المواجهة بين ايران وإسرائيل في هوليوود

إلى أي مدى يعبّر فوز الفيلم الإيراني على الفيلم الإسرائيلي في معركة الأوسكار عن الوضع الإيراني- الإسرائيلي على مستوى الحرب المحتملة بينهما؟
سؤال يبدو غريباً، لكن بما أن هذا العالم الذي خلقه الله جميلاً بات عبارة عن أزقّة سياسية، فإن كل زقاق يؤدي إلى الآخر على نحو أو آخر. وزقاق السينما والسياسة متقاربان للغاية ومن أطول أزقّة هذا العالم.

حين تم إعلان ترشيحات الأوسكار الذي انتهى مطلع هذا الأسبوع بإعلان الجوائز، لاحظ المهتمّون كيف أن مسابقة أفضل فيلم أجنبي تضم عملين متواجهين. الأول هو فيلم “إنفصال” للإيراني أصغر فارهادي، والثاني فيلم «هامش» للإسرائيلي جوزف سيدار. وتساءل البعض عما إذا كان الأمر أكثر من صدفة في حين تنبّأ كثيرون أن الفيلم الإسرائيلي ظهر في تلك اللائحة من باب المعادلة فالفيلم الإيراني لن يظهر في الترشيحات من دون أن يلازمه فيلم إسرائيلي وذلك كبادرة ترضية لمن يؤيّـدون سياسياً إسرائيل. إضافة إلى ذلك، تنبأ عدد أكبر أن يفوز الفيلم الإسرائيلي بالجائزة هذه السنة نظراً لوجود الفيلم الإيراني.

فيلم أصغر فارهادي هذا الفيلم أكثر تماسكا مما يتناهى إلينا بعد قليل من بداية الفيلم. ليست فيه فجوة درامية ولا دقيقة مصروفة في غير موضعها. لا ثرثرة رغم أنه مليء بالحوار. ولا لقطة زائدة عن الحاجة رغم ساعتيه. ما يجعل الفيلم متابعة قصصية ناجحة هو ما جعل فيلم فرهادي السابق («عن إيلي») فيلما ناجحا أيضا، أنه يملك ناصية السرد المشوق وطرح الأسئلة طوال الوقت. لكن إذ يقرر المرء العودة بكرسيه إلى الوراء قليلا تتكشف مجموعة من العيوب منها ما هو على شكل أسئلة غير مجاب عليها لكن أهمها ما يتعلق بأن الصياغة ذاتها تجعل الفيلم أقرب إلى أفضل ما يمكن للدراما التلفزيونية الخروج به. رهافة اللغة السينمائية غير مكتملة  إذ يغلب على العمل الروي القصصي على أهمية ما يطرحه.

وتقوم فكرته على أن نادر (بيمان معادي) وسيمين (ليلى حاتمي) متزوّجان ولديهما فتاة في الحادي عشر من عمرها أسمها ترميه (سارينا فرهادي) ويعيش الثلاثة، لحين بداية الفيلم على الأقل، في منزل واحد يقطنه أيضاً والد نادر (علي شهبازي) العجوز المقعد والمصاب بفقدان الذاكرة (ألزهايمر) ويحتاج إلى من يعتني به بعدما اتفق الزوجين على الإنفصال. هذا تدخل الصورة المشرفة رازيا (ساره بيات) الحبلى من زوجها حجة (شهاب حسيني). هذه هي توليفة الشخصيات التي يقوم الفيلم عليها خلال دراما اجتماعية تحفظ قوّة مضمونها وأهميّته بفضل حركة سينمائية دؤوبة وتمثيل جيّد من قِبل الممثلين بلا استثناء تقريباً.

فيلم جوزف سيدار هو أيضاً فيلم عائلي يدور حول أب وإبنه. كلاهما في صحّة جيّدة وبل كلاهما ينافس الآخر على جائزة شرفية من الأكاديمية إذ اختلط الأمر على اللجنة ودفعت بالجائزة إلى أحدهما على أساس أنه الآخر.

فيلم جوزف سيدار (الذي كان حقق قبل ثلاثة أعوام فيلماً حربياً بعنوان «بيوفورت» حول الحامية الإسرائيلية في قلعة لبنانية على الحدود مع إسرائيل وما تكبّده الجيش الإسرائيلي من تحد عندما طلبت من الحامية الإنسحاب) قائم على تشكيل فني في محيط اللقطة الواحدة، وعلى مشاهد طويلة لغايات لا تظهر او لا تتحقق ما يجعل تلك المشاهد طويلة فقط.
بمقارنة الفيلمين، فيلم أصغر فارهادي أفضل تشكيلاً، أكثر إثارة للمتابعة وأكثر أهميّة في تعليقه على مجتمع تتوزّع فيه السلطات وتحد من حريّة الأفراد (في ركابه نلحظ المراجع الدينية والأمنية التي على الأفراد الرجوع إليها)، بالتالي هو فيلم أكثر “سياسة” من فيلم سيدار.

لكن التوقّع بأن السياسة تقف وراء توجيه الأوسكار او توجيه هذا الفرع منه هو مجرد تلبية لتفكير يرى خطّة ومؤامرة ويفسّر الأمور دوماً على أساس المواقف القائمة على الأرض. الواقع هو أن الفيلمين انتجا معاً في سنة واحدة، وأن أحدهما (الإيراني) انطلق بنجاح من نقطة بدايته حين عرضه مهرجان برلين ومنحه جائزته الأولى مطلع العام الماضي، في حين حط الفيلم الآخر وسط وجوم الجمع الذي تابعه في مهرجان “كان” في ربيع العام ذاته.

لكن إعلامياً بالطبع، هو نصر “إيراني” على “إسرائيل”. لا يعني ذلك أن حرب الإغريق والبيزنطيين ستنطلق في اليوم التالي، او أن أحدهما سيحاول النيل من الآخر بناءاً على تلك النتائج. رغم ذلك ولو كنت مسؤولاً او سينمائياً اسرائيلياً فإن الغالب هو شعورك بأنك ودولتك خسرتما المواجهة مع بلد عدو على ساحة الأوسكار.


إعلان