مهرجان وهران و الدورات الاستثنائية
ضـاويـة خـلـيـفـة – وهــران
عشية افتتاح الدورة الخامسة من مهرجان وهران للفيلم العربي العام المنصرم افتتحت مقالي بعبارة “بعد مد و جزر و بعد كل ما قيل و ما تردد عن إمكانية إلغاء المهرجان تنفست وهران الصعداء بإعلان وزيرة الثقافة خليدة تومي عن موعد انطلاق الدورة الجديدة” و لم أكن أدري و غيري حينها أن تهاون المنظمين لهذه الفعالية سيتواصل و تتبخر وعودهم بالإعداد مسبقا لإنجاح المهرجان تنظيما و نوعية، و بناءا على بعض المعطيات التي سبقت هذه الدورة – الارتجالية – سأبدأ مقالي في الدورة السادسة على النحو التالي:
توالت الدورات الاستثنائية لمهرجان وهران للفيلم العربي في وقت كنا نعتقد أنها مرحلة مؤقتة يمر بها هذا الموعد السينمائي الذي يحتفي بالسينما العربية من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، وما ساهم في جملة الاضطرابات بالدرجة الأولى هو تداول أكثر من مسؤول على هذه التظاهرة التي عاشت عصرها الذهبي في فترة المحافظ الأسبق “حمراوي حبيب شوقي” فصارت فوفا كالسفينة التي يتداول عليها أكثر من ربان، مما جعل الكثير من الإعلاميين و السينمائيين و المتابعين للمهرجان من بعيد أو قريب يتوقعون أن تكون هذه الدورة الأسوأ من ناحية التنظيم وهو ما تأكد فعلا خلال حفل الافتتاح الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، فماذا يمكن أن ينتظر من مهرجان ينظم في “الوقت بدل الضائع” عوض أن يتطور من طبعة لأخرى، هذا وقد سبق انطلاق فوفا لهذا العام حديث في الكواليس عن مقاطعة بعض الصحفيين و السينمائيين لهذه الدورة نظرا للتنظيم الضعيف المستوى و عدم تقديم دعوات أو الرد على الطلبات إلا في الساعات الأخيرة قبيل الافتتاح و أحاديث أخرى عن انطلاق الفريق الجديد في تصفية حساباته مع الطاقم الذي سبقه للتنظيم و هو ما اتضح من خلال إلغاء أسماء المشاركين خاصة الإعلاميين العرب الذين سبق و أن حضروا لتغطية المهرجان مع الإدارة السابقة، فهذه التفاصيل ليست سوى تأكيد على افتقار الجزائر لسياسة الحكم الراشد في التسيير الجيد لمختلف التظاهرات و المهرجانات الفنية و الثقافية.

و من النقاط الأخرى التي تحسب على محافظة المهرجان الإعلان المسبق عن برنامج الدورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي و بالتالي غاب التشويق و حضر التسريب، فضلا عن قبول لجنة انتقاء الأعمال لأفلام أنتجت قبل سنتين كالفيلم المصري “شوق” للمخرج خالد حجر، فليس غريبا عنهم أيضا اختيار و برمجة فيلم “الجزيرة” للمخرج الجزائري الشاب “أمين سيدي بومدين” دون إعلامه بذلك ليعرف هذا الأخير بمشاركة فيلمه من مقال إحدى الصحفيات، و إن كانت هذه الثغرات قد جاءت معظمها قبل انطلاق المهرجان و أخرى ليلته فماذا تخبأ باقي الأيام يا ترى ؟ هذا و تتوالى تناقضات اللجنة التنظيمية التي تؤكد أقلمتها برنامج المهرجان و الاحتفالات المخلدة لخمسينية الاستقلال لتفتتح الدورة -الخاصة و الاستثنائية- بفيلم “فقط كامرأة” للمخرج الجزائري المغترب رشيد بوشارب الذي يتحدث عن أحلام امرأتين هوايتهما الرقص الشرقي و بالتالي الفيلم لا يتلاءم و طبيعة المناسبة…
