نفط ودخان ومرايا وقصص اخرى

طاهر علوان

” نحن في عالم تنضب موارد الطاقة فيه وسيعيش ازمات حقيقية في المستقبل المنظور ” بهذه السطور يبدأ خبير الطاقة العالمي جوليان دارلي قراءته للواقع والمستقبل الذي ينتظر البشرية في ظل تفاقم معضلات الطاقة فمن جهة ازدياد الطلب العالمي مع زيادة مستويات التلوث والأحتباس الحراري المترتبة على ذلك  ومن جهة اخرى تفاقم الصراعات حول منابع النفط .
قلق يمتد بامتداد الحقيقة الواقعية التي يجري تداولها تارة والتعتيم عليها تارة اخرى وهي التي يتصدى لها الفيلم الوثائقي “نفط ودخان ومرايا ” للمخرج ” رونان دويل ” ومسبقا يؤكد المخرج اننا امام موضوع اشكالي وقابل للجدل بل انه في الحقيقة يقع في قلب منطقة الجدل العالمي حول شكل المستقبل الذي ينتظر البشرية في ظل تصاعد مشكلة استنفاد موارد الطاقة .
وثائق ومقابلات ومادة فيلمية غزيرة تقدم وفرة من المعلومات وخاصة تلك الخلاصات التي يقدمها عدد من كبار الخبراء والمتخصصين ومن هؤلاء الخبير الدولي “ريستشارد هينبرج” الذي الف العديد من الكتب في هذا المجال الذي يذهب الى القول :”لقد نشأنا معتمدين على موارد الطاقة الرخيصة وان الأزمات المعقدة القادمة ترتبت على سياسات تتعلق بموارد الطاقة واستهلاكها “. فيما يذهب الخبير والوزير البريطاني السابق “مايكل مينشر” الى القول :” اننا نعتمد اعتمادا كليا وكاملا على النفط في كل نواحي الحياة ، نحن نعيش عصرا نفطيا خالصا سواء في الصناعة او الزراعة او النقل وحركة النقل من طائرات وبواخر وسيارات فضلا عن ان الجيوش في انحاء العالم هي الأخرى مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنفط  والحقيقة المهمة المرتبطة بذلك ان اكتشاف حقول جديدة للأستجابة للطلب المتزايد على النفط تتضائل بشكل كبير ذلك ان ثلاثة ارباع ما مكتشف من حقول نفط عملاقة قد تم اكتشافها في السبعينيات من القرن الماضي ونحن باختصار نستهلك ثلاثة ارباع مانكتشفه وهذه الفجوة المخيفة تتسع باضطراد “.
هذه الحقيقة خلاصتها  : وجود العجز في توفير موارد نفط كافية لتلبية الحاجات المتزايدة والطلب عليه ، هذه الحقيقة قائمة وواقعة برأي اولئك الخبراء وان كثيرا من الأزمات القائمة اليوم والمرتبطة بالأقتصاد والسياسة والأزمات المقبلة ماهي الا رجع صدى لهذه الحقيقة المهمة التي يجري التعتيم عليها من طرف الأعلام العالمي بصفة عامة .
اذا هل نتصور انفسنا ونحن نعيش في عالم بلا نفط ؟ انها فرضية ترتبط بوجود الأزمة وتفاقمها وهي التي يتصدى لها الفيلم متنقلا بين العديد من الحقب التاريخية المرتبطة بتفاقم المشكلة عارضا بيانات واحصائيات تثبت ابعاد المشكلة العالمية الكبيرة التي تنتظر البشرية .
اعتمدت المعالجة الفيلمية على ذلك الخط التصاعدي غير المرئي في تسليط الضوء على تلك ” الدراما ” المتصاعدة ، دراما الواقع الدولي وحياة المجتمعات في عالم بلا نفط او عالم يعيش هلعا غير معلن من جراء تناقص مصادر الطاقة التي هي عصب الحياة .
هذه المعالجة الفيلمية عززتها اراء خبراء ذوي اتجاهات ووجهات نظر مختلفة ولكنها جميعا تلتقي في مقاربات تحاول اسيتجلاء هذه القضية الأشكالية.

