أفلام تسجيلية تتساءل : لماذا الفقر ؟
بعد أن احتفلت بالديمقراطية قبل خمس أعوام بسلسلة أفلام وفعاليات متنوعة، تُسَلّط منظمة “خطوات” الدولية الغير ربحية، وضمن حملتها الجديدة، الانتباه لموضوعة “الفقر” في العالم. النشاط الذي انطلق قبل أسابيع قليله، ويحمل عنواناً محرضاً وعاطفياً هو ” لماذا الفقر…؟”، مازال متواصلا بعدة عواصم حول العالم، عن طريق نشاطات عدة (ندوات ولقاءات جماعية تجمع مختصون وجمهور مُهّتم)، وعبر أفلام تسجيلية طويلة وقصيرة تعرض على 68 قناة تلفزيونية، تصل إلى مشاهدين يقتربون من 500 مليون مشاهد حول العالم.
في شَق الأفلام التسجيلية، نجحت المنظمة الإنسانية، بإقناع ثمان من مخرجي السينما التسجيلية المعروفين حول العالم لإنجاز 8 أفلام تسجيلية عن موضوعة الفقر، كما أنها كلّفت مخرجين شبابا لإنجاز 30 فيلما تسجيليا قصيراً عن الثيمة ذاتها. الأفلام تُقدم بكل قسوة نماذج لملايين الفقراء في العالم، وتفاصيل حياتهم اليومية المضنية، والذين حولهم صراعهم الطويل مع الفقر، إلى مشلوليين ومعزولين وعاجزين عن المشاركة في التحولات التي تخضع إليها مجتمعاتهم، كما إن هذه الأفلام ستفضح جشع ودور رأس المال العالمي وعديدا من الشركات العالمية الكبرى في عرقلة جهود حكومية لتحقيق عدالة إجتماعية تطال فقراء هذه الدول.
تنطلق معظم الأفلام التسجيلية التي عرضت ضمن حملة ” لماذا الفقر… ؟” العالمية، من عناونين صغيرة وقصص إنسانية خاصة، لكن تلك المقاربات سرعان ما تتوسع لتسلط الإهتمام على نظم فكرية وجشع عالمي متعدد الوجوه، موجهه الإنتباه إلى قضايا أكثر تعقيدا، من التي بدأت بها، متحولة، أي هذه الأعمال، إلى منصات لغضب مكبوت، لكن هذا سيؤثر بدوره أحيانا على توازن بعض تلك الاعمال، محولا إياها لأفلام بخطاب أحادي التوجه، مبالغة في غضبها أو عاطفيتها، متناسيا مهماتها التسجيلية التحقيقية،. كما إن بعض هذه الأفلام، وربما بسبب ميزانياتها المحدودة او ضيق الوقت الخاص بإنتاجها، لا تبدو إنها خضعت لتخطيط طويل او لتدقيق متريث أثناء الإنتاج، فوصلت بعضها بمشاكل فنية وأسلوبية عديدة، لكن هذا لا يعني إنها لم تكن مؤثرة في مواضيع عديدة، وكاشفة لنُظم فَساد دول وشركات في مواضع آخرى.
يركز فيلم “بارك افينيو” للمخرج الامريكي أليكس غيبني، على بناية (740) في شارع “بارك افينيو” الشهير، في القسم الغني من مدينة نيويورك الأمريكية. هذه البناية والجزء الغني من الشارع الطويل سيتحولان في الفيلم الى رمز لكل عُلّل أمريكا اليوم، فساكنوا البناية يمثلون أثرياء الولايات المتحدة الأمريكية، والذين لا تزيد نسبتهم عن 1% من سكان البلد، والمياه الطبيعية التي تقطع الشارع الى قسمين، هي التي تفصل فعليا بين أغنياء وفقراء الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يقع على الجانب الآخر من المياه، واحد من أفقر أحياء الولايات المتحدة الأمريكية، يتجمع عديد من سكانه كل يوم بانتظار حَسنات منظمات خيرية توزع الغذاء المجاني. الفيلم، الذي يحصل على مقابلة مهمة كثيرا مع بواب سابق لبناية (740) (الذي سيكشف بخل أكثر أغنياء امريكا ثراء)، سيركز على ساكنين بعينهم في العمارة، والدور الذي يضطلعون به منذ أعوام لتكريس قوانين تعرقل محاسبة ضريبة عادلة لشركات كبرى، ومنع قوانين حكومية تساهم في تحقيق عدالة إجتماعية. يمتنع جميع الذين توجه اليهم الفيلم من أثرياء بناية (740) من الحديث للفيلم التسجيلي، لكن الآخير سيترك مشاهده مع مشاعر حنق حقيقية على هؤلاء، وسيجعل من الإستحالة المرور من أمام مدخل تلك البناية، دون التفكير بغضب بسكانها من الإثرياء ودور بعضهم المّريب في السياسيات الأمريكية المعاصرة.

