سيرة بيل وهيلاري كلينتون في “تجربة امريكية”
في صورة شهيره التقطت في عام 1963، يحيط مجموعة من طلبة مدارس الرئيس الامريكي الراحل جون كنيدي، الذي يصافح صبيا منهم لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر بشعر أشقر ووجه عريض. الصبي هذا، سيحكم الولايات المتحدة الامريكية، وسيحول الزمن بأحداثه وتبدلاته ويجعل الصورة ذاتها إيقونة، ليس فقط عن الرمز الذي سيمثله الرئيس كيندي لأجيال قادمة من الأمريكيين، لكن أيضا بسبب التفاؤل العابر الذي حملته تلك السنوات القليلة فقط من عمر الولايات المتحدة الامريكية، عندما انطلقت الاحلام بتغيير امريكيا، واعادة تلك الهوية الفريدة للبلد الجديد المتسامح، والتي ضاعت، وربما للابد، في فترة ما بين الحربين العالمتين.
ذلك الصبي الامريكي في الصورة هو بيل كلينتون، والذي تخصص له السلسلة التسجيلية الامريكية الشهيرة ( تجربة امريكية) اربع ساعات كاملة، لعرض سيرته، من ولادته، وحتى نهاية فترة رئاسته الثانية في عام 2001. أما السنوات الملهمة القليلة من عمر الولايات المتحدة الامريكية، فهي ستبدأ مع بداية صعود السياسي الشاب جون اف كينيدي في نهاية الخمسينات، وتنتهي بمقتله الفاجع في الحادثة الشهيرة في عام 1963، لكنها، اي تلك السنوات، لن تتوقف عن تكون المثال الاول، وربما الوحيد، الذي سيبحث بيل كلينتون في ثناياه عن العزيمة لمواجهة الازمات السياسية العاصفة التي لم تتوقف طوال حياته السياسية كلها، بل ان خصومه السياسين من كل الجهات، تركز هجومهم الأول، بعد فوزه بفترة رئاسته الأولى عام 1993، على التشكيك بقدرة هذا الرجل “الأخرق”، المنتمي بأفكاره الى عقد الستينات المتحرر، لحكم بلد محافظ مثل الولايات المتحدة الامريكية.
يهتم النصف الاول من سلسلة ( تجربة أمريكية: كلينتون)، بسنوات صعود كلينتون، كسياسي شاب، عرف في سن مبكرة جدا بأن السياسية هي الطريق الذي سيسلكه في حياته. فيعرض ذلك الجزء، مشاهد أرشيفية عديدة، لكلينتون والذي كان يعمل بجد حقا، للتقرب من الطبقات العمالية الأمريكية. لكنه، وعلى خلاف كثير من السياسيين الآخريين، سيجذب انتباه الاعلام الامريكي، لصدقه الواضح في التعامل مع الذين يقابلهم. فالسلسلة تعرض فيلما مصورا لكيلنتون وهو يبكي مع سيدة امريكية، تواجه صعوبات مالية جمة لتسديد ثمن الادوية التي تحتاجها لمرضها.
في مقابل صعوده الشعبي السريع، يبدأ الجانب القاتم من حياة كلينتون الشخصية، بالتكشف أيضا. فالإعلام يغري أمريكيات ارتبطن بعلاقات جنسية مع كلينتون المتزوج وقتها، للحديث عن تلك العلاقات، وهو الكابوس الذي سيطارده سنوات حياته العامة جميعها، بل إن إحدى تلك العلاقات، تكاد تفجر أزمة هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية الحديث، عندما يعترف الرئيس كلينتون بعلاقته مع المتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي، في الحادثة المعروفة، والتي ستخصص لها السلسلة التسجيلية كثيرا من الوقت، مستعيدة مشاهد أرشيفية من تلك الأشهر الصعبة، معظمها تم عرضه مرارا على الشاشات.
