ثورتا مصر واليمن بعدسات ثلاث مخرجين اوربيين
أمستردام – محمد موسى
نالت ثلاث أفلام تسجيلية يقف خلفها مخرجين اوربيين وتقدم قصصا ومشاهدات من ثورتي مصر واليمن، على نصيب وافر من الإهتمام عند عرضها في عام 2012، فهي وبالإضافة الى إنها تندرج تحت فئة الأعمال التي تدون ماحدث في المدن العربية في زمن إنتفاضاتها، والتي مازال الجمهور العربي وغيره مُتَشّوق لها كثيرا، تُشّكل تلك الأفلام، وبسبب خلفيات المخرجين الذين يقفون خلفها، إضافة نوعية مهمة لمجموعة الأفلام التسجيلية التي وثقت أحداثا من الثورات العربية، لتَخلصّها فنيا وموضوعيا من المحظورات التي تثقل أكتاف كثير من المخرجين والمخرجات العرب. فهذه الأعمال التسجيلية لم تخضع لرقابة أثناء تصويرها (إثنان منها صورا بعد إنهيار الجهاز الأمني في مصر، والآخر صُوّر بالسّر باليمن وبدون علم الأجهزة المختصة)، كما إنها وبسبب جهات إنتاجها الأجنبية لم تعاني من سلطة الأجهزة الرقابية العربية في مراحل ما بعد الإنتاج، الأمر الذي منحها طزاجة لافته، لمقاربتها التلقائية الصادقة لبعض ما يجري في مدن عربية، وتسجيلها لحياة ناس من أبناء المنطقة وهم يواجهون الحدث الأكبر في حياة كثير منهم، كاشفة في الوقت نفسه عن تعقيد وعمق الأزمات الذاتية والعامة لتلك الشخصيات ونفوذ القوى الإجتماعية والدينية التي تعرقل طريق أي تغييرات جوهرية في البلدان العربية، من التي شهدت الثورات ضد النظم السياسية القائمة فيها.
الأفلام الثلاث هي : “العودة الى الساحة” للمخرج التشيكي الأصل بيتر لوم، والذي يرافق فيه شخصيات مصرية متنوعة بخلفياتها الإجتماعية، في الزمن الذي أعقب تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك وبدء الثورة الجديدة لمصريين ضد النظام العسكري، والذي يحكم مصر منذ نهاية عهد مبارك وحتى زمن توقف تصوير الفيلم في نهاية عام 2011، فيلم ” تحرير” للمخرج الايطالي ستيفانو سافونا، الذي يسجل بدوره الأيام الإولى الحاسمة للثورة المصرية وإلى تنحي مبارك، فيلم “الثوري المتردد” للمخرج البريطاني شون مكاليستر، والذي يقدم عملاً صادماً عن الثورة اليمنية، يرافق المخرج يمني شاب من الطبقة الوسطى والتحولات التي تمر عبرها هذه الشخصية في وقت إنطلاق المظاهرات ضد السلطة ، مسجلاً في الوقت نفسه حراك الشارع وثورته، إذ كان المخرج هناك في واحد من أكثر ايام الثورة اليمنية حلكة وعنفاً، عندما قام النظام هناك في الثامن عشر من شهر مارس من عام 2011 بإطلاق النار على مدنيين في ساحة التغير في العاصمة اليمنية صنعاء.

هناك الكثير الذي يجمع الأفلام الثلاث، فمخرجيها إتجهوا للمنطقة دون أي خطط مسبقة، عدا تسجيل الأحداث المتلاحقة التي بدأت في تونس قبل أن تنتقل الى دول أخرى، لتكون افلامهم هذه في مجملها تفاعل مستمر شخصي وإنساني مع الشخصيات التي سيقابلوها هناك، أكثر منها أرشفة للأحداث تاريخيا او تقديم صورة بانورامية، سياسية – سوسيولوجية، للفترة الزمنية التي غطتها الأفلام. كما لم تقم تلك الأعمال بدفع شخصياتها الى أي وجهات، للوصول إلى خلاصات مثلا او بتهيئة الظروف لمواجهات بين أفراد يقفون في مواقفهم على النقيض. وجدت تلك الأفلام تلك في التطورات والتحولات التي مَرّت بالشخصيات التي قابلوها وإنعاكس العام على الخاص المادة الدرامية الكافية لتأجيج اعمالهم بروح تلك الأيام. كما إن هذه الأفلام شهدت ولادة ثانية في غرف المونتاج، فهناك تم البحث وعبر ساعات طويلة من المشاهد، التي صور بعضها بظروف شديدة الصعوبة، عن وحدة فنية ورابط سردي، إضافة الى إيجاد مناخ عام لتلك الأفلام.
