عرفان رشيد يتحدث عن ملتقى بحر السينما العربية

هل كان ربيعاً عربياً حقاً ؟
صلاح سرميني ـ باريس

عرفان رشيد ، صحفيٌّ، ناقدٌ، مخرجٌ، ومُنشطٌ سينمائيّ، صحيحٌ بأننا لم نعدّ ـ كما في السابق ـ نقرأ له كثيراً في الصحافة، ولكنه يُمارس دوره بشكلٍ عمليّ في تطوير الثقافة السينمائية العربية من خلال المُشاهدة، والاختيار، وحتى تكريس ذائقة سينمائية متقدمة لأعمالٍ مختلفة في مواضيعها، واختياراتها الجمالية، وذلك عن طريق المُهمّات المُلقاة على عاتقه كمدير البرامج العربية في مهرجان دبي السينمائي، ودوره في تقديم بعض الإنتاج السينمائي العربي إلى الجمهور المحليّ من خلال “بحر السينما العربية”، مُلتقى سينمائيّ ينعقد سنوياً في “ميسّينيا” الواقعة في جزيرة صقلية الإيطالية، ويُديره بهدوءٍ، وصمتٍ بعيداً عن الضجة التي يُحدثها البعض، أو الكثير من المهرجانات، قبل، أثناء، وبعد كلّ دورةٍ من دوراتها، وهي ظاهرةٌ ما زالت تُلازمها، ويقع في شراكها، بوعيٍّ، وقصدٍ، أو بدونهما، أكثر المُتحمّسين للثورات التي تجتاح العالم العربي.
خلال أيام الدورة الـ 65 لمهرجان كان 2012، جلستُ مع “عرفان رشيد”، ولم يكن في ذهني فكرة حوار متبادل، ولكن، بما أنني أجريتُ حواراتٍ مع عددٍ من المُشرفين، والمسؤولين عن مهرجاناتٍ عربية، فقد انتهزتها فرصةً للحديث عن تظاهرة سينمائية لا نعرف عنها الكثير، وهي، على حدّ علمي، الوحيدة في إيطاليا المُخصصة للسينما العربية.

بدأتُ بسؤالٍ تمهيديّ : 

متى موعد المهرجان ؟
“بحر السينما العربية” ليس مهرجاناً، إنه بالأحرى” مُلتقى” ينعقدُ كلّ عامٍ في إطار مهرجان ثقافيّ شامل(هورتشينوس أوركا)، وسوف تكون دورته الخامسة في شهر أكتوبر ، ولكننا لم نُحدد التاريخ بعد. في العادة، نعرضُ ما بين ثمانية إلى عشرة أفلام روائية طويلة، و15 فيلماً قصيراً، وفي كلّ دورة نُخصص ثيمةً معينة، ونختار الأفلام المُرتبطة بها بغضّ النظر عن سنوات إنتاجها.

ماهي الثيمات السابقة ؟
بدأت الدورة الأولى بـ “الإنسان، المُواطن، الحدود”. وفي الثانية، احتفينا بـ “الكوكب امرأة” وفي الثالثة، توقفنا عند “الطفولة” وفي الرابعة، تخيرنا “رغبات، يوتوبيا،… الحريّة”. وبالتوازي معها، نُركز على بلدٍ واحد، أو مخرج معين، وهكذا، تمنحني الثيمة إمكانية العمل على الموضوع من زوايا، ورؤى متعددة، والاستفادة من الإنتاجات السابقة، لأنّ أيّ فيلم بالنسبة لجمهور “بحر السينما العربية” جديد تماماً، حتى المُنجز قبل 20 عاماً.تسعى التظاهرة إلى توفير فرص اللقاء مع الناس، والتحاور معهم، وخاصةً عن طريق النقاشات التي تعقب عروض الأفلام.
 
ماهي ثيمة الدورة القادمة، إن لم يكن هذا الأمر سرّاً ؟
سوف تنعقد الدورة القادمة تحت عنوان : هل كان ربيعاً عربياً حقاً ؟؟ ومن خلالها، نقدم مختاراتٍ من الأفلام التي تضمّنت إشاراتٍ، او تلميحاتٍ عن التغييّر.

