الدورة ال47 لمهرجان كارلوفي فاري

احتفاء بمئوية أنطونيوني ولقاء سينمائي بين غرب أوربا وشرقها
قيس قاسم ـ السويد

سبعة وأربعون عاماً، لم ينقطع.. ظلّ مهرجاناً عالمياً وأوربياً، جمع سينمات شرق وغرب قارة حيوية الإنتاج والتنوع، كانت الطليعة في صناعتها ولها فضل ديمومة إستمرارها وكارلوفي فاري كان واحداً من المهرجانات التي عكست حضورها، بأكثر تجلياته، وتفاعلت في داخله الكثير من تياراتها وجديدها. ظل المهرجان أميناً خلالها لقيم الفن السابع، الذي يشترط وجوده كمهرجان معني بالسينما، رغم صراعات وحروب ساخنة وباردة مرت عليه، وظل يُغَلِب الفني على السياسي في ظروف تاريخية كان يبدو مثل هذا “التحييد” مستحيلاً، وربما لهذا السبب يحظى اليوم بكل هذا التقدير والاهتمام. وينحو كارلوفي فاري لتكريس الفن السابع على المستويين الإحترافي والشعبي، متميزاً عن أخرى تغلب جانباً على آخر، وبهذا المعنى ينظر اليه كواحد من المهرجانات التي تراعي في خيارتها بين النخبوي والعام، بين جلب أفضل ما معروض في مهرجانات تسبقه زمنياً مثل كان وغيره وبين انتقاء لجديد سينما شرق أوربية وعالمية دون كثير تركيز على العروض العالمية الأولى أو الأسماء الكبيرة،  كهدف بقدر محاولته توفير فرص جيدة لجمهوره ليتذوق حلاوة أحدث الأفلام مع إبقاء الاهتمام بكل ما له علاقة بتاريخ السينما وتياراتها قائماً، والاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني تشير إلى هذا الميل.

أنطونيوني

وثائقيات أنطونيوني
فَضّلت الدورة الاحتفاء بمنجز أنطونيوني عبر وثائقياته، التي مثلت خلال أربعينات القرن الماضي خروجاً، على المستوى الفني، عن سابقاتها وبشكل خاص القصيرة منها، مثل: “ناس وادي بو” (1947)، “منظفو المدينة” (1948) و”أكاذيب الحب” (1949). في هذه الأفلام وغيرها اعتمد أنطونيوني على التعبير البصري، وسيلة لتوصيلها، مقلّلاً وإلى حد كبير من التعليق المصاحب لها، ولهذا جاءت أقرب الى الصامتة منها الى الوثائقية العادية مع تركيز شديد على اللقطة وزواياها، والتي بعمقها وغناها تولد إحساساً عميقاً بدرامية المشهد وعلاقته بالوسط المصور فيه. “فمنظفو المدينة” ليس عن حياة زَبالّي روما فحسب بل عن المدينة نفسها، عن الحياة فيها عبر صلة ناسها فيما بينهم وبين مدنيتهم، وما يتركون من أشياء خلفهم يأتي المنظفون ويجمعونها من أجل الحفاظ على جمال مدينة تلفظهم بطريقة قاسية، جسدها أنطونيوني من خلال تصوير تفاصيل حياتهم اليومية.
الفقر الذي يعيشونه يعكس مناخ إيطاليا المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وحياة الناس ولا مبالاتهم وتعبير عن روح إذلال أمة لا تعرف ماذا ينتظرها في الغد، تماماً كما صوره في “ناس وادي بو” فعلى ضفاف النهر كانت تتجمع الأحلام، والرغبة في الوصول مع القوارب والعَبارات الى البحر المفتوح الآفاق. كان البحر وليس النهر وقواربه المحملة بالبضائع ما يدفع الناس للهرولة في استقبالها، كانت رغبتهم في الإبحار معها الى مكان ثانٍ، ربما فيه الحياة أفضل من واديهم ونهرهم العظيم؟ هي من يحركهم لمتابعة مسارها حتى حدود البحر الذي لم نره!. من نتاجه الطويل سيعرض جزئين من فيلمه الوثائقي عن الصين الشعبية “صين تشونغ ـ كو ” (1972) والذي صور بموافقة حكومة ماو ثم منعت عرضه بعد الانتهاء من إنتاجه بحجة معاداته للشيوعية.
عَرْض 16 وثائقي لأنطونيوني ستعطي صورة واضحة عن جانب من إبداعه ربما لا تتوفر للجميع فرصة التعرف عليها دفعة واحدة كما توفرها الدورة الحالية (29 يونيو الى 7 يوليو) الى جانب ما تقدمه من وثائقيات كثيرة قاربت الخمسين، ستشترك ستة عشر منها في مسابقاتها الرسمية، زيادة على المسابقة الروائية حيث سيتنافس على جوائزها 12 فيلماً من بينها الإيراني “الخطوة الأخيرة” لعلي مصفا والفيلم التركي الإخراج النمساوي الإنتاج “جمالك لا يعني شيئاً ” لحسين تاباك وتدور أحداثه حول الصبي فيسيل، الذي جاء الى فينا من تركيا مع والديه، وظل يشعر فيها غريباً، فلا اللغة كان يفهمها في المدرسة، التي دخل اليها حديثاً، ولا وضع عائلته يوحي له بالاستقرار. وجود زميلته آنا في مدرسته خفف عليه شعوره بالعزلة الى جانب جارهم جيم، الطيب القلب المفتول العضلات، والذي ساعده على التنقل بين الحلم والحقيقة، بين الإحساس العالي بالرومانسية وبين ضغط الحياة والتهديد الدائم بالرحيل من البلد الجديد. وفيما وقع الاختيار على فيلم ليسا باروس سا “اهتزارت جيدة” للافتتاح الدورة تقرر أن يُنهيها وودي ألن بفيلمه الجديد “الى روما مع الحب” في الوقت الذي أدرج فيه فيلم ستيفن سودربيرج “سحر مايك” خارج المسابقة. وعلى المستوى العربي سيشاهد الجمهور ضمن خانة  “منتدى المستقلين” فيلم المغربي محسن البصري “المغضوب عليهم”  وفيه يقدم رؤيته الخاصة لمفهوم الإرهاب الملتبس عبر قصة تدور حول مجموعة صغيرة من الإسلاميين المتطرفين تخطف ممثلين مسرحيين بالمغرب وتحتجزهم كرهائن لديها.

