أفلام من “كل ذاكرة العالم”
لا يكاد يمر أسبوع في باريس دون تظاهرة سينمائية، تتعدد المبادرات ويتنوع المنظمون وتحضر السينما بكل أنواعها الروائية والوثائقية والتجريبية، الطويلة والقصيرة والمتوسطة، نوافذ مفتوحة على إبداعات العالم تهب محبي الفن السابع أوقاتا من المعاناة طورا ومن المتعة أطوارا… هنا عرض موجز لتظاهرتين.

ندى الأزهري-باريس
الحفاظ على ذاكرة السينما كان على الدوام رهانا اساسيا للمكتبة السينمائية الفرنسية “السينماتيك”. رهان لا تنفرد به لحسن الحظ بل يشاركها فيه أصحاب حقوق الأفلام والصناعة التقنية والهيئات العامة والخاصة والرعاة.
وفي هذا الإطار ، تنظم السينماتيك المهرجان الأول لكل ذاكرة العالم الذي يقدم في نسخته الأولى، التي تستمر خمسة ايام اعتبارا من 27 نوفمبر، أربعين فيلما. أفلام تعتبر من تحف السينما العالمية تعرض ضمن ثلاثة أقسام، يخصص الأول لتكريم مؤسسة “مارتن سكورسيز فيلم فاونديشن” التي أسسها هذا المخرج في مستهل التسعينات للحفاظ على الإرث السينمائي العالمي. وقد اختار سكورسيز سبعة أفلام لعرضها في هذه التظاهرة ينتمي بعضها إلى كلاسيكيات السينما كفيلم “المطاردة اللعينة” لجون فورد و”على السكة” لإيليا كازان، يضاف إليها بعض الأفلام البوليسية مثل “الهاربة” لأرثر ريبلي. كلها نسخ مرممة وأعمال ساهمت في الهام سكورسيز وفي ابداعه الشخصي كسينمائي. اما القسم الثاني فيخصص لعرض الأفلام المرممَة والثالث لأفلام تعود إلى بدايات السينما الناطقة من 1900 إلى 1932.
وما يهم هنا هو أن أفلاما تركت علاماتها في تاريخ السينما العالمية، واعتبر جزء منها ضائعا أو كان يقدم إلى غاية اليوم في نسخ سيئة أو غير مكتملة، ستعرض بعد أن جرى ترميمها. أحد عشر فيلما جاءت من العالم أجمع مثل”حريق… يا إطفائيون” آخر ما حقققه في تشيكوسلوفاكيا المخرج ميلوس فورمان وقد رممت نسخته الموزعة عام 67-68 بالنظام الرقمي، وكذلك فيلم المخرج البريطاني ديفيد لين “لورانس العرب” المنتج عام 1962 الذي سيعرض بحضور عمر الشريف، وفيلم هيتشكوك ” ابتزاز” الذي حققه عام 1929، و” الجثة الحية” لمعاصره فيدور أوزوب، ورائعة رومان بولانسكي “تس” الذي ستعرض بحضوره… أفلام يعود تاريخ إنتاج بعضها إلى بداية العشرينات وأخرى أكثر حداثة كشريط “كل هذا أفلام قديمة واخرى أكثر حداثة كفيلم” كل هذا الجاز” للكوريغراف والسينمائي بوب فوس الذي رمم ويعرض بنسخته الجديدة للمرة الأولى في أوربا. وبالطبع ستكون هناك بعض الندوات والمحاضرات واللقاءات مع كبار من الفن السابع.
ملتقى السينما المغاربية في معهد العالم العربي
يعود معهد العالم العربي، الذي يحتفل بمرور خمسة وعشرين عاما على انشائه، إلى تنظيم عدة تظاهرات سينمائية على مدى العام تتيح للجمهور في فرنسا التعرف على سينما قادمة من مشرق العالم العربي ومغربه.
بالتعاون مع جمعية “أفلام المغرب” نظمت على مدى أيام خمسة في المعهد من 19 ولغاية 23 نوفمبر، عروض للسينما المغاربية التي تسعى أكثر فأكثر لاقتحام مواضيع جريئة وكل ما من شأنه عكس الواقع الصعب كالتهميش الاجتماعي والمنفى والمحرمات وما يتعلق بحرية التعبير المدني والسياسي واضطهاد النساء.

وقد ركزت تلك الدورة على الوثائقي الذي بات يهيمن أكثر فأكثر على الإنتاج السينمائي العربي، وأمسى يستقطب مخرجين دأبوا على إنجاز الأفلام السينمائية الروائية، كالتونسي محمد زران وعديدين غيره. ولعل واقع بلدانهم والتحولات السريعة السياسية والاجتماعية تدفعهم لالتقاط اللحظة عبر التسجيلي. ولكن هذا لا يعني أن الأفلام المعروضة تكتفي بالإحالة إلى فترة زمنية قريبة بل هي تعبر عن الثلاثة عقود الاخيرة بكل ما تحمله من تغيرات في مجتمعات المغرب. وفيما تذكَر افلام عقد التسعينات بمقاومة وشجاعة مثقفين وسينمائيين ومفكرين، رغم استهدافهم من قبل الجماعات المتطرفة، تبدي أفلام السنوات الأخيرة استقلالا وحرية في النبرة مدهشة عبر تناولها لصعوبة الواقع المعاش وكل الممنوعات وعبر التساؤل حول أشكال التعبير والسرد في الفن السابع.
عرضت عينات من الانتاج المغربي لعام 2012 الذي يشهد حيوية واضحة، لاسيما تلك التي أنجزت من قبل نساء كالفيلم القصير لهدى بن يامينا “الطريق إلى الجنة” حول الهجرة غير الشرعية والوضع الماساوي لأم وطفليها، و “كيس طحين” لخديجة لوكلير عن إعادة بنت من محيطها الأوربي إلى قرية مغربية وكذلك فيلمين لمريم توزاني و كاتي وازانا. كما قدمت أفلام لجيل من الشباب مثل “دراري” الفيلم القصير لكامل لزرق الذي يتطرق لقضية العنصرية والتمييز الطبقي والجنسي عبر صداقة تجمع بين شابين أحدهما “أبيض” ومن عائلة غنية ومعروفة والثاني أسود ويعمل جنائني ويبرز الفيلم بأسلوب معبر وكلمات قليلة مدى الاحتقار الذي يعامل به سود البشرة وأيضا النساء.
أفلام اجتماعية وذاتية أيضا من الجزائر مع سونيا أحنو ودريفة مزنر.. وبالطبع حرب الاستقلال الجزائرية إذ تابع المشاهد الثورات التي شهدتها تلك بلدان المغرب عبر نصف قرن، بدءا من كفاح الجزائر للاستقلال ونهاية بالثورة التونسية والربيع العربي. و كان هذا الاخير الموضوع المفضل لعديد من السينمائيين مثل رفيق عمراني من تونس ومحمد رزان في فيلمه “ارحل”.
ثمانون فيلما تتيح معرفة أفضل بالمغرب، اكتفى معهد العالم العربي بعرض ما يقارب نصفها فيما ستعرض كلها في صالتين للعرض في باريس.