 يُوحي هذا التساؤل بالخيبة، الحذر، أو عدم الرضا عما يحدث حالياً ؟

عرفان رشيد


أعتقد، بأنّ ما حدث في العالم العربي لم يكن إنفجاراً آنياً، ولكنه حصيلة تراكماتٍ من المُعاناة، اليأس، الغضب، والرغبة بالتغيير، ونحن نبحث عن تلك الأفلام التي ألمحت إلى هذا الموضوع، مباشرةُ، أو إيحاءً. من خلال التظاهرة، نرغب بأن تذهب السينما إلى المدارس المتوسطة، والثانوية، وسوف نحاول استضافة مخرجين للحديث مع الشباب. هناك الكثير من التعتيم حول قراءة الواقع العربي بسبب الإعلام وضعف التواصل، والغموض الذي يكتنف هذه الفترة. انطلقت الثورات العربية في مقتبل الربيع، ومن هنا جاءت التسمية “الربيع العربي”، وهي محاولةٌ لاستعادة “ربيع براغ”، ولكن، يُخيفني منح المُسميات قراءةً إيديولوجيةُ .
كانت السينما محكومة بإرادة الرقابة، ومن كان يُشير في عمله إلى ضرورات التغيير، تقمعه السلطة بطريقةٍ، أو بأخرى، على سبيل المثال، في الفيلم السوري “تحت السقف” لمخرجه “نضال الدبس”، ثمة ما يتساقط من السقف، لكنّه في النهاية يُغرق المكان بأسره، فهل كانت تلك الصورة الدلالية مؤشراً على الحالة التي وصلت إليها سورية ؟. لم تكن هذه الحركات وليدة اليوم، فقد سبقتها ركاماتٍ، واحتجاجات، ومن هذا المُنطلق، لا أتفقُ مع القائلين بأنّ “التويتر”، و”الفيس بوك”، هي التي فجرت الثورات، ولديّ قناعة بأنّ الشعوب استيقظت، وإلا لما حدثت “ثورة أكتوبر” في روسيا، أو “ربيع براغ” في تشيكوسلوفاكيا.

لماذا تنعقد تظاهرة “بحر السينما العربية” في إحدى مدن جزيرة صقلية، ألا توجد إمكانيات تنظيم تظاهراتٍ، أو تأسيس مهرجاناتٍ في المدن الإيطالية الكبرى ؟.
ـ لا توجد اهتمامات مؤسّساتية، ولولا الاهتمام المحليّ، وحماس مؤسسة (هورتشينوس أوركا) العلمية الثقافية،  ودعم المدينة نفسها، لما تحقق الملتقى أصلاً، في مدنٍ أخرى أكبر، والأهمّ، أنه لا تُوجد حتى أمسية، وهكذا، علينا الإستفادة من كلّ النوافذ المُتاحة للتركيز على المُنجز العربي، حيث هناك جهلٌ كبير، وعدم اهتمام من المؤسّسات العربية، والأجنبية، الكثير من سفاراتنا لديها ملحقيات ثقافية، وينبغي عليها أن تُغير اسمها إلى ملحقياتٍ تربوية، أو دراسية، حيث ينحصر عملها في الشؤون الإدارية.
في إيطاليا، لا توجد نشاطاتٍ عربية مدعومة ما عدا تلك التي تُنظمها “الأكاديمية المصرية” في روما تحت إشراف السفارة المصرية.

البعض يؤسّس تظاهراتٍ، مهرجاناتٍ، وفعالياتٍ سينمائية بهدف الاستفادة الشخصية، المادية، والمعنوية.
ـ هذه حالةٌ طبيعية، دعنا نترك هؤلاء يستفيدون في حدود الأجور المعقولة، والمسموح بها قانونياً، بشرط أن ينجزوا نشاطاتهم، أنا لستُ ضدّ الإستفادة الشخصية، المهمّ أن يتحقق هذا النشاط، ويصبح مفيداً لجميع الأطراف. قد يستغلّ البعض الأمر لمصلحته الشخصية مئة بالمئة، ولكننا لا نستطيع منعه، فقط، يتوجب على هؤلاء الإنتقال من الهواية إلى الاحتراف.

المهرجانات العربية في أوروبا دكاكين، يُشرف عليها عاطلون عن العمل…??
عجيب، أنت تقول هذا الكلام، وتتعاون، علناً، وسرّاً، مع كلّ هذه الدكاكين في أوروبا، وما أدراني، رُبما في المريخ أيضاً، والله “خوش رأي” …حسناً، إذا كانت هذه الدكاكين مفيدة للمجتمع، وتساهم في إيجاد فرص عمل للمُشرفين عليها، وغيرهم، فما هو المانع من تواجدها ؟ من يجلس على الناصية بدون أن يفعل شيئاً، لا يحقّ له توجيه مثل هذه الإنتقادات إلى الآخرين، وأنا لا أقصدك أنت. هناك 8000 مهرجان سينمائيّ في إيطاليا،……

لا، أنتَ تُبالغ، هل تقصد 800 مهرجان؟؟ هذا رقمٌ كبير أيضاً ؟
ـ أقصد مهرجان، وملتقى، وأسابيع أفلام، وتظاهرات، وعروض، وفعاليات، ونشاطاتٍ تغطي كلّ سينمات العالم، ومع هذا الكمّ الخرافي، ما الذي يمنع من تأسيس مهرجاناتٍ للسينما العربية في كلّ مكان، بشرط أن لا نضع العصي بين أرجل بعضنا. فنجاح مهرجانكَ هو نجاحٌ لي، ونجاح مهرجاني هو نجاحٌ لكَ، وإلاّ ليس من حقكَ الإدّعاء بأنكَ تدافع عن السينما العربية، أو أيّ سينما كانت.

