“ثورة” مهرجان تطوان المتوسطي

أحمد بوغابة

إلتحق مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط في دورته الثامنة عشرة بميادين التحرير خاصة وأن تلك الثورات كلها حصلت في الرقعة الجغرافية التي يتحرك فيها وهي منطقة حوض المتوسط، سواء في الأقطار العربية (تونس، ليبيا، مصر، سوريا) أو في الأقطار الأوروبية المطلة على بحر الأبيض التي عرفت ساحاتها العمومية الرئيسة تجمعات احتجاجية جماهيرية فاعلة  (إسبانيا، إيطاليا، اليونان وأيضا في تركيا من الجانب الكردي). وعليه، فإن مهرجان تطوان، الذي واكب السينما المتوسطية منذ أزيد من ربع قرن في تحولاتها الفنية والإبداعية، أراد أيضا أن يشاركها هذه السنة في المعطى التاريخي الجديد وقراءته له، لذا عمل على استقطاب الموجة الجديدة من الأفلام التي تناولت هذه الثورات المُنجزة من لدن المخرجين العرب أنفسهم أو من الأوروبيين. جل هذه الأفلام هي وثائقية. وبالتالي ستكون هذه الفقرة من أكثر الفقرات قوة المهرجان بسبب ما ستستقطبه، بالتأكيد، من اهتمام والمتابعة لكون الأغلبية من الساكنة تريد أن تفهم ما جرى ويجري؟ وكيف حصل ذلك؟ والاتجاهات التي تحولت إليها؟ ولماذا يهتم العالم ببحرنا ليتدخل هناك؟ ويتباطأ هنالك؟ ويتواطأ مع أكثر من جهة؟. فهل ستجيب السينما على ما يشغل بال المواطن البسيط؟

ثورة السينما: في المجتمع والتقنية

تنطلق الدورة 18 لمهرجان سينما المتوسط يوم السبت 24 مارس لتختتم يوم 31 من نفس الشهر ببرنامج كالعادة يغرف من مختلف المكونات السينمائية لحوض المتوسط، بأفلام طويلة وقصيرة وكذا الأفلام الوثائقية، منها من تخضع للمسابقة وأخرى في فقرات موازية ضمن تكريم السينمائيين والسينمائيات، أو كنظرات على سينما في ذاتها، فضلا عن اللقاءات اليومية لمناقشتها إلى جانب الندوة المركزية حيث سيركز المهرجان هذه السنة على “ثورة” تقنية وفي ذات الوقت هي فنية التي خلخلت السينما في عمقها. لكننا نحن مازلنا بعيدين عن مواكبتها في أقطار جنوب البحر الأبيض المتوسط.

“ثورة” لم نلتحق بها ولم نبدأ بعد حتى في استعارتها على الأقل. إنها “ثورة” أخرى إذن ببعد فني سيناقشها المهرجان في صباح اليوم الثاني من انعقاده تخص “السينما في العصر الرقمي” المُنظمة بتعاون مع الخزانة السينمائية بباريس. وتشكل حاليا “الثورة الرقمية” مقياسا لتحديد تطور السينما في بلد ما. ولا يتعلق الأمر فقط بالتصوير وآلاته، بل تلك “الثورة” تتبعها سلسلة متكاملة في صيرورة السينما بما فيها العروض بالقاعات السينمائية، التي تحولت بدورها إلى الرقمي، فساهمت في حل كثير من المشاكل بما فيها إرسال الأفلام والتوصل بها حيث تتم العملية الآن عبر الأقمار الاصطناعية إلى جميع الأقطار المُجهزة بتقنية الرقمي الحديث على طريقة البث التلفزيوني بدرجة عالية من الجودة في الصورة والصوت. ووصلت الدقة العلمية إلى حدود معرفة الموزع الموجود على بعد آلاف الكيلومترات، وعدد العروض لفيلم ما في قاعة معينة، لأن ذلك ارتبط أيضا تقنيا بالحاسوب الذي يخبر بكل عرض على حدة دون أن يتنقل الموزع أو صاحب الفيلم إلى عين المكان، أو إرسال من يقوم مقامه، لأن التقنية العصرية – لما بعد الحداثة – تضبط تفاصيل التعامل بدقة في غاية الدقة العلمية (أليس الحروب التي نتابعها الآن تتم بأجهزة متحكمة عن بعد بمسافات طويلة؟؟؟). وقد سبق لي الحديث عن الموضوع في نص سابق نُشر لي بمجلة موقع الجزيرة الوثائقية حول “موت الشريط” معتمدا على مرجع لكتاب صدر بنفس العنوان في مطلع الألفية الثالثة، عند بداية انتشار السينما الرقمية في عدد من الأقطار المتقدمة تقنيا في مجال السينما.