يرافق فيلم ” مرحبا للعالم” للمخرج براين هيل، ثلاث نساء من أمكنة مختلفة من العالم، وهن يترقبن ولادة ابنائهن. هؤلاء النساء سيوفرن، وبالاضافة الى قصصهن الخاصة بخيباتها ومَسّراتها المعدومة، نافذة على ما يجري في بلدانهن ( الولايات المتحدة الأمريكية، كمبوديا، سيراليون)، والمصاعب التي تواجهها النساء الفقيرات هناك، لا تختلف ظروف المرأة الأمريكية في الفيلم، عن نساء الفيلم الآخريات، فهي تعيش مُشرّدة مع عائلتها بعدما فقدت كل شيء، بعد الأزمة الإقتصادية الأخيرة، لتعتمد بالكامل على معونات المنظمات الخيرية هناك. من بين القصص الثلاث، تبرز المآساة المؤلمة للمرأة الكمبودية، فهي مصابة بالايدز ( بعد ان نقله اليها زوجها والذي تركها ليعيش في مكان آخر)، تعيش على ما يجمعه ابنها الصغير، والذي لم يتجاوز العاشرة، من أموال من بيعه الزجاج الفارغ. رغم ظروف المرأة هذه، إلا أنها لم تتأخر عن تبني طفلة وجدتها في الشارع، لتربيها في البيت الصغير الذي تسكنه وهو مبني من القصب.
وعن الصين الحديثة، وبالتحديد التحديات التي يواجهها جيل الشباب هناك، من الذين بدؤوا لتوهم رحلة البحث عن العمل، او الذين لازالوا ينتظرون دورهم في الدراسة الجامعية، يدور فيلم ” تعليم.. تعليم” للمخرج الصيني واجن تشن. الفيلم كحال الفيلم السابق، سيرافق ثلاث شخصيات، أولها فتاة من طبقة زراعية فقيرة تواجه مشكلة مصاريف الدراسة الجامعية الكبيرة، والثانية لشاب دخل للتو سوق العمل، ليجد أن راتبه بالكاد يكفي مصاريف الحياة الباهظة، وهناك ايضا الإستاذ الجامعي، الذي سيضع إصبعه على مشاكل التعليم الجامعي في الصين، والتي تتحول بسرعة كبيرة الى دولة مفتوحة للمنافسة متناسيا ماضيها الإشتراكي الذي كان يدعي أنه يكفل الحقوق ذاتها لإبنائها. الفيلم يقدم تفاصيل حميمة وواقعية كثيرا من حياة شخصياته، وخاصة للفتاة وعائلتها، وظروف حياتهم المتقشف للغاية.
أما الأفلام التسجيلية الخمس الباقية فجاءت موضوعاتها على النحو التالي: فيلم ” فقراء نحن: تاريخ مُحّرك”، وفيه يقدم المخرج بين لويس قصتة الخاصة لتاريخ الفقر في العالم، عبر فيلم اعتمد على التحريك. فيلم “لاند رش” للمخرجين هوغو بيركلي واوسفالدا لويت، عن الاستثمار الأجنبي للأراضي الزراعية في دولة مالي الافريقية، ومشاكل المزارعين المحليين مع هذا “الإستعمار الجديد”. فيلم “أعطنا النقود” للمخرج بوس يندكويست ، عن سيرة نضال المطربين البريطانيين بوب غيلدوف وبونو ضد الفقر في العالم في العقدين الآخريين، الى جانب شهادة مهمة لرئيس شركة مايكروسوفت الأمريكية بيل غيتس والذي ينشط بدوره منذ سنوات في الأعمال الخيرية. فيلم “سرقة افريقيا” للمخرج كريستوفو غولدبراندسن عن الفساد المالي في زامبيا، والنقود المسروقة من هناك والتي تصرف في سويسرا ودول غنية اخرى. فيلم “أمهات خلايا الطاقة الشمسية” للمخرجتين منى الدياف وجيهان نجيم، عن نساء من بدو الاردن، وجهودهن للخروج من الازمات الاقتصادية عبر المشاركة في مشروع لتوليد الطاقة الشمسية.