المجتمعات الدينية (مسلسل وثائقى شامل 2)
ثلاث مذاهب مسيحية : حيث الدين لفائدة المجتمع
صفاء الليثى
فى هذا العرض نتناول ثلاثة مذاهب مسيحية وهى الموارنة والبروتستانت والأقباط مبحرين بين شواطىء لبنان وألمانيا ومصر حيث يكتسب الدين بعدا مختلفا مع كل أرض جديدة ينتشر بها.
الموارنة : حيث المطران قائد سياسى
على نفس الطريق يمضى فريق عمل المسلسل مستعرضا مجتمع الموارنة بادئين بصحبة السيدة جدة الحورانى التى تركت وطنها خلال الحرب اللبنانية (1975-1990) وهى شاعرة بالأسف لذلك ويخبرنا التعليق أن لبنان بلد التناقضات ومكان تجمع الأقليات المضطهدة منذ أقدم الأزمنة. تتدفق المعلومات من المعلق ومن الشخصيات التى نشاهدهم عبر 52 ق كثيرا ما يعيد فيها المعلق معلومة نسمعها من شخص نقابله، هذا الإلحاح على المعلومة يعكس إصرارا على وصولها للمشاهد بشكل كامل. تقدم الحلقة الموارنة كأفراد وتأثيرهم وتأثرهم بمجتمعهم دون الخوض فى العقيدة ودون شرح طلاسمها. ومن الموارنة اللبنانيون إلى مجتمع مارونى إيطالى مصطحبين السيدة جده إلى بلدة إلبيرينو بإيطاليا وهنا نتعمق فى شرح تراث الموارنة ونتعرف على القديس (مامارون )، أما البعد النسكى المارونى فنتعرف عليه من الأم الرئيسة التى تحكى عن الدور الذى يقدمه الدير لمن يريد أن يقضى يومين فى تأمل وصلاة وسكون. نحن نعرف عن البشر والمكان والتاريخ معرفة شاملة تربط الأفراد والمنتمين لدين ما إلى تجمع مكانى وزمانى، وتوضح كيف خلقوا ثقافتهم وطقوس حياتهم الاجتماعية، ومع تشوق يتملكنى لأعرف عن الموارنة فى لبنان حيث البلد العربى الوحيد الذى يترأسه مسيحى، أعرف أكثر عن الدور السياسى لمطران الكنيسة المارونية الذى ملأ فراغا سياسيا لكى يكون مهتما بمستقبل وحرية لبنان لصالح كل الطوائف فى لبنان الكبير الذى كرسه الميثاق الوطنى. حجم السياسة عند تناول المارونية لم يمنع من الحديث عن العائلة المارونية التى تمتلك ثقافة فطرية على تقبل الآخر وفيها تحتل المرأة مكانة عالية جعلتها تترشح للرئاسة. افتقدت فى الحلقة بحث كاف لمسألة التوتر مع الطوائف الأخرى وخاصة فى الخمسة عشرة سنة التى عاشتها لبنان فى حرب.
البروتستانت: الحركة الإصلاحية للكنيسة
ومن لبنان أيضا حيث يعيش فى بيروت وحدها 50 ألف نسمة من البروتستانت التى تعرف بالكنيسة الإنجيلية بمعنى الاعتقاد بأن الكتاب المقدس هو المرجعية الوحيدة لمعرفة تعاليم الله، وهى مختلفة عن العقائد المسيحية الأخرى فى مركزية الكتاب المقدس وفى التسلسل الكنسى . التركيز على الصلاة الفردية مع التركيز عل الكلمة هوما يمثل أهمية خاصة للحياة الإنجيلية التى تتأكد فى المبدأ الرابع بحرية الضمير المسيحى والسعى الدائم للإصلاح. وما من وسيط بين الإنسان وبين الله. كما تحتل المرأة مكانة تجعلها مؤهلة لرسامة الكهنوت وهومتحقق فى بلاد الغرب كألمانيا ولكنه يصطدم بالتقاليد المجتمعية فى الشرق.

