العرض الأول لـ”المختفون” في تونس

الوثائقي في ضيافة وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التونسية

من الشعارات الكبرى التي رفعتها ثورات الربيع العربي، شعار رد الاعتبار للمنضالين ضد الاستبداد أيام الجمر. فقد مضت جحافل من الرجال الوطنيين نحو السجون والمنافي والاختفاء القسري وجلهم غابوا في غياهب التعذيب والزنزانات. مضوا في غفلة من غالبية كبيرة من الشعب الذي كان يسمع ما تسرب من تلك الحكايات القاسية ولكن أحدا لم يجرأ على رفع تلك المظالم. باستثناء المنظمات الحقوقية العربية والعالمية التي كانت تصارع تيارات الاستبداد لكشف الحقائق.
بعد سقوط نظام بن علي وفرار الطاغية إلى السعودية اكتشف التونسيون فيما اكتشفوا هول ما حدث مع الكثير من المناضلين والسياسيين من شتى الاتجاهات الذين قاوموا نظام بن علي. كانت الحقيقة أكبر بكثير من التوقعات ومن الأخبار المرعبة التي حفلت بها ملفات الحقوقيين. وبذلك أصبح من مطالب الثورة الأولى في تونس هي كشف الحقائق وفتح ملفات التعذيب والقتل والاغتيال السياسي والتهجير والاختفاء القسري. وأنشأ النظام الجديد في تونس وزارة تعنى بهذا الموضوع أطلق عليها سام وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. ويرأسها سجين سياسي سابق قضى حولي 10 سنوات من عمره في السجن ثم انطلق ناشطا حقوقيا إلى أن جاءت الثورة.

إن مفهوم العدالة الانتقالية وردّ الاعتبار وجبر الضرر لمن عذبوا وهُجّروا من المفاهيم القانونية والسياسية التي يدور حولها الجدل القانوني والسياسي التونسي. ولكنها أيضا من المواضيع الراهنة المفضلة للمبدعين التونسيين للخوض فيها والتعبير عنها خاصة في مجال السينما والسينما الوثائقية على وجه الخصوص. ومن الأفلام التي تناولت إحدى زوايا العدالة الانتقالية فيلم “المختفون” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية وأخرجته المخرجة التونسية الشابة إيمان بن حسين.
وفي مبادرة من وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التونسية قامت الجزيرة الوثائقية بالعرض الأول لفيلم المختفون في تونس، هذا الأسبوع، في تظاهرة أقيمت في الوزارة المذكورة. وتعتبر هذه البادرة هي الثانية التي تعرض فيها الوثائقية أحد أفلامها قبل أن تعرضه على شاشتها. وذلك نظرا للقيمة الرمزية للموضوع في بلد يلملم جراح الاستبداد بعد ثورة مازالت تنشد طريقها لتحقيق أهدافها. ونظرا لأهمية هذا الموضوع في الوجدان التونسي وفي الخطاب السياسي الراهن فقد حضر الفيلم رئيس الوزراء التونسي وافتتح هذه التظاهرة التي كان الفيلم مرتكزها الأساسي لمناقشة العديد من القضايا.
يتناول الفيلم أربعة شخصيات تونسية يجمع بينها مفهم الاختفاء القسري والاضطهاد والسجن حيث اختفت هذه الشخصيات أيام بن علي خوفا من المطاردة والاعتقال. وكانت تهمتهم الوحيدة هي العمل السياسي ونقد الدكتاتورية. يتتبع الفيلم قصصا قاسية للسجناء ولعائلاتهم. إلى درجة أن أم إحدى الشخصيات اعتبرت أن الاعتقال أهون بكثير من عملية الاختفاء أو التعذيب. وقد “تفنن” المختفون في عدم السقوط بين يدي جلاديهم فمنهم من عاش مدة طويلة في سرداب تحت بيته ومنهم من بنى لنفسه غرفة بابها خلف خزانة تخفي معالمه.. فإجمالا كان الفيلم وثيقة قاسية على واقع أكثر قسوة.

الوزير سمير ديلو (يمين) ومدير الوثائقية
أحمد محفوظ

وقد صرحت إيمان بن حسن مخرجة الفيلم أنها قبلت بالفكرة التي عرضتها عليها الجزيرة والوثائقية واقبلت عليها بجدية وأنها تأثرت كثيرا بمعاناة الشخصيات الذين تتبعت قصصهم. كما نفت عن نفسها أي ميل لإظهار نضال طرف سياسي على آخر وأنها ركزت على البعد الإنساني النضالي بقطع النظر عن انتماءات الشخصيات.
من جهته أكد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية السيد سمير ديلو وهو حقوقي ومحامي، على أهمية الأعمال الفنية في تخليد الذاكرة الوطنية ورد الاعتبار للمنضالين بالتعريف بهم وحفظ ذكريات نضالهم. أما السيد أحمد محفوظ مدير الجزيرة الوثائقية فقد عبر عن سعادته وشرف القناة بأن يكون لها دور في المساهمة في التعبير عن القضايا العربية وخاصة بعد الثورات. واعتبر أن الفيلم هو عمل فني بالدرجة الأولى يهدف إلى توثيق جزء من الذاكرة التونسية خاصة والعربية عامة. وأنه يميل إلى البعد الإنساني بالغوص في عمق الشخصيات وقصصهم وتحديهم من أجل البقاء.
وجدير بالذكر أنه تم تكريم مخرجة الفيلم وكذلك الشخصيات الرئيسية فيه كما تم تكريم مصور الجزيرة والسجين السابق في غوانتانامو سامي الحاج. كما سلم مدير الوثائقية درع الجزيرة لوزير حقوق الإنسان. وكانت الجزيرة الوثائقية قد عرضت في فترة سابقة من هذه السنة فيلم “صالح بن يوسف” في قصر قرطاج بحضور رئيس الدولة المؤقت المنصف المرزوقي. وجاء فيلم “المختفون” كبادرة ثانية من نوعها في تونس مع الجزيرة الوثائقية للتأكيد على أهمية الوثائقي كوسيط ثقافي قادر على أن يلعب دورا مهما في المشهد الفني والسياسي العربي المعاصر..


إعلان