ولإنها أفلام “معايشة” وليست “إستقصاء”، لم تسعى هذه الأعمال التسجيلية الى الإستعانة بالمواد الفيلمية التي صورتها التلفزيونات في تغطياتها للثورات العربية، او تلك التي سجلها ناس عاديين وأغرقوا بها مواقع الإنترنيت في أشهر الثورات العربية الاولى. وكأن هذه الأفلام وبإعتمادها الكامل تقريبا على الصور التي سجلها مخرجيها او مصوريها، تتجه أكثر الى تعميق وحدتها الفنية ومناخها الخاص ، لتحتفي بالتجربة الفنية – الإنسانية التي كان مخرجيها أحد طرفيها.
ولادة مصر الجديدة في “تحرير”
يقضي المخرج الإيطالي ستيفانو سافونا أيام الثورة المصرية الاولى في ميدان التحرير الشهير في القاهرة، ليخرج من تلك الأوقات بفيلم لم يجد له عنوانا أنسب من “تحرير”. لا يغادر المخرج الايطالي الشاب حدود ميدان التحرير الجغرافية والنفسية، في قلب المدينة الذي إشتعل بالغضب والرغبة بالتغيير، بالكاد نشاهد في الفيلم مشاهد ترتفع مكانيا عن مستوى النظر لحامل الكاميرا العادي، فلا لقطات عريضة او مصورة من الأعلى. المخرج الذي صور فيلمه بنفسه يدخل – مجازا- الميدان ولم يخرج منه إلا بعد تنحي الرئيس المصري. لا شخصيات بارزة في الفيلم التسجيلي هذا، سنتعرف قليلا على بعض المصريين الشباب الذين ستتكرر إطلالاتهم في الفيلم، لكنها هي أيضا ستبتلعها الجموع الحاشدة، وعندما تعود للتحدث او الحلم أمام الكاميرا بمستقبل قادم، كان يمكن لمسه بأصابع اليدين وقتها، بالكاد نتذكر إنها نفسها التي ظهرت في بداية الفيلم او منتصفه.
لكن فيلم المخرج الإيطالي ليس عن الجموع الكبيرة، فهي مهمة تَركّها لنشرات الأخبار التلفزيونية. هو قدم ورغم غياب السرد القصصي و الشخصيات الواضحة، واحد من أشد الأفلام الحميمة عن الثورة المصرية حتى اليوم، فقط بتسلطيه الكاميرا على عدد كبير من ثوار الميدان المصري، وإحتفاله بوجوه “الثورة”. تتلاحق تلك الوجوه في الفيلم التسجيلي، تمر الكاميرا على وجه ما، تحدق به لثوان، لتنتقل بعدها الى الجموع الكبيرة قبل أن تجد وجها آخر. كأن هذه الوجوه المصرية تكفي وحدها لنقل قصة البلد وناسه. وإنها وإذ تصرخ او تنتحب تفأجأ ذاتها أولا، بالفعل الذي تقوم به لأول مرة في حياتها، بتمردها على رتابة ومتطلبات الحياة اليومية وإتجاهها للساحة. كل ذلك وجد، لحسن الحظ، من يسجله كالمخرج الإيطالي ستيفانو سافونا بدون عجالة او تململ.