يُقال، إنّ المهرجانات السينمائية الخليجية أوجدت نوعاً من الحساسيات بين المهرجانات العربية .
الحساسيات بين المهرجانات العربية موجودة منذ سنين، وبالتحديد، ما يتعلق بتواريخ إنعقادها، حيث كانت، وما تزال تتداخل فيما بينها، وتُسبب إشكالياتٍ، وقد تمّ مناقشة هذا الأمر في بعض هذه المهرجانات نفسها، ولم تصل إلى نتائج محددة، أو قابلة للتنفيذ.
إنها صراعاتٌ سابقة على تأسيس المهرجانات في بلدان الخليج، والحالة الموجودة حالياً لم تحدث بسببها.

وماهو الحلّ يرأيك ؟
ـ التنسيق فيما بينها، لأننا جميعنا نأكل من نفس الطبق، السينما العربية فضاءٌ مكشوفٌ تعرفه كلّ المهرجانات، الفيلم الذي يذهب إلى أحدها ـ رُبما ـ لا يأتي إلى آخر، وليس من مصلحة أحد أن يتحول هذا الأمر إلى صراع.
يجب أن تسود روحٌ سينمائية بين هذه المهرجانات، هناك تنافسٌ في الرياضة، ولكن، حالما يُطلق الحكم صفارة النهاية، يتوقف اللعب، وهذا التنافس لا يعني الخصومة، والعداء، من حقّ أيّ مهرجان أن يصبح الأفضل في العالم، فقط يجب أن يتحول هذا الكلام إلى فعل .
كيف ؟
 تنقية الأجواء، تبادل الآراء، إصغاء الواحد إلى الآخر، والأهمّ، النزاهة المهنية .

ولكن، ألا تعتقد بأنّ هناك تخمة مهرجاناتٍ في الخليج ؟
ما الذي يمنع بأن تتكاثر المهرجانات، إنها تنعقد بأموالٍ خليجية، ولكنها غير منغلقة على الخليجييّن فقط، هي مفتوحة أمام كلّ السينمات العربية، والعالمية، وقد تكشفت نباهة مهرجان الخليج السينمائي عندما وسّع الإطار الجغرافي سينمائياً كي يشمل العراق، واليمن، وهذا  دليلٌ بأن هذه المنطقة تحاول أن تكون، وقد أصبحت، ملتقى للإبداع، والإنجاز الإقليميّ، هناك رغبةٌ بأن تتحول هذه المناسبات إلى فرصة حقيقة للعاملين في المجالات السينمائية المختلفة تجمعهم بهدف اللقاء، وتبادل الأفكار، والنقاش حول مشاريعهم، ومنجزهم الثقافي.

هل أثرّت هذه المهرجانات على تلك الأقدم منها في الدول العربية الأخرى ؟
تاريخ مهرجانات قرطاج، القاهرة، دمشق، مراكش…كفيلٌ بالمحافظة على إستمراريتها.

ما هو السبب في هذه الأجواء الضبابية في مهرجانات الخليج ؟
الإمكانيات المالية ما بين بلدٍ وآخر مختلفة، ويمكن تقليص هذه العقبات إذا حوّلنا الصراع إلى تنافسٍ شريف، نزيه، وصادق. ليس دور أي مهرجان ما تعليم الآخر كيف يُنفذ آلياته، أو برمجته، لأنّ كلّ مهرجان يمتلك حريته الخاصة، ولكن، لا ينبغي أن يتحول الأمر إلى سوقٍ، أو حلبةٍ للمُضاربات. من المفيد لهذه المهرجانات التنسيق بينها، وتوفير الفرصة للسينمائييّن في الاختيار بين هذا المهرجان، أو ذاك….

عند هذا الحدّ، توجه الحوار في منحى آخر، توقفتُ تلقائياً عن الكتابة، واكتفيت بمناقشة الباقي من حديثنا المُتبادل، بينما كنتُ أفكر بعنوان الدورة القادمة لمُلتقى “بحر السينما العربية”:
“هل كان ربيعاً عربياً حقاً ؟”

مدينة ميسينيا

إعلان