و بعيدا عن الهفوات المسجلة على أكثر من مستوى وفي مهرجان يعيش عامه السادس بدل أن يتقدم تجده يتأخر تسجل الدورة الجديدة للمهرجان مشاركة 14 دولة عربية ب 14 فيلم طويل، 13 فيلم قصير، 10 أفلام وثائقية، وقد أكدت “ربيعة موساوي” محافظة المهرجان للسنة الثانية على التوالي في لقاء صحفي عقدته ساعات قبل انطلاق المهرجان أن لجنة الانتقاء اختارت هذه الأفلام من مجموع 117 فيلم، و يتخلل البرنامج أيضا تنظيم يوم دراسي بعنوان: ”التاريخ و السينما و حرب التحرير الوطنية”، و ندوة مستديرة ”55 سنة من السينما الجزائرية”، كما تم برمجة خمس ورشات لفائدة طلبة المعاهد و هواة الفن السابع :”ورشة الفيديو، ورشة الترقيم، فيلم الدقيقة الواحدة، فيلم المائة ثانية، و تقنيات أخذ الصورة”، أما بالنسبة للجنة تحكيم الأفلام الطويلة فسيشرف عليها الباحث و الأكاديمي الحاج ملياني من الجزائر في حين أوكلت للمخرج الجزائري “مؤنس خمار” مهام رئاسة لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، بينما سيكون الجمهور الحكم في مسابقة الوثائقي، و هنا نفتح قوس صغير لنشير إلى بعض التغييرات في أعضاء اللجنتين ف”ديما قندلفت” التي كانت عضو بلجنة تحكيم الأفلام القصيرة تحولت بقدرة قادر إلى لجنة الأفلام الطويلة و دخلت أسماء أخرى على اللجنتين…
هذا و تتنافس 10 دول على الوهر الذهبي ب 14 فيلما و ستكون السينما الجزائرية ممثلة بفيلمي “عطور الجزائر” لرشيد بن حاج، و “يما” لجميلة صحراوي، أما السينما المصرية فستشارك بفيلمي “الشوق” لخالد حجر و “الخروج من النهار” لهالة لطفي، و بنفس العدد ستشارك لبنان “تنورة ماكسي” لجو بوعيد و “33 يوما” لحمال شورجي، و سوريا بفيلمي “الشراع و العاصفة” لغسان شميط و “صديقي الأخير” لجود سعيد، “لما شفتك” لآن ماري جاسر من فلسطين، “الأستاذ” لمحمد بن محمود من تونس، “الجمعة الأخيرة” ليحي العبد الله من الأردن، “الوتر الخامس” لسلمى برقاش من المغرب، “تور بورا” لوليد العوضي من الكويت و “وجدة” لهيفاء المنصور من المملكة العربية السعودية.
أما مسابقة الأفلام القصيرة فستكون ممثلة ب 14 فيلما من 9 دول، من الجزائر “الجزيرة” لأمين سيدي بومدين، “حياة بائسة” لأكرم زغبة، “النافذة” لأنيس جعاد، “اليد اليسرى” لادريس شويكة (المغرب)، “عندما ينامون” لمريم توزاني (المغرب)، البلح المر لجهاد الشرقاوي (فلسطين)، “عيال المطمورة” للطيب مهدي (السودان)، “أنا هويت” لمحمد أسامة السلماوي (مصر)، “برد يناير” روماني سعد (مصر)، “خمسة وخميسة” لهشام حداد (مصر)، “أبي لا يزال شيوعيا” لأحمد غضبن (لبنان)، “بصيرة” لأحمد زين ( الإمارات العربية المتحدة)، “وجوه” لسعيد نجمي (الأردن)، “الطريق” لرسلان شميط (سوريا).