مدير المهرجان جيري بارتوسكا يعرض
بوستر هذه الدورة

كرة الكريستال
وفق ما أعلنه رئيس المهرجان يرجي بارتوشكا في مؤتمره الصحفي الذي عقد قبل أيام في العاصمة التشيكية براغ، ستمنح الدورة “كرة الكريستال” الى الممثلتين؛ البريطانية هيلين ميرين والأميركية سوزان ساراندون تكريما لمنجزهن الكبير ومساهمتهن المهمة في السينما العالمية وشعبيتهن الواسعة. وستحضر هيلين ميرين حفل الافتتاح وتقوم بتقديم فيلمها “الباب” من إخراج الهنغاري استيفان زابو الى جمهور المهرجان  مباشرة، فيما ستَستلم الممثلة سوزان ساراندون جائزتها التقديرية خلال حفل الاختتام وستحضر بنفسها عروض الفيلم الذي لعبت بطولته “جيف الذي يسكن في المنزل” خلال أيام المهرجان.

استعادات وعروض خاصة
من بين المحتفى بهم والمستعادة أفلامهم هذا العام المخرج التركي ريها أرديم الذي درس السينما في فرنسا وأخرج العديد من الأفلام من بين ما اختير منها: “الأزمنة والرياح”، “القمر” و”كوزموس”، الى جانب الفرنسي جان ـ بيير ميلفل (1917 ـ 1973) الذي كثيراً ما يوصف بعراب الموجة الفرنسية الجديدة، ويعترف الكثير من مبدعي السينما بتأثرهم بأفكاره وإسلوبه من بينهم مارتين سكورسيزي، وما زال النقاد يشيدون عند التطرق لأعماله بفيلمه المدرج ضمن عروض الدورة “جيش الظلال”. كما سيُقدم ضمن احتفاء خاص فيلم المخرج التشيكي الشهير ميلوش فورمان “كرة رجل الإطفاء” (1967).  وفي استذكار للمثل التشيكي جوزيف سومر سيشاهد الزوار فيلمه المهم “المزحة”. وعلى غرار دورات سابقة ستحتشد الكثير من الأفلام المنتجة في دول شرق أوربا ضمن خانة “شرق من غرب” الى جانب الأفلام التشيكية القصيرة، لتوفر فرصة نادرة للتعرف على أهم ما أنتج حديثاً في هذا الجزء من القارة، الى جانب مختارات من بقية قارات العالم، لتشكل بمجموعها ما يزيد على مئتي فيلم، تحفز الجمهور والمختصين على حضورها ومتابعة فعالياتها الكثيرة.  


إعلان