ليالي السينما المغربية في عمان

رانية حداد
تمكنت السينما المغربية في السنوات الأخيرة من الحفاظ على حجم إنتاج جيد نسبيا، ساهمت الجودة الفنية لبعض الأفلام المنتجة في لفت الانتباه للسينما المغربية، وانتزاع موطئ قدم لها على الساحة السينمائية العربية، لكن هذا العالم السينمائي غير مكتشف بما يكفي للكثير من الدول العربية من بينها الأردن، ومن هنا تكتسب ليالي السينما المغربية في عمان – وأي تظاهرة مشابهة-  قيمة خاصة، بما يمكن أن تقدم للمشاهد الأردني والمهتم بعض من ملامح هذه السينما، الليالي هذه أقامتها مؤخرا مؤسسة عبدالحميد شومان، بالتعاون مع السفارة المغربية، والمركز الوطني للسينما، ومركز الحسين الثقافي.
خمس ليالي حملت في طياتها أفلاما حديثة الإنتاج، كان التمرد عنوانا لبعضها؛ ففي “اندرومان …من دم وفحم” للمخرج عز العرب العلوي 2011، تتمرد اندرومان على الثقافة الذكورية، وتعلن أنوثتها التي طمسها والدها عقدين من الزمان، حيث أوهم أبناء قريته بأنها ذكر كي لا يفقد نصيبه من أراضي القبيلة، أما في “الوتر الخامس” للمخرجة سلمى بركاش 2010، فطموح مالك عازف العود الشاب، ورغبته بأن لا يكون سوى نفسه، قادته إلى التمرد على أستاذه والخروج من جلبابه.

                                  من فيلم اندرومان

وهو على نحو اخر صراع بين الحديث والقديم، مع “خربوشة” للمخرج حميد الزوغي 2008، حكاية مختلفة للتمرد، فخربوشة مناضلة مغربية من القرن التاسع عشر، قاومت الاستعمار بطريقتها الخاصة، من خلال أشعارها وغنائها، مما جعلها تدفع حياتها ثمنا لنضالها، أما مع أفلام داوود ولاد السيد فثمة عناوين ومضامين مغايرة، فـ “في انتظار بازوليني” 2007، كما في انتظار غودو، يواصل الإنسان البائس انتظار المخلص الذي لا يأتي، يواصل إدمان الأمل في سبيل حياة أفضل، أما فيلم “الجامع” 2010، فرحلة في ذهنية الإنسان، التي تميل غاليا إلى نسج هالة مقدسة حول الأشياء، حتى لو كان هذا الشيء مجرد ديكور لجامع، استخدمه المخرج ولاد السيد في فيلمه السابق “في انتظار بازوليني”، ليصبح هذا الديكور هيكلا مقدسا عصيا على الهدم. 

هوية البيئة المغربية كانت حاضرة بكل ثقلها في مختلف الأفلام المعروضة على تنوعها، لكن هذا الحضور الجميل للمكان، ومعه الصورة الجذابة بألوانها وتكويناتها، لم يستطع وحده أن يصنع من بعض الأفلام المعروضة أفلاما جيدة، وجاء بعضها مخيبا، فمثلا منذ البداية الأولى لـ “اندرومان …من دم وفحم” بدا واضحا أن المخرج يجنح بإيقاع مونتاجه السريع، وبالموسيقى ومؤثراته الصوتية نحو الأسلوب الهوليوودي، البعيد عن بيئة وايقاع المكان، والبعيد عن منح المشاهد فرصة التأمل، إنما كان جل اهتمامه ينصب نحو خلق الاحساس بالاثارة، وتوظيف مختلف العناصر السينمائية لاذكاء حالة من التعاطف مع البطلة.

في “الوتر الخامس” لم نرَ معالجة مختلفة أو جديدة لموضوع استهلكته السينما علاوة على الأداء المتكلف والذي لا يخرج عن إطار “الكليشيه” في أساليب الأداء، لكن أفلام داوود ولاد السيد كانت تقف على ضفة مغايرة شكلا ومضمونا، كانت تنهل بعناصرها السينمائية وبنائها وشخوصها من بساطة البيئة التي تعكسها، بساطة التي لا تخلو من عمق، وبعيدة عن التكلف. 
    
تواصل لم تكتمل أركانه
كان الجمهور على موعد مع فيلم “النهاية” للمخرج هشام لعسري، إلا أن أسبابا تقنية حالت دون عرضه، فاستبدل بفيلم “في انتظار بازوليني”، ورغم الجهد المبذول من الأطراف القائمة على هكذا تظاهرات، من أجل مد جسور التواصل مع الجمهور، إلا أن الجمهور الأردني يُؤثر أن يبقى مخيبا في حضوره واهتمامه، بذلك يفقد التواصل ركن من أهم أركانه.


إعلان