و بعدما أدرجت مسابقة الفيلم الوثائقي العام الماضي و خصصت للعروض المنتجة في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية سيحضر هذا الصنف من الأعمال ب 10 عروض وثائقية من أربع دول و هي الجزائر، تونس، المغرب و فلسطين، و هي كالآتي: من الجزائر”صباح الخير القاهرة” لسهيلة باتو، “فدائي” لداميان أونوري، “لغة زهرة” لفاطمة سيساني، “ابن خلدون” لشرقي خروبي، “الوشاح المحروق” لفيفان كاندا، ومن تونس “ثورة ما قبل التاريخ” لحمدي بن أحمد، “حديث ثورة” لكريم اليعقوبي، “المعارض” لأنيس لسود، ومن المغرب “الراقصة” لعبد الاله الجوهري، ومن فلسطين ” إلى أبي” لعبد السلام شحاده.
و سيواكب مهرجان وهران هذا العام الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين للاستقلال و استرجاع السيادة الوطنية بعرض مجموعة من الأفلام الثورية و التاريخية كفيلم “بن بولعيد” لأحمد راشدي، “ملحمة الشيخ بوعمامة” لبختي بن عمارة، “وقائع سنين الجمر” لمحمد لخضر حمينة، “لقد التحقوا بالجبهة” لجان اسيلميار، “معركة الجزائر” لجيلو بونتيكورفو، “الوشاح المحروق” لفيفان كاندا، “العفيون و العصا” لأحمد راشدي،”دورية نحو الشرق” لعمار العسكري، “منطقة محرمة” لأحمد علام.
تكريم للأموات و تخلف للأحياء و غياب لنجوم السينما العربية
ومن تقاليد المهرجان تكريم كوكبة من النجوم و الشخصيات، فالدور هذه المرة أتى على الأخوين محمد و الحاج بن صالح، الفنانة الراحلة “كلثوم” و الفنانة القديرة “نورية” التي تعذر عليها الحضور بسبب المرض و تقدمها في السن، و غابت كل من المجاهدة “زهرة ظريف بطاطا” و الدكتور “بوعلام بسايح”، بينما استلمت عائلة كل من المخرج الايطالي “جيلو بونتيكورفو” و الفرنسي”روني فوتييه”، الجزائريان “سيراط بومدين” و “رشيد فارس” التكريم و حضر طيف هؤلاء العمالقة الذين أعطوا للفن الجزائري الكثير من الأعمال و الانجازات، كما سجل المهرجان في دورته السادسة غياب أبرز نجوم الشاشة العربية عكس الدورات السابقة.

بوشارب و حوار الحضارات
وقد تميز حفل الافتتاح بحضور الفنانة القديرة “شافية بودراع” التي لا تزال ترافق بوشارب نجاحاته السينمائية، فبطلة الخارجون عن القانون تظهر في ” فقط كامرأة” بشخصية أخرى، والدة مراد “تمثيل رشدي زام” الذي يمتلك متجرا بشيكاغو و يديره رفقتها و زوجته منى “تمثيل غولشيفت فرحاني” التي تتعرض للإهانة و المضايقة في كل مرة من قبل حماتها بسبب عدم إنجابها، و بالمقابل تنتقل كاميرا بوشارب لمتابعة قصة مارلين “تمثيل سيينا ميلر” التي تتعرض للخيانة من قبل زوجها، فتقرر حينها الهروب بعيدا و ببيت منى شريكتها في الحلم “الرقص الشرقي” تتأزم الأمور بعد وفاة والدة زوجها تقرر هي الأخرى الفرار خوفا من اتهامها بقتل حماتها، فإذا بالهروب و الحلم الموعود يوحدهما بعد حين و تشاء الصدف أن تلتقي كل من منى و مارلين فتأخذ الثانية الأولى لتحقيق الأحلام و استنشاق نسيم الحرية، وتبدأ بذا رحلة الفتاتين معا في عالم الرقص الشرقي و هنا يظهر المخرج أهمية حوار الثقافات و الحضارات العربية و الغربية، كما أبرز بوشارب إشكالية الغرب و الإسلام من خلال قصص ثانوية لم يركز عليها عكس قصة منى و مارلين التي شغلت الحيز الأكبر في الفيلم.