي كوبريك حرية غير مسبوقة لمخرج سينمائي من قبل. ذلك الهوس الكبير يجعل تقبل التفسيرات التي قدمت في فيلم ” غرفة 237″ (رغم تطرف بعضها) أمرا مقبولا قليلا، الفيلم التسجيلي يتوجه ايضا الى معجبي المخرج ستانلي كوبريك، وفيلم ” شايننغ ” بالتحديد، والذي عرف الظهور اللالمع للممثل الظاهرة وقتها جاك نيكلسون.

مخدرات وجليد ينهار

ويعرض في بريطانيا فيلم “المنزل الذي اعيش فيه” للمخرج يوجين جاريكي، عن الحرب الأمريكية الطويلة على تجارة المخدرات. يرتب الفيلم الذي فاز بجائزة سنداس لافضل فيلم تسجيلي في دورته الاخيرة، حقائق من الأربعين عاما من الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على تجارة المخدرات، وإنتهى إلى خلاصات، بأن تلك الحرب فشلت بشكل مدوي، فالمخدرات متوفرة الآن أكثر من أي وقت مضى في الشوارع الأمريكية، بأسعار تعد الأرخص، مقارنة بكل فترات “الحرب” تلك، وإن 45 مليون أمر بالقبض على متهمين، والتي قامت القوى الأمنية  الأمريكية بإصدارها  طوال الأربعين عاما الماضية، لم تُوقف تجارة  المخدرات في المدن الأمريكية. وفي بريطانيا ايضا، يعرض فيلم “إيست إند بابل” للمخرج ريتشاد انغلاند، والذي يقدم بوتريت عن واحدة من أكثر مناطق لندن عنفا وفقرا، عبر الموسيقى التي قدمها الأخوين جيف وميك غيجوس، والقادمين من المنطقة نفسها، في فرقتهما لموسيقى “البونك” التي حملت إسم “كوكني رجيكت”.

وكجزء من تقاليد أصبحت شائعة، بعرض أفلام تسجيلية تجمع بين الصور الباذخة في جمالها والرسالة الإنسانية التي تتضمنها، والتي تخص بالعادة موضوعات الطبيعة والحيوانات، يتواصل عرض فيلم “مطاردة ثلج” للمخرج والمصور الأمريكي جيمس بالوغ، والذي يسجل في في القطب الجنوبي دلائل على تأثيرات التغييرات المناخية على طبيعة تلك المناطق، والذوبان المتواصل بإستمرارية مؤكدة لجبال الجليد تلك. قضى المصور الامريكية مع مجموعة من المتطوعين، فترات طويلة في تلك المناطق المتطرفة في ظروفها المناخية، ليصور الانهيار البطيء لطبيعة خاصة كثيرا.

ومن قصص التحدي والتفوق الانساني، يعرض في الصالات الأمريكية فيلمان هما : “حرق” للمخرجين توم بوتنام، برينا سانشيز واللذان يرافقان فيه مجموعة من رجال الإطفاء الأمريكان في مدينة ديترويت الأمريكية في عملهم اليومي، مسلطا في الوقت نفسه الأضواء والإنتباه على الإنهيار البطيء للمدينة، التي كانت في زمن ما، مركز صناعة السيارات في العالم. وفيلم ” تسديدة بعيدة ، قصة لاو كيفن ” للمخرج فرانكلين مارتن عن لاعب كرة السلة الامريكي لاو كيفن،  الذي ورغم إنه ولد بيد واحدة، إلا إنه واصل حلمه بلعب كرة السلة، لتحقيق إمنية والده المتوفي.

وفي هولندا، يعرض فيلم “قتل” للمخرج الهولندي روبرت آوي، والذي يذهب إلى الجرح الوطني الحديث الغائر للبلد، إذ يقابل عوائل 25 من الجنود والجنديات الذين قضوا في الحرب المستمرة في أفغانستان، والتي تشارك فيها هولندا بقوة لحفظ السلام. الفيلم الذي سيركز على ثيمة الفقد والحياة بعد فقدان الأحبة، سينقل نقد كبير لأهل بعض هؤلاء الجنود لحكومة بلدهم ووزارة الدفاع فيها، لزج أبنائهم في حرب عنيفة، لا تتوقف عن إلتهام الضحايا. الفيلم يتضمن مقابلة مؤثرة مع رئيس هيئة الدفاع الهولندي بيتر فان إيهم، والذي فقد إبنه الجندي في الحرب الأفغانية في عام 2008، في حادثة إستأثرت بإهتمام إعلامي هولندي كبير وقتها.


إعلان