لم يمر كثير من الوقت على زمن تصوير الفيلم الإيطالي “تحرير”، لكن عديد من مشاهده تستدعي نوستالجيا حزينة. فالفيلم قَبضّ على “براءة ” الثورة المصرية الإولى، قبل أن تنضج تلك الثورة لتواجه واقعا معقداً وقوى تقليدية ستدافع بجسارة عن مواقعها. يصور الفيلم لقاءات مجموعات من الشباب المصري وهو يجلسون في الميدان يحلمون بالقادم، كما يسجل الفيلم أيضا شهادات تقترب الى الهيستريا لمصريين ذُلّوا كثيرا في حياتهم، ليشهد الميدان إنفجارهم المدوي الأول. يمكن أيضا تتبع أحداث الثورة المصرية الأولى في الفيلم، الذي غاب عنه التعليق الصوتي تماما، كموقعة الجمل، والمواجهات التي حدثت في التحرير بين أنصار ومعارضي النظام، كما يقدم الفيلم مشاهد تميزت بتصويرها الرائع لضابط من الجيش المصري، يلقي خطبة على متظاهري ميدان التحرير، قبل أن تجبره صرخات الإستهجان على ترك المنصة منزعجا. الفيلم ينتهي بمشاهد لا تنسى لفرح المصريين بتنحي مبارك، وهو الحدث الذي آذن بنهاية عمل الإيطالي ستيفانو سافونا في “التحرير”.
“الثوري المتردد” في اليمن
في لقاء مع المخرج البريطاني شون مكاليستر بعد العرض العالمي الأول لفيلمه “الثوري المتردد” في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي، كشف المخرج البريطاني للكاتب بأن “اليمن” لم تكن في حساباته عندما توجه للشرق الاوسط، فهو حصل على الضوء الأخضر من هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) لإنجاز فيلم عن الثورة السورية. لكنه وبعد أسابيع من الوقوف امام الحدود السورية في الاردن، ورفض طلبه بالدخول هناك، قرر أن يتوجه الى بلد عربي آخر يشهد ثورة دموية. عندما قام المخرج بتجميع معلومات عن اليمن، تلقى نصائح من صديقين بالتوجه إلى دليل سياحي يمني، يملك فندقا قديما في قلب مدينة صنعاء. هذا الرجل هو الذي سيكون الشخصية الرئيسية في الفيلم التسجيلي الأول عن الثورة اليمينة، هو أيضا “الثوري المتردد” الذي يشير إليه عنوان الفيلم التسجيلي. والذي سيقطع بدوره رحلة خاصة سيسجلها الفيلم، لفهم ما يجري من حوله من أحداث في بلد يمر منذ سنوات بظروف وتحديات معقدة للغاية.
هناك خط سردي واضح في فيلم “الثوري المتردد” وعلى عكس الفيلم السابق “تحرير”، فالكاميرا ستتبع “قيس” وهو يعيش حياته اليومية على وقع طبول الثورة وبشاراتها. وقف الرجل اليمني مترددا في الأشهر الإولى من الثورة. فهي جففت كثيرا مصادر رزقة الشحيحة أصلا. فلا سياح كثيرين يتجولون في صنعاء او يقيمون في فندقه الصغير. الثورة كانت المسمار الآخير في نعش الحياة الطبيعة للبلد، الذي يعاني منذ سنوات من تغلغل حركات متطرفة مثل القاعدة وغيرها. اليمني الشاب الذي فقد ثقته بالمستقبل، يمثل طبقة متوسطة عريضة لا ينقصها الإنتماء الوطني لكنها قلقة من المستقبل وما قد يحمله من إقصاء جديد لها، هو ايضا تحاصره المشاكل الاقتصادية والدائنين. لكنه وبسبب مرافقته المخرج البريطاني شون مكاليستر، الذي كان يصور سراً الإحتجاحات المستمرة في المدينة، سيكون قريبا من الأحداث وأبطالها وأحيانا شهدائها، ليحسم “قيس” بالنهاية من تررده وينضم، ولو عاطفيا، الى الثورة والجهود المستمرة لتغيير النظام السياسي القائم.خط الثورة اليمنية الذي يسجله الفيلم سيصل الى ذروة مآساوية مع جمعة الثامن عشر من شهر مارس، عندما قامت القوات الأمنية الحكومية بإطلاق النار على المعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء لتقتل 53 مدنيا.