إعادة الاعتبار السينمائي لتطوان

كما ينظم المهرجان مائدتين مستديرتين، الأولى ستكون محلية محضة، إذ اختارت إدارة المهرجان أن تتجول في المدينة التي تحتضن  المهرجان (تطوان) ونواحيها بقراءة “صورة” هذه المدينة في السينما وكيف تم تناولها وتصويرها. ومن المقرر أن تجمع حولها سينمائيون صوروها أو صوروا فيها – حسب الرؤية السينمائية – أو “اقتنوا” فضاءها لزمن ما. وقد تم الإعلان على الأسماء التالية: فوزي بن السعيدي ومحمد نظيف ومحمد الطريبق وكذا إبن المدينة المخرج محمد إسماعيل بمشاركة بعض النقاد وهم أحمد الفتوح وإدريس الجعيدي ومحمد الشويكة. يُلاحظ إذن الغياب الكلي للأجانب، الذين سبق لهم تصوير أفلامهم بالمدينة ونواحيها، من هذا النقاش الذي كان بالإمكان أن يساهم في تطوير المشهد. لهذا السبب قلت بأن هذه الندوة محلية محضة بمعنى “مغربية – مغربية” وواضحة من عنوانها: “صورة مدينة تطوان ونواحيها في السينما المغربية” بينما العنوان باللغة الفرنسية الذي اختاره المنظمون هو “مدينة تطوان متوسطية بامتياز”.
وهذه الالتفاتة نحو المدينة بمناسبة الدورة الثامنة عشرة (18)، وهي سنة النضج، مست أيضا أحد أبناء المدينة ونواحيها المخرج محمد إسماعيل، الذي يشارك في الندوة طبعا، وسيحظى بالتكريم وفي ذات الوقت افتتاح المهرجان بفيلمه الجديد “الزمان العاقر”، وهو أول عرض له. كما أن الممثلة الرئيسية في الفيلم، الفنانة فرح الفاسي، هي أيضا من المدينة. و تم تصوير الفيلم أيضا بالمدينة لتكتمل الصورة عند انطلاق المهرجان ليكون الافتتاح “تطوانيا” بامتياز.
وفي نفس الإطار، ضمن الاهتمام هذه السنة بالمدينة وفنانيها وفضاءاتها السينمائية، فقد تضمنت فقرة الفيلم الوثائقي فيلما وثائقيا قصيرا يشارك في المسابقة الرسمية بعنوان “الهارب” للمخرج علي الصافي والذي تتبع فيه مسار أحد السياسيين المغاربة، الذي كان ينتمي لليسار الراديكالي، وهو إبن مدينة تطوان، السيد عبد العزيز الطريبق، الذي قضى أزيد من 14 سنة في الاعتقال السياسي، وقبلها سنوات في السرية التامة داخل الوطن. سيُعرض هو أيضا لأول مرة في المغرب. تناوُلٌ ذكي للمخرج الذي جمع في فيلمه بين السياسة في تلك الفترة كما كان يمارسها شباب لم يتجاوز أغلبهم سن المراهقة في مواجهة سياسة رسمية قوية، وفي ذات الوقت النبش في التاريخ الموازي، دون إغفال الفنون خاصة السينما ومجموعة ناس الغيوان، بكل ما تحمل من وعي ساذج بغد أفضل حيث جعل رابطها الأساسي هو بالضبط السيد عبد العزيز الطريبق من خلال حكي هذا الأخير عن معاناته السرية بمدينة الدار البيضاء في أوائل السبعينات.
ولا بأس أيضا أن نغمز بهده المناسبة للسيد أحمد حسني مدير المهرجان الذي سيحتفل بعيد ميلاده عند افتتاح المهرجان (24 مارس)  لنهنئه، خاصة وأنه ارتبط بهذه التظاهرة منذ انطلاقها صحبة رفيق دربه السيد إدريس سكايكة أحد معالم المدينة. 

سوريا في الربيع السينمائي

أما المائدة الثانية فستدور حول “بوادر الربيع في السينما العربية” وهو الموضوع الذي أصبحنا نلتقي به ومعه في كل تظاهرة رحلنا إليها، ليس في الأقطار العربية فحسب بل حتى الأوروبية. وهي ظاهرة تستحق أيضا معالجة خاصة من لدن علماء الاجتماع، بمعنى دراسة هذه المواكبة المكثفة للربيع العربي وكأن الجميع قد فقد أمله في المجتمعات العربية وعلى أن قدرها هو الخنوع فكانت المفاجأة التي صدمت الكثيرين.

                                   احمد الحسني مدير المهرجان ويساره المخرج محمد اسماعيل

وبهذه المناسبة يحيي المهرجان السينما السورية وربما سيعرض بعض الأفلام. كانت هذه السينما حاضرة دائما في المهرجان بأفلام جيدة ومستقلة، يتجاوب معها الجمهور أكثر من الأفلام المصرية. إطلالة على سينما وأفلام ومخرجين مروا من تطوان. 
يتضمن المهرجان كعادته فقرات كثيرة ومتنوعة تمتد طيلة اليوم في عدد من القاعات السينمائية أو التابعة للمعاهد الثقافية فضلا عن المدرسة العليا للفنون الجميلة التي تتحول إلى نقطة إلتقاء للمهرجان. عروض أفلام، تكريم خمس أسماء سينمائية من ممثلين ومخرجين،
ويشارك المهرجان أيضا في برنامج ” 14,4 كلم” الذي يسعى للتعاون والتبادل السينمائي بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط بعرض أربعة أفلام يجمعها الإنتاج المشترك بإعطائها فرصة العرض والمشاهدة وهي: “حتى المطر” (إسبانيا/فرنسا) و”قداش تحبني” (الجزائر/المغرب) و”كل يوم عيد” (لبنان/فرنسا/ألماني) و”مشاريع للغد” (إسبانيا). وتُقام هذه العروض بالاشتراك مع الخزانة السينمائية بطنجة  ومعهد ثيرفانتيس بطنجة وتطوان حيث ستُعرض الأفلام فيها أيضا. ونشير إلى أن “14,4 كلم” هي المسافة الفاصلة بين القارتين الإفريقية والأوروبية عند مضيق جبل طارق، بين طنجة في المغرب وطريفة في إسبانيا، إنها أقرب مسافة في حوض المتوسط. 


إعلان