هيلاري كلينتون

لا يمكن الحديث عن بيل كلينتون دون التوقف عند الدور الذي لعبته زوجته هيلاري في حياته السياسية كلها، فهذه السيدة الشديدة الطموح والذكاء، والتي تركت وظيفة ممتازة كمحامية شابة في واشنطن في بدايات السبعينات، لتتزوج بيل كلينتون،السياسي المبتدئ وقتها، والذي لم يكن يملك الكثير سوى طموحه، ستلعب الدور الأهم في حياته، ويمكن الجزم، إنه لولا مساعدتها، لم يكن لكلينتون أن يصمد أمام قسوة الفشل الذي رافق سنوات حياته السياسية الأولى. هي لم تكن زوجة وفية تطل في المناسبات العامة مبتسمة للكاميرات كما تفعل معظم زوجات السياسين، بل ستكرس سنوات طويلة للعمل الفعلي لإنجاز طموح زوجها، فالفيلم يقدم مشاهد أرشيفية لها أيضا، عندما قامت لسنوات عديدة بدعم حملات زوجها السياسية بشرح برنامجه الانتخابي الذي يخص التعليم والصحة، والذي قامت بكتابة معظمه أيضا.
يمكن الآن، وبعد ان شاهدنا هيلاري نفسها، تخوض في السنوات الاخيرة غمار السياسية، وتتقلد حاليا منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، ان نعتبر أن حلم بيل كلينتون السياسي، لم يكن خاصته فقط، بل كان حلمها ايضا، وان جذور هذا الحلم تعود ايضا الى عقد الستينات الملهم نفسه.
يفشل كلا الزوجين بتحقيق إنجاز يرقى إلى مستوى طموحهما، فهو يعجز ان يقنع الامريكيين بجعل التأمين الصحي مكفولا لكل الأمريكيين على اختلاف ما يملكون من أموال، وهي تفشل في خطة كبيرة لتحسين المدارس الرسمية الحكومية، لم يتحقق منها الا القليل، كذلك خسرت هيلاري السباق في حزبها للتنافس على الرئاسة الامريكية لباراك اوباما، لكن بدل ان تنسحب الى الظل، اختارت منصب وزيرة الخارجية الامريكية الذي عرض عليها، فيما يوزع بيل كلينتون وقته على عشرات المشاريع الخيرية حول العالم، ويسهر للاعتناء بزوجته، وكما يمزح دائما، ليرد لها ما فعلته له لسنوات طويلة.
عصر الصورة.
تستعيد السلسلة ارشيفا من الصور عمره يقارب الاربعين عاما لكلينتون وحياته السياسية، والارشيف هذا، هو الذي سيكون عماد السلسلة مع تعليق صوتي وموسيقى في الخلفية احيانا. ورغم ان السلسلة تقدم ايضا مقابلات محدودة مع الذين رافقوا هيلاري وبيل في فترات من حياتهم، لكن المشاهد الصورية، سواء تلك التي سجلتها محطات تلفزيونية، او الصور الفوتغرافية الرائعة، التي التقطتها مصوريين، ستكون كافية بقدر كبير لتتبع حياة الزوجين، وما مرت بها من مسرات وأوقات عصيبة أيضا.
تحظى السلسلة ومنذ عرضها الاولى على شاشة قناة ” PBS ” الامريكية الحكومية قبل اسابيع قليلة، باهتمام أوروبي خاص، فهي عرضت في بضعة دول اوربية، ونالت اهتماما من الصحافة الأوربية وبرامج الأخبار والتحقيقيات التلفزيونية، وهو الاهتمام الذي يشير الى تلهف الاوربيين الى أفلام تسجيلية جادة قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت وحتى منتصف السبعينات من القرن الماضي، تقوم بإنتاج العديد من البرامج التسجيلية الاستقصائية التي أثرت في تطور التلفزيون حول العالم، قبل أن يتغير التلفزيون الأمريكي، ويتجه الى الترفيه والسرعة في نقل الخبر، لتبقى قنوات قليلة فقط، ومنها القناة الحكومية الامريكية تلك، على الجدية نفسها في نبش تاريخ بلدها، وشخصياته الكبار.