بانوراما سينمات المغرب، والشرق الأوسط

صلاح سرميني ـ سان دوني(فرنسا)
خلال الفترة من 9 وحتى 13 مايو 2012 تحتفي بعض الصالات الباريسية، والمنطقة الإدارية “سين سان دوني” المُحاذية للعاصمة، الدورة السابعة لـ “بانوراما سينمات المغرب، والشرق الأوسط”، وهي تظاهرةٌ سنويةُ بدون جوائز.
سوف يكون الافتتاح مصرياً مع فيلم 678 (نساء الأوتوبيس) لمخرجه “محمد دياب” المُزمع عرضه تجارياً في فرنسا بدءاً من 30 مايو .
يتطرّق الفيلم إلى ظاهرة التحرّش الجنسي الذي تتعرض له النساء في الأماكن العامة، ويحكي عن ثلاثةٍ كلّ واحدةٍ منهن تعيش حياةً مختلفةً عن الأخرى، ومع ذلك يتشاركن في المعاناة، ويجتمعن للتصدي لهذا العنف الجسديّ، والمعنويّ بأيّ طريقةٍ ممكنة.
ويتضمّن برنامج 2012 حوالي 30 فيلماً طويلاً، وقصيراً، روائياً، وتسجيلياً تُعرض للمرة الأولى في فرنسا.
وتشمل “البانوراما” نشاطاتٍ أخرى :
ـ طاولة مستديرة أولى تناقش موضوعاً بعنوان “حرب الجزائر، ذاكرة، وسينما”، وتُنشطها “سعدية صايغي” بحضور كلٍّ من رينيه فوتييّه، فاروق بلوفة، مالك بن إسماعيل، ألكسندرا دولز، وفي هذه المناسبة، تعرض “البانوراما” فيلم “أن يكون عمرك عشرون عاماً في الأوراس”، و”الجزائر الملتهبة” للمخرج “رينيه فوتييّه”، “حروب سرية لجبهة التحرير الشعبية” لمخرجه “مالك بن إسماعيل”، “وقائع سنوات الجمر” لمخرجه “محمد الأخضر حامينا”، و”مجاهدات” لمخرجته “ألكسندرا دولز”.
ـ طاولة مستديرة ثانية تهتمّ بتونس بعد الثورة، وهي دعوةُ من جمعية المخرجين الفرنسيين (SRF) لبعض زملائهم التونسيين للشهادة على يومياتهم كمواطنين سينمائيين، يُنشطها “بوريس سبير”ـ مدير الصالة التي تستقبل البانوراما ـ بمُشاركة كلٍّ من مراد بن شيخ، فتحي دوغري، الأسعد وسلاتي، شانتال ريشار، سيريل سيسو، وتعرض البانوراما “لا خوف بعد اليوم” لمراد بن شيخ، و”نحن هنا” لعبد الله يحيى.
ـ برنامج خاصّ بالجمعية الجزائرية “كاينا سينما”، وآخرٌ تقترحه “سينماتك طنجة”.
ـ تكريم المخرج المصري “يوسف شاهين”.
ـ عروض للشباب، الأطفال، العائلات، وتلامذة المدارس، وتُقدم لهم البانوراما فيلم “قديش تحبني” لمخرجته “فاطمة الزهراء زموم”، و”حرامي بغداد” لمخرجه “ميشيل بوويل”.

