”زنديق” يفتتح مهرجان الجزائر الدولي للسينما
ضاوية خليفة – الجزائر
عكس العديد من المهرجانات التي بات يطاردها شبح الزوال و اللاستمرارية، بدا مهرجان الجزائر الدولي للسينما ”أيام الفيلم الملتزم” في طبعته الثانية أكثر مهنية و جدية بعديد الأنشطة الفنية و العروض السينمائية التي انتقلت من عروض متواضعة العام الماضي إلى الصبغة التنافسية حيث تأخذ الدورة الثانية طابعا تنافسيا لنوعين من الأفلام الوثائقية و الطويلة الخيالية، إلى جانب التكريمات و الموائد المستديرة، و بما أن كل التظاهرات الثقافية هذا العام تحتفي بالخمسينية فإن محافظة المهرجان أقلمت مختلف الأنشطة و الاحتفالية.
الدورة الثانية من المهرجان تسجل مشاركة 14 دولة من ثلاث قارات ب23 فيلما، 10 أفلام طويلة و 13 فيلم وثائقي، في فئة الأفلام الوثائقية و هي كالتالي: ”تالة الانتفاضة الأبدية” لعادل بكري من تونس،”على الإرهابي الحقيقي أن يقف من فضله” لسول لاندو من كوبا، ”لقد التحقوا بالجبهة” لجان اسليميار الجزائر- فرنسا، ”جون زيلغر ضد النظام العالمي” لإليزابيث جونيو من فرنسا، ”إفريقيا من الظلمات إلى النور” لمحمد لمين مرباح و على بلود منت الجزائر، ”الجزائر الجديدة أمنا بها” لكلوي هانغزير من فرنسا، ”الهند الصينية على خطى أم” لادريسو مورا كباي من البينين، ”ستيفان هيسل قصة تقدمي” لكريستين سيغزي من فرنسا، ”هنري علاق رجل المسألة” لكريستوف كانتشاف من فرنسا، ”أرماديلو” لجانوس ميتز بيدرسون من الدانمارك، ”مجاهدات” لالكسندر دولز من فرنسا، ”المجاهدة و المظلي” لمهدي لعلاوي من فرنسا، ”الحروب الثلاث لمادلان ريفو” لفليب روستان من فرنسا، و الملاحظ هنا أن اغلب الأفلام الوثائقية لمخرجين فرنسيين، في حين تكتفي الجزائر البلد المنظم بفيلم “إفريقيا من الظلمات إلى النور” المنتج سنة 2009 في إطار المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بالجزائر أو فيلمين إن احتسبنا فيلم المخرج الفرنسي جان اسيلميار الذي أنتجته الجزائر … و هنا نفتح قوس صغير للتساؤل هل يدل هذا على رصيد و اهتمام السينمائي الجزائري بالقضايا الملتزمة ؟؟؟

في حين وقع الاختيار في صنف الأفلام الطويلة على 9 أفلام في المنافسة و هي كالتالي : ”زنديق” لميشال خليفي من فلسطين، ”اليوم” لآلان غوميس من السنغال، ”يما” لجميلة صحراوي من الجزائر، ”مارلي” لكيفي ماك دونالد من الولايات المتحدة الأمريكية، ”سيزار ينبغي أن يموت” للإخوة تافياني من ايطاليا، ”ولاية” للمخرج بيدرو بيريزروزادو من اسبانيا، ”الحنين إلى الضوء” لباتريسيو غوزمان انتاج مشترك بين ألمانيا، اسبانيا، فرنسا و الشيلي، “الامتناع” لرشيد جايداني من فرنسا، “القارب” لموسى توري السينغال – فرنسا، ”يوم من نعمة” لايفراردو غوت من المكسيك، و فيلمين خارج اطار المنافسة ”الحكايات الثلاث” لميشال خليفي و”رأس مال” لكتوستا كافراس الذي سيوقع اختتام الدورة،التي سيتخللها أيضا تقديم ندوتين الأولى حول موضوع ”الحدود الإقليمية للسينما الموضوعاتية” و الثانية ”نظرة السينمائيون الشباب للثورة”، هذا وسيترأس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة الناقد و السينمائي “جمال الدين مرداسي” في حين يتولي “كمال دهام” رئاسة لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية، و تجدر الإشارة إلى أن هذه الأفلام تعرض بتقنية “دي سي بي” التي تستعمل لأول مرة بالجزائر.
و احتفالا بالانتصار الذي حققته مؤخرا بانتخابها كعضو ملاحظ بهيئة الأمم المتحدة اختارت إدارة المهرجان أن تكون فلسطين ضيف شرف هذه الطبعة، حيث كان الافتتاح فلسطينيا إخراجا و موضوعا بفيلم ”زنديق” لمخرجة ”ميشال خليفي”، العمل الذي لقي استحسانا من قبل الحضور الفنانين و السينمائيين.