استمدت البروتساتنية قوتها من (مارتن لوثر) الذى تحدى سلطة الكنيسة الكاثوليكية وأصبح رمز الحركة الإصلاحية والحرية الدينية. تمضى الحلقة فى استعراض صور ومعلومات مجموعة من الإصلاحيين ومنهم من أزعجه استغلال الناس ببيعهم صكوك الغفران، وجه مارتن لوثر نداء إلى النبلاء يدعوهم إلى التحرر من سلطة البابا. وتأزمت الأمور وحُكم عليه بالحرق ولكنه اختطف من قبل أنصاره وأخفوه فى قلعة حيث تفرغ لترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية. بلغة الشعب وانتهى من الترجمة عام 1522، ومن إصلاحاته أنه غير من تعاليم الزواج وأصبح من المستحسن أن يكون للقس عائلة. تنامت فكرة النهضة فى الكنيسة ثم برز يوحنا كالفن فى فرنسا جامعا بين الكنيسة والدولة. وعندما اضهد البروتساتنت هاجر الكثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن شرح على الخريطة نجد أكبر تجمع للكنائس البروتستانية. وعرف منهم المرسلين المبشرين ومنهم من أتى إلى الشرق الأوسط إبان الحكم العثمانى وهكذا تم نشر كلمة الإنجيل وليس تعاليم الكنيسة. ومن المهم عدم إغفال دور الإرسالية فى بيروت حيث قام المبشر د.كورنيوس فانديت بترجمة الكتاب المقدس إلى العربية عام 1864 لتصبح أول ترجمة عربية معتمدة فى كل الكنائس الإنجيلية. وتستعرض الحلقة أيضا الكنيسة البروتستانية فى الكويت مركزة على العلاقة بين المتبعين لتعاليمها وبين الأكثرية المسلمة ونتعرف على القس الكويتى جورج غانم ومشهد لرسامة قسيس محلى فى قرية علما الشعب. هذا التتبع يكشف عن الدور البحثى والإعداد الرائع من صناع المسلسل لكى يتم توصيل صورة كاملة عن المجتمعات البروتستانية فى عدة دول وبين دورها الإصلاحى. إنتاج ضخم يجرى التصوير فى بلدان عدة ويقابل عددا من رجال الدين الذين يضيفون عمقا لشرح كل ما يحيط بالمذهب الدينى والمجتمعات المرتبطة به. إن مبدأ الخدمة دون شروط، وثقافة السلام وخدمة المجتمع هما أهم المبادئ المسيحية الإنجيلية، مع الاستمرار فى الإصلاح فى مدارس الأحد التى تعد أهم المؤسسات ديناميكية فى العالم.
الأقباط: مبارك شعبى مصر
حرص المعلق على التأكيد على تتبعه لأسرة حلمى القبطية المسيحية الأرثوذكية مبتعدا عن الدخول فى حقل ألغام الخوض فى مجتمع مسيحى بمصر متسلحا بمقولة (وشهد شاهد من أهلها)، ومحتميا بحيادية نقل ما يخبره به حلمى ومارى . عائلة حلمى المقتدرة تعمل فى مجال الإنتاج السينمائى، وتعمل لديها عائلة عرفة وهم مسيحيون من جنوب مصر. البداية مع سعادة عائلة حلمى بفيلمه الذى يعدونه عن التاريخ الفرعونى،هم يتحدثون عن ارتباط الأقباط بتقاليد المصريين القدماء ويؤكدون أن أقباط مصر من أصول فرعونية وليست عربية، أؤكد أن هذا يرد على لسان العائلة فهذا ما يعتقدونه هم وليس صناع الفيلم. تؤكد مارى أسعد الناشطة الاجتماعية أن سرعة انتشار المسيحية فى مصر لأنها مبنية على قواعد إيمانية من التراث الفرعونى. كما يعتقد الأقباط أنهم الأكثر تجذرا بالعقائد الإيمانية الأولى على عكس البروتستانت، يذكر الأنبا شنودة : لم نتغير إطلاقا فما أخذناه من