أثرت سرية تصوير فيلم “الثوري المتردد”، على جودة التصوير والصوت ومشاكل فنية إخرى، فلم تتوفر للمخرج البريطاني شون مكاليستر الحرية التي توفرت لزميله مخرجيي الفيلمين الآخريين. لكن مصادفة وجوده في ساحة التغيير وقت مجزرة يوم جمعة الكرامة، منحته الفرصة ليسجل ذلك بعدة مشاهد مخيفة بقسوتها، والذي يكشف المخرج، بإنه صور ماحدث في الساحة بلقطة طويله واحدة إستغرقت 45 دقيقة، إذ لم يترك الكاميرا للحظة واحدة، وكأنه كان يختبأ خلف كاميراته الصغيرة من قسوة ما يشاهد ، وكما وصف بنفسه.
بيتر لوم: الثورة غير مكتمل��..!
يتابع المخرج التتشكي الأصل بيتر لوم الإنتخابات المصرية من محل إقامته في العاصمة الهولندية أمستردام، عبر النسخ الانكليزية للصحف المصرية المتوفرة على شبكة الإنترنت. في المقابل يقضي يومه كله تقريبا مشغولاُ في العمليات الفنية لفيلمه القادم، والذي يسجل فيه يوميات فنانين مصريين يمرون عبر التحولات الكبيرة لبلدهم. هو يستعد أيضا لعرض فيلمه التسجيلي “العودة الى الساحة” في مصر لأول مرة، والذي من المنتظر أن يتم في الدورة القادمة لمهرجان الإسماعيلية السينمائي المقرر أن تنطلق في الثالث والعشرين من شهر يونيو من عام 2012. لم يكن في حسبان مخرج فيلم “رسائل الى الرئيس” ، والذي رافق فيه الرئيس الإيراني المثير للجدل أحمدي نجاد لعام كامل في رحلاته الداخلية والخارجية، أن ينجز فيلما عن الثورة المصرية، فهو عندما إتجه الى مصر كان بهدف إخراج فيلم عن الشخصية السياسية المصرية المعروفة محمد البرادعي، يكشف المخرج في حوار خاص مع الكاتب ظروف سفرته الإولى لمصر: “لقد أخرجت فيلمي عن ايران في عام 2009. أحدهم اقترح لي بعدها أن أعمل فيلم عن “محمد البرادعي”، ولقد رتبت حالي لعمل الفيلم عنه، ولما إندلعت الثورة وبدأ إسمه يتكرر في الأخبار، قررت أن أتجه الى مصر، لاني إعتقدت إن مشروعي عنه في طريقه للتحقق، وبعد فترة قضيتها في مصر، أدركت إن الموضوع لا يناسب الفيلم الذي إريد أن أحققه عن مصر، وإن إهتمامي بالحقيقة ليس بعمل فيلم عن شخصية البرادعي.، ثم بدأت أشياء بالتغير حول الرجل، وأصبح من الصعب ملاحقته وتصويره في حياته في مصر، لذلك قررت أن أبقى وأخرج فيلما آخر، خاصة إني بدأت بالتصوير هناك أصلا. رغبت أن أصور فيلم عن الناس العاديين في مصر. في فترة الخمس الأشهر الإولى من التصوير، لم أكن أعرف أي إتجاه سيأخذه الفيلم، خاصة إن أشياء عديدة كانت تقع، فمصر تمر بثورة، عندها قررت أن أنجز فيلما عن الحقوق الإنسانية الأساسية في مصر. أنا كمخرج أفلام تسجيلية لا أعمل مع سيناريو جاهز، انا أذهب إلى مناطق الأحداث وأنتظر ما أجد هناك، في البداية أعتقدت إن الفيلم يمكن ان يكون عن “وائل” وعائلته، بعدها شعرت إن الواقع اكثر تعقيداً من أن أعمل فيلم عن قصة واحدة، أشياء كثيرة كانت تَحدّث حولي، بعض النقاد وصف القصص التي في الفيلم بإنها غير مكتمله، أنا أعتقد انه شيء جيد أن تكون القصص غير مكتملة، فالثورة غير مكتملة أيضا، هكذا يبقى المشاهد يتسائل ما الذي سيقع لاحقا، بعض الناس قالوا لي إنه ليس فيلم معتمد على تطور الشخصيات، هذا صحيح، انه ليس مثال تقليدي لفيلم مبني على الشخصيات، أنا مهتم اكثر بالموضوع والافكار “.
