صالح بن يوسف.. في قصر قرطاج
تم الأسبوع الماضي عرض فيلم “صالح بن يوسف… جريمة دولة؟” بقصر قرطاج بحضور السيد محمد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية المؤقت مرفوقا بالسيد أحمد محفوظ، مدير قناة الجزيرة الوثائقية إلى جانب عدد من أفراد عائلة صالح بن يوسف وعديد الشخصيات السياسية والمناضلين اليوسفيين وثلة من الاساتذة المختصين في تاريخ تونس المعاصر وجمع من الإعلاميين.
على اثر عرض الفيلم ألقى رئيس الجمهورية التونسية، الدكتور المنصف المرزوقي كلمة في الحاضرين مذكرا بأهمية الحركة الوطنية اليوسفية و شرعية قضيتهم وأشار إلى أن هذا الفيلم الوثائقي قد أعاد لمخيلته “مأساة انقسام التونسيين ومعاناة اليوسفيين”. خاصة وأن عائلة الرئيس التونسي تعتبر من ضحايا ذلك الصراع اليوسفي البورقيبي حيث تشرد والده وتوفي في النهاية في المغرب. وقد استذكر المرزوقي معاناته الشخصية من خلال الحديث عن حقبة من التاريخ بات على الشعب التونسي معرفة حقيقتها وتحميل المسؤوليات لمن ساهم في مأساة جزء لا يستهان به من الشعب قبل المصالحة وغلق هذا الملف.
أكد في هذا الصدد أن عرض الفيلم بقصر قرطاج هو بمثابة “رد الاعتبار لكل من كابد سنوات الجمر ولكن ليس من باب الثأر بل لغاية معرفة الحقيقة التي تبقى السبيل الوحيد لتحقيق المصالحة الوطنية وطيٌ صفحة الخلافات وتجاوز هذا الشرخ والتعلم من هذه التجربة لأجل توظيفها في سبيل الوحدة الوطنية وتحقيق التعايش بين كل التونسيين”.
وأعلن رئيس الجمهورية التونسية في هذا السياق عن أنه تم إقرار يوم غرة سبتمبر من كل عام يوما وطنيا لرد الاعتبار للمنصف باي وهو تاريخ وفاته، علما بأن قناة الجزيرة الوثائقية قد انتجت فيلما وثائقية عن المنصف باي. أخرجه نفس مخرج فيلم صالح بن يوسف، جمال الدلالي الذي اخرج كذلك للوثائقية فيلمه عن فرحات حشاد.
وفي نهاية هذه التظاهرة قدم السيد أحمد محفوظ نوح، مدير قناة الجزيرة الوثائقية “درع الجزيرة” للسيد محمد منصف المرزوقي في “تحية إكبار لكل مناضلي الشعب التونسي ومثقفيه”.

وفي تصريح أدلى به لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) قال السيد أحمد محفوظ “إن صالح بن يوسف يبقى أنموذجا للكفاح ورمزا من رموز الحرية بما استدعى إعادة فتح بعض الملفات من زوايا تنصف هذه الرموز النضالية”.
ولاحظ أن أهمية العمل تكمن في إثارة التاريخ والتنقيب فيه بغية التقليب في صفحاته المنسية لنفض الغبار عنها وإعادة الاعتبار لرموز سياسيين مهمين وبالتالي التوثيق لحركات التحرر في العالم العربي.
ويروي فيلم “صالح بن يوسف.. جريمة دولة” سيرة الزعيم الوطني التونسي صالح بن يوسف الذي اغتيل في المانيا يوم 12 اغسطس 1961 بعد خلاف حاد مع غريمه السياسي الحبيب بورقيبة.. كما يعالج الفيلم نشاط المرحوم صالح بن يوسف ودوره في الحركة الوطنية التونسية وفي بناء الحزب الحر الدستوري الجديد وأسباب خلافه مع الحبيب بورقيبة رئيس الحزب والظروف التي أدت الى اغتياله. ويهب الفيلم غلى أن كل أصابع الاتهام تشير إلى أن بورقيبة قد استعمل أدوات الدولة التي كان على رأسها حينها لأجل ارتكاب هذه الجريمة.
وتأتي خطوة عرض فيلم صالح بن يوسف بمناسبة افتتاح مسرح قرطاج وهو مسرح يتميز بطراز معماري أنيق يجمع بين المعمار الشرقي والغربي. وكان الرئيس المرزوقي قد أعلن أن القصر سيكون فضاء لدعم الثقافة والحوار الفكري في تونس. وكان المرزوقي قد صرح منذ توليه رئاسة تونس بأنه سيفتح قصر قرطاج للشعب التونسي وللمثقفين والناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين ولكل شرائح الشعب.
وقد شهد قصر قرطاج خلال هذا الشهر استدعاء المؤرخ التونسي د.هشام جعيط ليلقي محاضرة تناولت موضوع “إعادة بناء الذاكرة الوطنية”. كما تم استدعاء المفكر العربي عزمي بشارة الذي ألقى محاضرة بعنوان “السياقات التاريخية لنشوء العلمانية وانماطها”. واللافت ان الرئيس المرزوقي هو من يتولى تقديم ضيوفه من المفكرين. ويعتبر الكثير من المراقبين أن سلوك المرزوقي كرئيس دولة كسر صورة الرئيس العربي المتعالي على شعبه الذي يعيش بين جدران قصره. وكأنه مازال يتصرف بشخصية المثقف والناشط الحقوقي.