زنديق غياب الجواب في حضرة السؤال …
و أنت تتابع “زنديق” و مع تطور الأحداث و تأزمها تتساءل عن العلاقة الموجودة بين الشخصية المحورية للفيلم التي أداها الفنان “محمد البكري” و بين مخرج العمل “ميشال خليفي”، العلاقة التي نفاها هذا الأخير مؤكدا أنها تشبهه في بعضٍ بحكم الانتماء للوطن، التاريخ و المستقبل المشترك وتختلف في بعض التفاصيل، ظلام ليلة واحدة من ليالي أهالي فلسطين كان كافيا لنقل ما يعيشه الفلسطينيون ما وراء جدار إسرائيل العازل للحياة و الحرية و المفرق أصحاب الأرض عن أبناء جلدتهم و عن أرضهم المغتصبة، وهنا سجل المخرج الفلسطيني المغترب “ميشال خليفي” عودته بقصة جديدة بطلها مخرج فلسطيني عاد ليبحث لدى الأهالي عن بعض الأجوبة لكنه في الأخير يرحل دون إيجاد أدنى قدر من الأجوبة لكل تلك الأسئلة، سأل : لماذا رحل اللاجئون الفلسطينيون عن منازلهم عام 1948 ؟ كما سأل من بقي منها لماذا لم يرحلوا ؟ أراد العودة للماضي بحثا عن الحقيقة و كتابة التاريخ بلغة سينمائية لا تختلف كثيرا عما يقدم من حقائق يومية، فكانت البداية بمشهد لعودة الشخصية الرئيسية للناصرة لتقديم واجب العزاء في وفاة العم و حينها لم يجد أيضا قبر والديه، مرورا برصد لبعض الشهادات كتمهيد للعمل، و من وقت لأخر كانت تتنقل كاميرا المخرج إلى بعض العلاقات الغير شرعية التي كان يقيمها البطل في كل مرة كنافدة للهروب من الواقع و من الاغتراب و حالة التيه التي أضحى فيها، و مع توالي الأحداث التي تظهر الشخصية المحورية للعمل بأنها سلبية و لا تعكس البيئة الفلسطينية التي عهدنا رؤيتها تنقلب الموازين و تتغير المعطيات عندما يقوم البطل بإنقاذ أحد الفتيان من عصابة المتاجرة بالأعضاء البشري�� و مساعدته له، لتتوقف رحلة الشقاء لأجل البقاء و مسيرة البحث عن الحقيقة، بمشهد خيالي للبطل و الحبيبة الجميلة (التي تتعرض للخيانة في كل مرة) والتي تمثل الأرض و الوطن بلباسها الأبيض تناديه للحاق بها لعرض البحر أين يوجد الصفاء و النقاء.

و قد وفق خليفي في جعل المشاهد يعيش تلك الحرب النفسية و التي تلخصت في ليلة واحدة لم يجد فيها المخرج البطل رفيقا غير الكاميرا بعد رحلة طويلة في البحث عن غرفة تؤويه ولو لليلة واحدة بعدما استحال عليه المبيت في منزل الأهل بسبب الانتقام الذي يهدد أي فرد من عائلته، و بعد رحلة انتهت كما بدأت لم يجد هذا الأخير لا سؤال يشفيه و لا بيت يؤويه سوى بيت العائلة الذي كان الذاكرة الحية للزمان و المكان، و تجدر الإشارة هنا إلى أن فيلم “زنديق” تضمن الكثير من الدلالات و الرمزية : الماء، حرق الصور و الصليب هروبا من الماضي، كثرة السؤال عن الحقيقة و التاريخ دون الظفر بأي جواب…
تكريمات لمجاهدي و مجاهدات الصورة
و لأن السينما ساهمت في التعريف بالثورة الجزائرية و حققت دعما دوليا نظير مطالبها الشرعية والعادلة و اعترافا بالدعم الذي تلقته من غير الجزائريين يكرم المهرجان هذا العام و هو يحتفي بالعيد الخمسين للاستقلال و استرجاع السيادة الوطنية المناضلة ”مادلين ريفو”، المخرج الفرنسي ذو الاصول يونانية ”كوستا غافراس” و كذا شبكة شاشات للسينمائيات الفلسطينيات، فقد أرا المهرجان استكمال الخطوة التي بدأها العام الماضي عند تكريمه لبعض السينمائيات الفلسطينيات بعرض 8 أفلام لمخرجات شابات تحدين كل الظروف، و أكدن أن السينما لغة سلم و تواصل و رصد للواقع و اليوميات وآلة يصعب بل يستحيل إيقافها، حيث يتجدد اللقاء هذا العام بأعمال جديدة متنوعة مواضيعها تلتقي في نقطة واحدة و هي أنها تبرز قدرة المرأة الفلسطينية المبدعة على إنتاج هذا الزخم من الأفلام في ظل كل الظروف التي تمر بها البلاد.