الفيلم يسجل قصص لخمس شخصيات مصرية بعد أشهر من تنحي الرئيس حسني مبارك، من هؤلاء، من كان ضحية مباشرة لحكم الجيش المصري، كسلوى التي كانت ضمن الفتيات التي إعتقلت بتهمة إتيان أفعال فاحشة في ميدان التحرير، والشاب مايكل والذي حوكم محاكمة عسكرية بسبب ما نشره من إنتقادات لهيمنة المؤسسة العسكرية. كذلك يسلط الفيلم الإنتباه على قصة الفتى محمد، الذي كان ضمن جيش الجمال والخيول الصغير الذي هاجم متظاهري ميدان التحرير في واقعة “الجمل” المعروفة. وهناك شخصيتان إخريتان، تعرضا للمعاملة المهينة والتعذيب بسجون الإجهزة الأمنية المصرية في الأشهر التي أعقبت التغيير هناك. وعن تحضيراته لفيلمه، وكيف وفق بالعثور على شخصياته يقول:”بالعادة أنا اعمل تحضيرات، لكني هذه المرة سافرت بدون تحضيرات كثيرة، لم أكن أعرف الكثير عن مصر قبل أن أصل هناك، صحفيون محليون ساعدوني كثيرا في العثور على بعض شخصيات فيلمي، مثل قصة وائل، لإني حاولت أحيانا الحديث الى الناس، لكن لا أحد كان يريد التكلم معي، كذلك تمت مساعدتي في التعرف على قصة مايكل، اما بقية الشخصيات فلقد وجدتها بنفسي فقط لإني كنت أعطي إهتمام لما يحدث حولي في مصر، أما التصوير داخل مركز الشرطة فهي كانت فكرتي، لإني إعتقدت إنها ستكون فكرة جيدة أن يتم اعطاء فرصة لرجال الأمن بالحديث، خاصة إن الثورة هي جاءت ضد الظلم الذي يسلط على المصريين من قوى الأمن. أما قصة البلطجي “محمد” فهي أيضا فكرتي لإني كنت أطمح لفترة طويلة أن أعثر على شخص يقدم الجانب الآخر من القصة “. وعن تعرفه على الفتاة الوحيدة في الفيلم سلوى يكمل المخرج :” كان هناك 20 فتاة من اللوتي إتهمن بقضية عدم العذرية يتحدثن للإعلام وقتها، سلوى تحدثت للعديد من القنوات التلفزيونية المعروفة، ونالت على نصيب كبير من الإهتمام، عندما قابلتها كان قد مَرّ على الحادثة ستة أسابيع.، كانت وقتها خائفة كثيراً بالحديث مجدداً لوسائل الإعلام العالمية، كانت تعتقد إن الشرطة تطاردها، لقد إستغرق وقت طويل حتى إكتسبت ثقتها، مرة إخرى مع الوقت تسهل الإمور، كما إن الشخص الذي عمل معي بالترجمة كآن جيدا جداً، يملك كاريزما محببة وهذا سهل كثيرا تعاملنا مع المصريين الذين قابلناهم”.
يكشف المخرج إن التهديدات والإعتداءات التي تعرض لها من قبل رجال من قرية سلوى والتي ظهر بعضها في الفيلم، تطورت كثيرا عندما توقفت الكاميرا عن التصوير :”الذي لا تعرفه إن الوضع الذي شاهدته في الفيلم تطور بشكل حاد، فلقد تم الإعتداء علينا، مساعدي تعرض لإصابات كبيرة، كذلك تعرضت ام سلوى إلى ضرب مبرح. بعدها ذهبنا للإختباء في منزل المدير الإداري للقرية، وطلبنا الشرطة التي جاءت لإنقاذنا، لقد كنا محظوظين إننا نجونا بدون كارثة “.