الآباء ثابت حتى الآن. وأيضا فيما يتعلق بمكانة رجال الإكليروس وانتظامهم فى هرمية دقيقة. وهذا التراتب يُبقى على العلاقة بين الشعب والكنيسة المحافظة رغم انفتاح الرعاة فيها . أما الاهتمام بالتنشئة فهو الأولى حيث يتحدث الأنبا موسى عن الاهتمام الشديد بتنشئة الطفل مستلهما الآية المقدسة” مغروسين فى بيت الرب، زاهرين فى ديار بيت الله” ، فما يفعله رجال الدين فى الكنيسة القبطية مرتبط بفكرة الغرس هذه. الأنبا يؤنس يحرص على تنشئة الشباب المسيحى جامعا بين التراث والمعاصرة. ولا تخلو أيضا الكنيسة القبطية من الدور المجتمعى ففى نقلة فنية جيدة بالحلقة ننتقل من القلعة إلى أسقفية الخدما�� المهتمة بلقمة العيش، ولقاء مع باحثة فى قضايا المرأة ومع المناضلة مارى أسعد المهتمة بتمكين المرأة وهو مصطلح تنموى يستخدمه العاملون فى قضايا المرأة والعمل على مساواتها فى الحقوق، ومنها أن تكون شماسة كالطفل الذكر وأن تصل إلى أن تكون قسيسة كما يحدث فى طوائف مسيحية أخرىإن اختيار عائلة محددة تعمل فى مجال السينما جعل فريق عمل الفيلم يؤسس لمشاهد شبه رؤائية لتعميق فكرة ما وشرحها، مثال على ذلك مناقشة فكرة صراع الأجيال بين الأم مارى وابنتها سارة ، فى المشهد يتم الاقتراب مما أسمته مارى ” جو عام فى المنطقة ينتشر فيها التزمت والتعصب ” دون تسمية للخلاف المسيحى الإسلامى المتنامى فى مصر. تم التصوير بين القاهرة والإسكندرية وصحراء مصر حيث دير القديس أنطونيوس. استعراض تاريخى موثق بخرائط عن انتشار المسيحية فى الجنوب أولا على امتداد وادى النيل وحتى أسوان. تقويم القديس مرقص وهو التقويم القبطى الذى تأسس عام 284 م. ويعرف أيضا بتقويم الشهداء، ويقصد بهم من ماتوا على أيدى الرومان فى المسيحية الأولى. بالطبع هناك عروج على الفتح الإسلامى عام 641 م. ويذكر أنها كانت مرحلة طمأنينة وسلام. ويشهد التاريخ أن الأقباط رفضوا التعاون مع الصليبيين فى حملاتهم على الشرق بل شاركوا المسلمين فى مقاومتهم. كما رفضوا قيام دولة إسرائيل أو الصلح معها. سمير مرقس المفكر والباحث يسمى الكنيسة القبطية بكنيسة الإجماع الوطنى .

ينتهى الفيلم ولا أقول الحلقة فهناك بناء سينمائى متميز ومؤثر فى “الأقباط” تنتهى بصورة عامة للكنائس المسيحية تغطيها عاصفة ترابية وهى لقطة تعبيرية عن الخطر المحدق بها ، تطول اللقطة حتى تنقشع العاصفة وبزوالها التدريجى يتلاشى الخوف من حوث ما يهدد المجتمع المسيحى فى مصر. لم ينسى الفيلم استعراض فكرة هجرة الأقباط التى صيغت أيضا على شكل حوار بين قريبة سارة المهاجرة وهى تحكى كيف تشعر بأنها كندية أكثر منها مصرية. أما رومانى أخ سارة فهو يرفض نهائيل فكرة الهجرة وإن كان يوافق على السفر والعودة لبلده . حلقة يمتزج فيها الدين بالسياسة بالقضايا المجتمعية، تغطى جزءا من أوضاع الأقباط فى مجتمع مع أغلبية مسلمة.
الحلقات الثلاث لا توجد فى قرص مدمج واحد ولكنه اختيار لى حاولت به تتبع الفروق الجوهرية بين المجتمعات المسيحية فى المذاهب الثلاث وهى على اختلافها يجمعها دور أساسى للدين فى خدمة المجتمع.