و يأتي تكريم مهرجان الجزائر الدولي للسينما لشبكة شاشات للسينمائيات الفلسطينيات من خلال عرض مجموعة من الأفلام القصيرة لمخرجات فلسطينيات و هن : غادة الطيراوي، ليلى عباس، ديما أبو غوش، و ليال كيلاني، كبادرة للاعتراف بالطابع الثقافي و السينمائي و الفني لهذه التجربة التي تسعى من خلالها المرأة للدفاع عن القضية الفلسطينية و الترويج لتعابير و إبداعات المرأة العربية، فمهرجان شاشات الذي يعد أطول مهرجان في العالم و مدته 26 يوما هو من المهرجانات النادرة المخصصة و المتهمة بسينما المرأة، إذ تتزامن الطبعة الثانية لمهرجان الجزائر الدولي و الطبعة الثامنة لمهرجان شاشات لسينما المرأة برام الله، غزة و الضفة الغربية…، فقد أصبح هذا المهرجان مكسب للشبكة بحد ذاتها و انجازا لمشروع طموح عنوانه “أنا امرأة من فلسطين”، و في هذا الصدد قالت مديرة المشروع و منسقة شبكة شاشات عليا ارصغري “تبهرني كل سنة القصص التي ترويها المخرجات في أفلامهن، ففي هذه الطبعة لدينا انتاجات ذات مستوى رفيع، فالأفلام المقدمة في الطبعة الثامنة تروي لنا المقاومة و صدمات المرأة الفلسطينية، كما يبني المهرجان جسور تعبر الحدود الجغرافية و السياسية بفضل رؤيته السينمائية المشتركة من خلال إقامة نشاطات بالضفة الغربية و غزة”.

بينما يعود المخرج الفرنسي اليوناني الأصل و رئيس مجلس إدارة متحف السينما الفرنسي “كوستا كفراس” إلى الجزائر كمكرم و كمشارك في أيام الفيلم الملتزم حيث سيختتم أخر أفلامه المنتجة سنة 2012 الموسوم ب ”رأس مال” التظاهرة، ولد ”كوستا كفراس” سنة 1933 بلوترا إيرايس بشبه الجزيرة اليونانية البيلوباز، درس الأدب ثم التحق بمعد الدراسات العليا للسينما بباريس، عمل في بداية مشواره كمساعد مخرج، أول فيلم مطول قام بإخراجه هو “عربة القتلة” سنة 1965 و الذي لقي نجاحا كبيرا فاتبعه بفيلم أخر “رجل إضافي” عام 1967، و سنة 1969 أخرج فيلم “زاد” المستوحى من أحد أعمال “فاسيلي فاسيليكيوس”و”جورج سمبرون” و الذي صوره بالجزائر و أنتجه حينها الديوان الوطني للتجارة و الصناعات السينمائية، و قد تحصل ذات العمل على جائزة لجنة التحكيم في حين عادت جائزة أحسن ممثل ل”جان لوي ترانتانغان” عن نفس العمل، وفي سنة 1970 تحصل على جائزتي أوسكار كأحسن فيلم أجنبي و أحسن مونتاج، فضلا عن انجازات و جوائز أخرى سمحت ل”كوستا غفراس” من فرض نفسه كمخرج عالمي، ساهم في إثراء المكتبة السينمائية ب 26 فيلما مطولا منها نذكر : “الاعتراف” 1970، “القسم الخاص” 1975، “ضوء المرأة” 1979، كما تحصل كفراس على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائية سنة 1982 بفيلمه المفقود، و أوسكار أحسن سيناريو مقتبس، و في سنة 1990 توج بالدب الذهبي بمهرجان برلين عن فيلمه “الصندوق الموسيقي”.
و سيرافق “كوستا كافراس” في التكريم الشاعرة و المناضلة “مادلين ريفو” التي يلقبها الكثير ببطلة المقاومة بالسلاح، الكلمة و القلم، من مواليد 23 أفريل 1924، التحقت مادلين بالمقاومة سنة 1941 تحت اسم “كود راينر” و قررت سنة 1944 اغتيال عسكري نازي بباريس، و تم إلقاء القبض عليها من طرف الغيستابو تم تعرضت للتعذيب و صدر في حقها حكم الإعدام لكنها تمكنت من الفرار، و نالت حينها لقب أصغر مقاومة خلال الحرب العالمية الثانية، شاركت أيضا في العديد من العمليات ضد النازية منها عملية قطار “البوت شاكو”، و إلى جانب المسيرة المشرفة لها في الدفاع عن المبادئ الإنسانية و السلام عملت “مادلين ريفو” كمراسلة حرب و قامت بتغطية صحفية شملت أوروبا، آسيا و إفريقيا، و في القارة الإفريقية توقفت بالجزائر عام 1945 و بعدها ب 7 سنوات اتجهت إلى الفيتنام، صدر لها سنة 1974 كتاب “ملاحف الليل” فحقق أعلى المبيعات، و مسيرة هذه المناضلة التي سعت لإعلاء راية السلم و نشر الحقائق و الدفاع عن الإنسانية سترد في عمل يوقعه “فيليب روستان” و الموسوم ب “الحروب الثلاث لمادلان ريفو” و الذي يرصد أبرز المحطات النضالية حيث سيتوقف العمل أيضا عند خياراتها النضالية و الإعلامية في الحروب الثلاث : الهند الصينية، الجزائر و الفيتنام، كما ينفرد الفيلم بعرض لقطات نادرة من الأرشيف.