لا يخفي المخرج قلقه على “سلوى”، خاصة إن البعض قد يفسر جرئتها التي ظهرت فيها في بعض مشاهد الفيلم، بإنه سلوك غير أخلاقي، الأمر الذي قد يبرر المعاملة القاسية جدا التي تعرضت لها من قبل الجيش المصري :”افكر أحيانا إن التوليف كان يمكن أن يكون أكثر محافظة فيما يخص سلوى، لكننا أيضا أردنا أن نعرض القصة ونبين الحقيقة التي تجري في الشارع، نحن نتابع قصتها الآن، وعلى الاقل نحاول أن نساعدها، في الشهرين الاخرين ساعدناها بأن تؤجر غرفة، هي تعيش الآن بمفردها، ونتمنى أن تقف على رجليها وتجد عمل، حتى لا تبقى برفقة ناس من قاع القاهرة”.

من المشاهد الالفتة في فيلم “العودة الى الساحة”، ذلك الذي يسجل إحتجاج مصرية محجبة تحمل لافته وتقف في ميدان التحرير، تركز الكاميرا طويلا على وجه الشابة البهي والشعار الإنساني الآخذ الذي كانت ترفعه. هذا المشهد سينتهي عندما يتقدم شاب ( ينتمي الى نفس تنظيم الفتاة الإسلامي المحافظ) ويقوم بإنزال الشعار ليغطي وجه الفتاة ويحجبه عن الكاميرا، عن ظروف تصوير هذا المشهد بالذات يقول المخرج :” أنا أحب الأفلام التي تراقب، اللقطات التي تاخذ وقتاً طويلاً، أنا أحب أن ألعب مع هذه الأشياء، أن أسجل لقطات طويلة لإراقب بعدها ما يحدث، لا أعرف لماذا أثارتني تلك السيدة في التحرير، هذا المشهد يختصر لي حقوق النساء في مصر، اليس كذلك ؟، لقد كنت أتمنى قصصا أكثر عن النساء في فيلمي، لإن المرأة هي واحدة من أكبر المواضيع في الشرق الأوسط بشكل عام، وهي القضية التي تُعّيق المجتمع من التقدم “.
وعن التوليف بشكله الواسع في الفيلم يقول:” بالعادة أنا اقوم بعمليات التوليف بنفسي، لكن في هذا الفيلم، إستعنت بآخريين. في الفيلم كانت هناك مشاكل كثيرة مع المنتج، أنا كنت جازم بأن الفيلم منتهي، هو كان يعتقد بأن الفيلم يحتاج الى تصوير اضافي، عمليات التصوير والمونتاج تمت بسرعة كبيرة وعلى خلاف أفلامي الآخرى، فالتصوير والمونتاج وكل العمليات الفنية تمت خلال عام واحد فقط “.
يعتقد بيتر لوم بأن الثورة المصرية لازالت في بداياتها “أنا مهتم كثيرا بتغطيات الإعلام لمصر، لانه هناك شعور عام بأن الثورة جاءت وغيرت كل شيء في مصر وإنتهت الحكاية، وهذا يخالف الواقع كثيرا، وهذا ما يحدث أيضا مع تغطيات الإعلام للإنتخابات الرئاسية، حيث يتم الحديث عنها وكأنها انتخابات نزيهة بالكامل، وهذا يخالف الواقع أيضا “. في المقابل لم يشاهد المخرج كثير من الأفلام التي إنتجت عن الثورة المصرية او غيرها من الثورات العربية ويتطلع الى مشاهدة أعمال زملاء آخريين له وخاصة من مصر التي يعتبرها مكانا صعبا كثيرا لإنجاز فيلم تسجيلي ” مصر كانت مكان تحدي لعمل فيلم، المصريون شعب رائع ومضياف، لكنهم أيضا يملكون خوفا كبيرا من الغرباء، هذا أمر مفهوم، فكل نظام شمولي يستخدم الخارج لإخافة شعبه، وأيضا تخويفهم من جواسيس الدول العدوة. هناك أيضا الجهل العام، فمصر تضم نسبة كبيرة من الإميين، الامر الذي يجعل من السهل السيطرة والتاثير عليهم.، أما بالنسبة للفيلم هذا، فلقد تلقيت أكبر مديح من المونتير المصري الذي ساعدني في عملي والذي أخبرني إنه عندما شاهد النسخة النهائية من الفيلم أعتقد إنه كان يشاهد فيلم مصنوع عن طريق مخرج مصري، وهو الأمر الذي إعتبره مديحا كبيرا للفيلم، لإني أسعى كثيرا في افلامي التي اصورها في دول مختلفة أن لا اقع في فخ صناعة صورة نمطية، والسعي لطلب الحقيقة والسماح للشخصيات بالتعبير عن ذاتها. أنا لا أعتقد إنه من المهم التركيز على جنسية المخرج والبلد الذي آتى منه، أنا مؤمن إن الشيء الاساسي هو إذا كان الفيلم جيداً ام سيئاً”.