يقول الخبير بول روبرتس  مؤلف كتاب نهاية النفط :” عندما نقول ان نهاية النفط تقترب فأن ذلك يعني ان نهاية العالم تقترب ، والزعم ان الحكومات والدول لاتعلم بالأزمة هو كلام غير صحيح فهي تعلم جيدا وتعلم ان موارد النفط تتناقص بمعدل مقدارة ستة من المئة في كل عام وان الجهة الأكثر اهتماما بالموضوع هي الولايات المتحدة صاحبة اضخم اقتصاد في العالم وهي لاتريد مناقشة الموضوع لأن مناقشته ستحيل الى سؤال وماذا سنفعل ؟ وهي لاتريد مناقشة الأمر مع الأخرين بل ان تقوم خي بنفسها باجراءات تخدمها ومن ذلك الأقتراب من منابع النفط الغزيرة وهما نفط الشرق الأوسط والمنطقة العربية من خلال احتلال العراق ونفط بحر قزوين باحتلال افغانستان ..الحاصل انهم يريدون تأمين النفط لأنفسهم لأن من يمتلك النفط يمتلك القوة”.
ترتبط هذه الأشكالية ارتباطا وثيقا بدور وسائل الأعلام في مناقشة الموضوع بصوت عال وذلك غير متحقق ، وهو محور آخر ينتقل اليه الفيلم في مقاربة قصة ازمة الطاقة وازمة الأعلام والمصالح التي تحكم حركة وسائل الأعلام وتوجهاتها  بل ان الخبير “ريتشارد هينبرج” يذهب الى ماهو ابعد من ذلك بقوله :” ان الناس تعاني من عملية تجهيل حول هذا الموضوع فهم يعرفون تفاصيل عن الحياة الشخصية للممثل براد بيت من دون ان يعلموا شيئا عن ازمة النفط والتداعيات المستقبلية المترتبة على ازمات الغذاء والبطالة المرتبطة بها وبدل ان ينشغل الناس بهذا التحدي فقد انغمسوا في قصة الأرهاب وقتا طويلا لصرف الأنتباه عن قضية هي اخطر واهم “.
ويثير ” اندرياس فون بيلو ” وزير العلوم والتكنولوجيا الألماني السابق قضية اخرى تتعلق يالأستراتيجيات الأمريكية في تغليب حقيقة الجغرافيا على اي شيء آخر من خلال الاقتراب من المنابع في الشرق الأوسط وبحرقزوين ويلفت النظر الى ماقامت به ادارة بوش من ادارة عملية اعلامية – دعائية – سياسية لغرض الوصول الى الهدفين معا تحت غطاء مكافحة ماسمي  الأرهاب في افغانستان  واسلحة الدمار الشامل في العراق.
ويعرض الفيلم محاور اخرى مثيرة للجدل تتعلق بدور جماعات الضغط والمصالح كشركة هاليبرتون وغيرها المقربة من مراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة خلال حقبة حكم الرئيس السابق جورج بوش وحيث الحقيقة المؤكدة ان العالم بعد العام 2010 سيحتاج الى 50 مليون برميل اضافية تتصاعد بشكل مضطرد مع ازدياد معدلات الأستهلاك وهذه لن تأتي الا من الشرق الأوسط الذي يؤمن 2 من 3 من موارد الطاقة في العالم وهناك في تلك البقعة يكمن الكنز .
يناقش الفيلم نظرية المؤامرة المرتبطة بواقعة الحادي عشر من سبتمر باستفاضة كبيرة من طرف خبراء مرموقين ومدى كونها خاضعة للتشكيك في السيناريو الذي ظهرت عليه وعلاقتها بالخطط الأستراتجية للسياسة الأمريكية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وايجاد ارضية لأتخاذ اجراءات على الأرض لغرض منها السيطرة الجيو- سياسية اكثر منها استجابة للتهديدات بل ان هنالك من بين المتحدثين من يرى وجود ارتباط وثيق مابين ازمة موارد النفط وبين احداث الحادي عشر من سبتمبر .
يمضي الفيلم في اعادة العديد من النقاط المتفجرة والمهمة التي يشكل كل منها حدثا مهما في اعادة صياغة الواقع والوجود الكوني المهدد بالأزمات وهي محصلة مهمة تحيلنا الى مستويات واتجاهات القراءة المتعددة لتلك الوقائع تذهب بعيدا الى القول ان الوصول الى منابع النفط كان يتطلب محاربة 60 دولة لكن قصة محاربة الأرهاب جعلت الوصول الى تلك المنابع مباحا وسهلا على اعتبار ان ارهاب طالبان ونظام صدام مثلا تهديدا للسلم العالمي مما روجته الماكنة الدعائية الأمريكية ورسخته السياسة الخارجية باستقطاب التحالفات متعددة الأطراف والمؤمنة طوعا او كرها بتك النظرية .


إعلان