على أسطوانات : “تايتانك” في أفلام عدّة
محمد رُضا
خروج «تايتانك» لجيمس كاميرون على الشاشات الكبيرة هذه الأيام، مُصاحب لمناسبة مرور 100 سنة على حدوث الكارثة المعروفة حين غرقت الباخرة التي قيل أن لا شيء يغرقها وذلك في الخامس عشر من نيسان/ أبريل سنة 1912.
وهو إن لم يحط في المركز الأول بين الأفلام الأكثر رواجاً في الولايات المتحدة (حيث احتل المركز الثالث) الا أنه سجل الأسبقية في كل من الصين والنمسا والبحرين وايطاليا وصربيا وبريطانيا ثم المراكز الثانية والثالثة في معظم الدول الأخرى مثل أسبانيا وبوسنيا وتايلاند والمجر واليونان.
فيلم كاميرون الذي أنجزه قبل خمسة عشر سنة حمل إلى مشاهديه الذين تحلّقوا حوله آنذاك دراما ضخمة في عناصرها الفنية والإنتاجية. في الوقت ذاته، هو فيلم كبير حول كارثة سمع بعض الناس عنها ولم يروها أما البعض الآخر فكان غريباً عنها على نحو كامل. هذا الفضول الموشّم بحكاية رومانسية تقع على سطح الباخرة قبل غرقها، وتنتهي بحالة فداء مثالية بعد ذلك يغرق فيها العاشق (ليوناردو ديكابريو) بعدما أنقذ من أحب (كيت وينزلت) أنجزت بليون و800 مليون دولار سنة 1997: الرقم الأعلى لفيلم واحد في التاريخ إلى الآن.
لكن “تايتانك” لم يكن الفيلم الأول حول تلك الكارثة وعودته الآن إلى صالات السينما معزز بتقنية الأبعاد الثلاثة إنما تؤكد نوعيّته المبهرة لكنها لا تجعله سبّاقاً بين الأفلام المتعددة التي تم إنتاجها حول الباخرة المذكورة من العام 1912 إلى اليوم.
في مطلع الفيلم، بعد مشاهد اكتشاف بقايا غارقة من السفينة، تتحدّث امرأة عجوز من الناجين، أسمها روز عن تجربتها كونها واحدة من آخر من نجوا من الكارثة. لعبتها غلوريا ستيوارت، وهي ممثلة ظهرت من العام 1932 في 55 فيلماً. ظهرت مثلاً في دور الملكة آن في فيلم ألان دوان «الفرسان الثلاثة» (1939) ثم توقّفت عن الظهر في منتصف الأربعينات لتعود سنة 1982 في فيلم لرتشارد بنجامين عنوانه «سنتي المفضّـلة» ثم غابت مجدداً حتى العام 1997 حين أعادها جيمس كاميرون أمام الكاميرا. حين توفيت في السادس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2010 ?كانت بلغت مئة سنة من العمر?
هناك ما هو مماثل في تداعياته إذا ما سعى المرء لمشاهدة النسخ السابقة عن تلك الحادثة. ففيلم كاميرون لم يكن الأول بين الأعمال السينمائية التي تعرّضت للكارثة. ففي العام 1912، أي العام نفسه الذي غرقت فيه الباخرة، قامت الفرنسية إتيان أمور بتحقيق فيلم أميركي (قصير حسب معظم المنتج في تلك الأيام) بعنوان Saved From the Titanic من بطولة دوروثي براون، التي كانت ممثلة كوميدية صامتة وكانت على متن تلك الباخرة حين غرقت واستطاعت البقاء حيّة مع والدتها بعدما استقلّـتا أحد القوارب (حسب مجلة “موفينغ بيكتشر وورلد: القارب رقم 7). الفيلم عُرض بعد نحو شهر واحد من غرق السفينة وكان حدثاً صغيراً- كبيراً في حينه.

تايتانك- الباخرة ظهرت في أفلام أخرى من بينها، وبل أهمّها، نسخة ألمانية سنة 1943 تحت عنوان «تايتانك».
الحكاية وراء هذا الفيلم لا تقل إثارة عما يرويه الفيلم نفسه.
المخرج أسمه هربرت سلبن وهو أنجز، تحت أنظار الغاستابو، نسخة بارعة وجادّة عن الكارثة لم يُعجب بها جوزف غوبلز لكونها صوّرت حجماً كبيراً من الضحايا الأبرياء ما قد يذكّـر الألمان بالضحايا الذين كانوا يتساقطون في الحرب الدائرة. في العام 1942 قبضت الغاستابو على سلبن (الذي كان سبق له وحقق 32 فيلماً من قبل بدءاً من 1926) وسجنته متّهمة إياه بتحقيق فيلم يُثير للمشاعر. نتيجة ذلك أن المخرج شنق نفسه في الزنزانة، وأكمل باقي المشاهد مخرج آخر هو فرنر كلينجلر. غارة جويّـة للحلفاء على برلين دمّـرت إحدى النسخ التي كان منتظر عرضها في حفل افتتاح الفيلم. بعد ذلك منع غوبلز الفيلم بأكمله. بعد تحرير ألمانيا تم توزيع إكتشاف الفيلم لكنه لم يحظ بحضور ملائم على الشاشات الكبيرة بعد اليوم.
معالجة سلبن لحادثة تايتانك كانت منتقدة لغياب النظام على الباخرة وتجاهل القوانين والقدرة على ضبط الوضع خلال المحنة. لكن الفيلم يغفل عن الإحساس بالإنسان فوق الباخرة. بالركاب ومأساتهم ويحوّل المسألة كلها إلى مشاهد متوالية تظهر فداحة الحدث لكنها لا تتعامل مع الدراميات الصغيرة التي توفّرها الشخصيات المختلفة.
بين النسخ الأخرى (نحو عشرة) واحدة قام بإخراجها جين نيغولسكو، وهو مخرج من رومانيا حقق غالبية أفلامه الروائية الطويلة أميركياً، سنة 1953. ومن المفارقات أن مفتاح القصّـة، كما نسخة جيمس كاميرون، هي أيضاً عاطفية، لكن عوض تناول حكاية حب بين إمرأة أرستقراطية متزوّجة وشاب فقير، قدّم حكاية زوجين أرستقراطيين استقلا الباخرة وولديهما الصغيرين. الزوجان عملياً منفصلين لا يجمعهما سوى حبّهما لولديهما. حين تقع الكارثة يتغيّر الوضع تماماً ويعلو الفداء عوض الأنانية.
«تايتانك» كاميرون ليس الوحيد الذي عرض بمناسبة مرور مئة سنة على الكارثة. مع مطلع هذا الشهر تم إطلاق «ليلة للذكرى» A Night to Remember وهو فيلم بريطاني أخرجه روي بايكر سنة 1958 من بطولة كينيث مور ورونالد ألن وأونور بلاكمان. بالنسبة إليّ كان الجاذب الأول هو إسم الكاتب: إريك رامبلر، إذ هو مؤلّف روايات بوليسية وجاسوسية نقلت السينما عن أعماله نحو خمسة عشر فيلماً. فيلم بايكر وضع القصّـة والأحداث كما تتابعت ومن دون تدخّـل في سياقها أوّلاً. لكن هذا لم يمنعه من التركيز على الفوارق الطبقية التي تسببت في سقوط العديد من الضحايا من بين المسافرين الذين كانوا استأجروا الكابينات السفلى من الباخرة وهي حقيقة عاد إليها كاميرون أيضاً في معالجته.