لا تربط المخرج التشيكي علاقة خاصة بالشرق الأوسط رغم إن فيلمه السابق كان عن ايران ” حياتي المهنية مبينة على مجموعة من المصادفات” يتابع المخرج، “أنا مهتم بالعالم كله، الشرق الأوسط مكان مثير جدا، أنا عملت فيلمي السابق عن إيران، بسبب إن لي صداقات عديدة مع إيرانيين، إختي كانت متزوجة من إيراني، قصة فيلم ( العودة الى الساحة) إن منتجي قال لي يجب أن تراقب ما يقوم به محمد البرادعي في مصر، وكان هذا في اوائل عام 2010، ولقد تابعت البرادعي الذي تكلم بقوة كبيرة عن النظام المصري، وأكد بحزم وقتها بإن النظام سينهار، كذلك هناك ما يجمعني بالمنطقة، فأنا ولدت في التشيك، وكنت مع أهلي من الالجئيين من الغزو الروسي لبلدنا، لذلك أنا مهتم بالعدالة في أفلامي التي أقدمها “.
يترقب بيتر لوم عرض الفيلم في مصر لإول مرة “أتمنى أن يشاهد المصريون الأشياء التي شاهدها المتفرجيين الآخريين للفيلم عند عرضه في مهرجانات حول العالم، بالطبع سوف أكون قلق من عرض فيلمي للجمهور المصري، لإنه تحدي خاص، أن أعمل فيلم خاص في بلدهم، أنا متشوق كثيرا لعرض فيلمي في الإسماعيلية، لإني أعتقد إن المواضيع التي عالجها الفيلم ما زالت فعاله، فلا يهم من يفوز بالإنتخابات لإن التحديات باقية وهي: عدم محاكمة الذين قتلوا المتظاهرين لليوم، عدم تنظيم الوزارات الجديدة، إعادة تنظيم هيكلية الأمن، أنا آمل ايضا أن يرى المشاهد أينما كان القضايا تلك على إنها قضايا عالمية تواجه مجتمعات عديدة في المعمورة”.
على عكس الصورة التشائمية التي يحملها مصريين وآخريين عن الوضع في البلد، يرى بيتر لوم إن هناك تطورا جوهريا قطعه المصريين يتمثل بالاساس بإنهم اصبحوا يعبرون بدون خوف عن أفكارهم وهواجسهم، وبدون التفكير بالعواقب، وهو الامر الذي لمسه في تجواله في عدة مناطق في مصر في فترة تصوير الفيلم التي إستغرقت ستة اشهر.
يحافظ المخرج على إتصالات مع شخصياته فيلمه الخمسه، فهو بالإضافة الى مساعدته لسلوى، يحاول أن يساعد الذين يحتاجون الى مساعدة، خاصة إن الحياة ليست غالية في مصر، كما إنه كان سعيدا لإن مايكل واخيه مارك حضرا عروض الفيلم في مدينة روتردام الهولندية، والعاصمة النرويجية اوسلو. ” لم يكسر السجن روح “مايكل”، هو خرج من الحبس أكثر عزيمة وتفائلا منا جميعا، ينتظر هذا الشاب مستقبلا باهراً في الاعوام القادمة ” يكمل المخرج قبل أن يعود إلى مكان عمله ليستكمل العمل على فيلمه القادم عن مصر.