السينما الكورية لا تنساها …. إنها الحرب اللعينة

محمد رُضا

من بين سبعة أفلام كورية عرضها مهرجان برلين في دورته المنتهية مؤخراً لفت الإنتباه فيلم بعنوان «طريقتي» من إخراج كانكيو جو الذي انفرد بتقديم حكاية أسيرين كوري وياباني قبضت عليهما القوّات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. الموضوع فريد لأن مجمل ما قدّمته  السينما الكورية من أفلام حربية تعامل مع الحرب الأهلية التي لا زالت تعني الكثير لشعبين يتقاسمان جذوراً واحدة.
 في الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو سنة 1950 قامت قوات كوريا الشمالية بغزو كوريا الجنوبية ما أدّى لاشتعال حرب ضروس بين البلدين تركت أثرها الدامي على الشعبين وعانت منها القرى والمدن الحدودية في كوريا الجنوبية التي سقطت لفترة تحت احتلال الجزء الشمالي من ذلك البلد الواحد ذي النظامين المتناقضين، هذا قبل أن تسترد القوات الجنوبية المناطق المحتلّة وتنقل المعارك الى الجبهة من جديد.
أكثر من ستين سنة على تلك الحرب والكوريون لم ينسوا بعد  ضور ما حدث، بل يعيشون احتمالاتها المتجددة بين الحين والآخر. وربما اليوم أكثر من أي وقت مضى، يشعر الكوريون الجنوبيون أنهم بحاجة لسينما تتحدّث عن ويلاتها وقسوة أحداثها وكيف أن الكوري قاتل الكوري وبل قاتل أخاه المنشق بضراوة فرضتها ظروف الصراع.

واحد من الأفلام الرئيسية التي تناولت الحرب بين الكوريّتين في السنوات الخمس عشر الأخيرة، وهي السنوات التي تشهد ظهور العديد من هذه الأفلام، كان “منطقة أمن مشترك” لبارك تشان ووك. كان ذلك الفيلم الذي يتحدّث عن صداقة تقع على خط التماس بين الدولتين تنقلب إلى عداوة في أول مناسبة، بداية إعادة ما كانت السينما الكورية بدأت الحديث فيه منذ سنوات أبعد بكثير.
ففي العام 1961 قام كيم كي ديوك بإخراج فيلم “خمسة جنود مارينز” عن الموضوع نفسه تبعه بعد عامين “المارينز ذهبوا” للي مان-هي، الذي كان في الواقع أوّل فيلم كبير الإنتاج عن تلك الحرب.
المنحى الذي اختاره المخرج مان-هي واقعي يستفيد من بعض أفلام هوليوود التي خرجت في الخمسينات حول حروبها في كوريا او في الفيلبين ضد القوات اليابانية.
الحرب حملت، ضمن ما حملته، اضطرار عائلات كثيرة الى الانفصال وهذا كان موضوع فيلم المخرج مان-هي التالي سنة 1965 وعنوانه “شمال وجنوب”. وفي العام ذاته خرج “الشال الأحمر”، فيلم يتناول في أحداثه دور الطيران الكوري الجنوبي في ذلك الصراع. الفيلم يُعتبر من كلاسيكيات سينما الحرب الكورية وقد تُوّج ذلك بسبب نجاحه فنياً وجماهيرياً، وحالياً يتم تصوير جزء ثان من ذلك الفيلم على أن يتم عرضه في شهر آب/ أغسطس0
بالانتقال الى فترة أقرب إلينا نجد فيلم “جبال تايبك” للمخرج إم كوون- تايك  يعالج الحرب كأزمة هوية أيضاً. لم يكن الأول الذي اقترب من هذا الجانب، لكنه من بين الأقوى. يتحدّث الفيلم عن دور الحزب الشيوعي في كوريا الجنوبية وكيف ساهم في إشعال الفتنة بين مواطني قرى جبال تايبك القريبة من الحدود لدفعهم للحرب ضد بلادهم. لجانب الاستعراض البصري القوي واللافت أسلوباً وقيمة، هناك تلك المواقف التي تتبدّى فيها حيرة بعض الشخصيات الرئيسية وهي لا تعرف الى أن جانب تنتمي في هذا الصراع. ليس كل الشخصيات هكذا، إذ عمل المخرج، في الوقت ذاته، على إعلاء شأن البطولات الجنوبية خلال المحنة0
“جبال تايبك” كان عملاً كبيراً تم تحقيقه سنة 1998 لكن بعد ست سنوات تم إتباعه بفيلم أكبر حجماً بعنوان “أخوة الحرب” الذي لم يكن مجرد فيلم كبير بل كان الأكبر من كل ما حققته السينما الكورية من أعمال في هذا الموضوع وأكثرها نجاحاً0
هذا الفيلم من إخراج جي- جيو كانغ وفيه نرقب حياة عائلة كورية شمالية مؤلّفة من الأم وولديها وزوجة أكبر الولدين. يتم طلب الشقيق الأكبر للانضمام الى الجهود العسكرية مع مطلع الحرب، وبالخطأ يتم تجنيد شقيقه الصغير، وعبثاً حاول الشقيق الأكبر التدخل لإعفاء أخيه من الخدمة، لكن محاولاته لا تنجح وما يلبث أن يجدا نفسيهما على الجبهة يقاتلان العدو المشترك. هذا يستمر، مع مشاهد قتال ضخمة، حتى يفقد الشقيق الأكبر بوصلة الانتماء وينضم الى القوات الشمالية، وما هي الا نصف ساعة من الأحداث قبل أن يلتقي الشقيقان في رحى معركة ضارية ويتواجهان كل لصالح الطرف المضاد لأخيه.
التراجيديا المتمثّلة بشقيقين يتقاتلان كل دفاعا عن كوريا يؤمن بها موجودة أيضاً في فيلم سابق عنوانه “وطنيون شماليون في كوريا الجنوبية” أخرجه جانغ- صون وو سنة 1990
في العام 2000 تجاوز فيلم “منطقة أمن مشترك” كل هذه الطروحات من دون أن يفقد التركيز على المشكلة. الفيلم، من إخراج تشان- ووك بارك، يدور حول نقطة عسكرية جنوبية يتسلل إليها جنود من الطرف الآخر للسمر والسهر. العلاقات أليفة بين شعبين هما في الأصل واحد، هذا الى أن تقع حادثة فينقلب كل لمواجهة الآخر0

بعض ما سبق ينظر إلى الحرب كبطولة لكنه يغلّف تلك البطولة بتساؤلات مرّة حول كيف يمكن لشعب في وطنين أن يتقاتلا. هذا أيضاً ما حمله فيلم حديث بعنوان «شيري» قام بإخراجه قبل بضع سنوات جي-غيو كانغ حول عميل مخابرات كوري جنوبي يطارد عميلاً مماثلاً مزروعاً في قلب سيول العاصمة.
وبعيداً عن خطوط القتال شاهدنا في العام الماضي فيلماً بعنوان «مدينة راقصة» أخرجه جيوون كيو-هوان حول متاعب لاجئة من كوريا الشمالية في عالم لا يرحّب بها داخل كوريا الجنوبية.
تجارياً، وعلى كثرة الأفلام التي تتناول تلك الحرب، فإن الزخم الجماهيري السابق خفّ كثيراً، والشكوى الآن هي من كثرة الأعمال المطروحة من دون تنويع او جديد.


إعلان