“الشاي أم الكهرباء”.. كيف استقبل فقراء قرية “إيفري” الكهرباء؟
“كان المشهد في غاية التناقض .. عالمان متعاكسان .. عالم الظلمة والعمل اليدوي وثقل الماضي والتقاليد.. وعالم الحاضر والنور والآلة والسرعة والعولمة.. ما أردت تصويره هو دخول الكهرباء إلى هذه القرية الصغيرة المعزولة في جبال الأطلس..”
هكذا علق المخرج البلجيكي جيروم لومار على فيلمه الجديد “الشاي أو الكهرباء”. وهو فيلم وثائقي طويل يحكي قصة قرية مغربية تقع في قمم جبال الأطلس لم تصلها الكهرباء إلا حديثا. فمنذ ثلاث سنوات بدأ مشروع لتوصيل النور الكهربائي إلى أرياف الأطلس النائية. وخلال هذه السنوات الثلاثة تابع جيروم عملية دخول الكهرباء وتقبله من قبل السكان.
لقد تم اكتشاف الكهرباء منذ قرن ونصف ثم دخلت البيوت منذ قرن وغيّرت حياة البشر . ولكن مازالت أصقاع من الأرض لم تر النور بعد. في فيلمنا وخلال الثلاث سنوات كان المخرج يتابع انتشار النور فوق الأسطح ثم انتشار الأطباق فوق المنازل لالتقاط الفضائيات. أخيرا قرية “إيفري” تسلك طريقها نحو الحداثة. هذه القرية التي تضم 35 منزلا لـ 35 عائلة تقع في سفح جبلي لا تغادره الثلوج إلا قليلا.
اختياره للقرية هو اختيار جمالي يعطي للكاميرا حرية التجول في المشهد وولكن لسبب حضاري أياض متعلق ببيئة القرية وثقافتها.

فدخول الكهرباء إلى القرية سيخلط أوراق شكل التوازنات داخل هذه المجموعة البشرية الصغيرة وسيصنع فرزا اجتماعيا جديدا. فهناك مجموعات تقاسمت الهيمنة على مصالح السكان لزمن طويل. فهناك من بيده الماء والسقاية وهناك من بيده تأمين الطريق وكل ذلك بمقابل. الكهرباء كوافد حيوي جديد سينتج مهيمنين جددا على هذا العنصر الحياتي الذي لن يقل قيمة على الماء والطريق. علما وأن جزءا من تكاليف إدخال الكهرباء تتحمله العائلات (2500 درهم أي حوالي 300 دولار) هذا علاوة على شراء التلفزيون و”الدش” والتوصيلات. مما سيجعل من الأثرياء فقط قادرين على الانفتاح على العالم قبل غيرهم.
من جهة الشخصيات أحسن المخرج اختيار شخصياته حيث لم يدخر جهدا في التقرب لسكان القرية كي يكسب ثقتهم. فركز مثلا على عائلة بن حدو باعتبارها الأفقر وعائلة مسعودي باعتبارها الأغنى. هذا إضافة إلى الجدل الذي حصل رفضا وقبولا للكهرباء. فحضرت شخصية “الشيباني” أو الشيخ العجوز الرافض قطعيا للكهرباء وشخصية مؤدب الصبيان الذي دخل في الجدل وكانت مشكلته مع ما يُبث على الشاشة. من ناحية أخرى التقنيون العاملون على التوصيل. وهذا ما صنع جدلا بين الشخصيات وخاصة في مستوى الانتظارات ما قبل وصول الكهرباء ثم أثناء تقبلها وما بعد توصيلها.

أما عنوان الفيلم فوراءه حكاية طريفة من حكايات القرية. مفادها أن أحد العجائز متعود على شرب الشاي في بيت جاره وفي يوم من الأيام وبعد غياب طويل للعجوز عن مجلس الشاي. وبمجرد طرق الباب ليدخل بادره جاره بسؤال غريب : هل تريد الشاي ام الكهرباء ؟؟ فتعجب العجوز. فكرر له السؤال. فقال : الكهرباء.. فضغط جاره على مفتاح النور فأضاء المصباح الغرفة. حينها أصيب العجوز بالذهول وغادر فورا فلم يشرب الشاي ولم يفهم الكهرباء.

لقد عمقت إقامة المخرج في القرية رؤيته الفنية والفكرية للفيلم حيث أقامه على ثنائية النور والظلمة والماضي والحاضر والتقليد والحداثة. مما جعل من الفيلم سؤالا ثقافيا وفكريا مفتوحا على عدة إإشكاليات تعيشها دول العالم الثالث في عصر العولمة. فهل بإمكان الكهرباء التي أدخلت التلفزيون والآلات الحديثة والاتصال والفضائيات إلى هذه القرية .. هل بإمكانها أن تسرّع وتيرة تطور هذا المجتمع القروي وتجعله جزءا من عالم معولم ؟؟؟ هذا إضافة إلى سؤال التنمية في المجتمعات النامية وتأخرها لعقود..؟؟
تحصل هذا الفيلم أخيرا على الجائزة الكبرى وجائزة الجمهور في مهرجان أغادير الوثائقي ويشارك في عدة مهرجانات عربية ودولية.