                                            من فيلم حبيبي

ـ لقاءاتٌ إحترافية.
ـ حفلات موسيقية، وجلساتٌ أدبية.
وبمُناسبة هذه الدورة، تستقطب التظاهرة أماكن عرض جديدة، وبينما كانت العروض تنحصر في صالةٍ واحدة لمدينة “سن دوني”، سوف تستقبلها بعض الصالات الباريسية، والمنطقة الإدارية “سين سان دوني”.
كما تُوسّع من جغرافيّتها السينمائية، وتبدأ باستقبال أفلاماً عربية قادمة من الشرق الأوسط، وهي، سينمائياً، خطوةٌ إيجابيةٌ لصالح السينما، والسينمائييّن، ولكنها، سياسياً، تُثير التساؤلات، وتجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأنها تتضمّن أجندةً خفيةً/ظاهرةً تحققها، بقصدٍ، أو بدونه، بعض المهرجانات السينمائية الأوروبية المُهتمّة بالسينما العربية بهدف تكريس مفاهيم جغرافية، وسياسية تتوافق بدايةً مع أفكار المُنشطين أنفسهم، ورغباتهم، والأهمّ، مع الخطط الغربية البعيدة المدى لزعزعة المنطقة… سينمائياً، ولاحقاً، تدمير العناصر المُشتركة التي تجمع السينمات العربية سعياً إلى تحقيق مشروع خبيث يهدف إلى تشظية هذه المساحة الجغرافية الشاسعة التي نعيش فيها، ونُسميها افتخارا “وطناً عربياً”، وتحويلها إلى دويلاتٍ، وكياناتٍ تستورد خلافاتٍ مفتعلة، وتناضل من أجلها، وما يحدث حالياً ليس بعيداً عن هذا الاعتقاد.
يمكن فهم الاعتبارات الاحترافية التي كان يُعلنها “كمال المحوطي” ـ المدير الفني للبانوراما ـ، عندما بدأ بالسينمات المغاربية تيمةً أولى، وعلاقته الثقافية مع البلد الذي جاء منه إلى فرنسا، ولكن، إذا اعتبرنا الدورات السابقة تمهيدية لتوسيع الجغرافيا السينمائية، وهذا من حقه، فإنه من حقنا أيضاً التساؤل عن هذا الفصل الحادّ، والمُثير للريبة بين سينماتٍ من المُفترض بأنها “عربية”، وينطق القليل منها بلغاتٍ أخرى، وتحديدها في جغرافيا غريبة (مغرب، وشرق أوسط) .
إذا كان المقصود بالسينمات المغاربية كلٍّ من : المغرب، موريتانيا، الجزائر، تونس، ليبيا، أتمنى بأن نتعرّف على معنى محدد لسينمات الشرق الأوسط.
من خلال المُتابعة الفعلية، والنظرية لمثل هذه التظاهرات، والمهرجانات، نستشعر دائماً رغبةً، حاليةً، أو مؤجلة، بإشراك إسرائيل في البرمجة عن طريق أفلامٍ يُقال عنها مناصرة للقضية الفلسطينية (شخصياً، لم أقتنع بعد بسينمائيٍّ إسرائيليّ يعيش في وسط أرضٍ مغتصبة، ويدّعي بأنه يقدم أفلاماً تُناصر حقوق الفلسطينيين).
عادةً، تنطلق هذه الرغبات من “نوايا حسنة” تسعى إلى التقارب، المُصالحة، والسلام بين الأطراف المتصارعة، وفي مثل هذه الحالات، لا تجد المؤسّسات الأوروبية الداعمة أفضل من منشطين عرب، أو من أصولٍ عربية (وغير عربية) لتنفيذ هذه المبادرات السينمائية المُحشوّة بأجنداتٍ سياسية تتخطى طموحاتهم المُعلنة، والدراسة المُتفحصة لمسيرة بعضها تؤكد هذه التوجهات، والمثال الأكثر خبثاً، عبثاً، وخطورةً، عرض فيلم إسرائيليّ في مسابقة إحدى الدورات السابقة لمهرجان السينما العربية في فاميك/فرنسا، والأطراف، حصوله على جائزة الصحافة المحلية).
وقد عرفت أوروبا دزينةً من المبادرات السينمائية اهتمت حصراً بسينمات المغرب، وهي بهذا التوّجه، تؤسّس، بوعيٍّ، أو بدونه، قطيعةً مع سينمات المشرق العربي.
وهو جوهر الخلاف الذي تتوقف عنده السياسة الغربية، تُغذيه، وتستغله في تحقيق مشاريعها، هي التي، كما نعرف، تسعى إلى جذب بلدانٍ أخرى كي تنضم إلى “المجموعة الأوروبية” على الرغم من اختلاف اللغات، والديانات، بينما، بدورنا، لم نفهم بعد إيجابيات التعايش المُشترك، وتلاقي ثقافاتنا المتقاربة، وهنا، لا أفهم أن يتفاخر أحدنا بجنسيةٍ مزدوجة، عربية، وفرنسية مثلاً، ويمتعض من نفس الفكرة في بلدٍ عربيّ.

                                                        من ملصق فيلم لص بغداد

من جهةٍ أخرى، كان المنشطون المشرقيون أكثر تواضعاً، حيث لم نسمع حتى اليوم عن مبادرةٍ سينمائية “مشرقية”  خالصة، ولا حتى “شرق أوسطية” انعقدت في أوروبا (هناك المهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف بإدارة الجزائري “الطاهر حوشي”).
وفي حالة “بانوراما سينمات المغرب، والشرق الأوسط”، ماهي سينمات الشرق الأوسط ؟
هل المقصود بها تلك الأفلام التي تُنتجها : مصر، سورية، لبنان، السودان، العراق، الأردن، اليمن، دول الخليج،..؟
وفي هذه الحالة، لماذا لم تتخير “البانوراما” عنواناً جامعاً، وتصبح “بانوراما السينما العربية”، ولماذا تنزع التظاهرة عن هذه السينمات “عروبتها”، أو “عربيّتها” ؟
إلاّ إذا كان المقصود الآنيّ، والمستقبليّ كلّ “سينمات الشرق الأوسط” بما فيها إسرائيل، إيران، تركيا، ويمكن أن تمتدّ إلى بلدانٍ أخرى،….
هل تخيّرت “البانوراما” فصلاً بين المغرب، والمشرق، وتحاشت جمعها في إطار “السينما العربية” كي تمنح الاعتبار للسينما الأمازيغية ؟
والسؤال الآن :
ـ هل هناك “سينما أمازيغية” حقاً، أم أفلاماً مغربية، وجزائرية ناطقة بالأمازيغية، أو لهجاتٍ محلية أخرى ؟
ويمكن أن نطرح نفس السؤال بطريقة مختلفة أكثر جدليةً :
ـ هل هناك “سينما كردية”، أم أفلاماً عراقية، تركية، إيرانية، سورية ناطقة باللغة الكردية ؟
وأدعي، بأنّ التأكيد على وجود “سينما كردية” يتضمّن خطورةً مستقبلية على المنطقة بأكملها تتوافق تماماً مع مفهوم الشرق الأوسط،.. والكبير أيضاً.
ويبدو بأننا نقسو كثيراً على أنفسنا إلى حدّ الخصام، والاقتتال، وننسى بأنّ سينمات بلدانٍ أخرى تتقاطع فيها اللغات، والثقافات المختلفة بمنطق التعايش الإيجابي بدون الإحساس بالنقص من الأقلية، أو العظمة من الأكثرية، وأفضل مثالٍ السينما في بلجيكا، سويسرا، والمملكة المتحدة، والمثال الأعظم الذي يجب أن لا ننساه، هو السينما الهندية المُنتجة بعشرات اللغات المحلية، ومع ذلك، لم أسمع في حياتي مبادرة واحدة تفصل بينها على الرغم من الاختلافات الواضحة بين أفلام ولاية، وأخرى.


إعلان