أمريكون يبحثون عن خلاص في ” خارج الشبكة”
عن الأزمة الاقتصادية التي تهمين على الولايات المتحدة الأمريكية والأمريكيين منذ بضعة أعوام يدور فيلم “خارج الشبكة” للمخرج الهولندي الكسندر أوي ، والذي يتنقل بين عدة مدن أمريكية ، باحثا عن نماذج فردية ومجتمعات صغيرة تحاول بأساليب مختلفة إيجاد حلول لمشاكلها الآنية المستعصية، والبحث أيضا عن نموذج اقتصادي بديل عن الذي كرسته ثقافة الاستهلاك الأمريكية ، والتي يزعم معظم الذين تحدثوا للبرنامج، بأنها التي قادت البلد الى واحدة من أشد ازماته في العصر الحديث ضراوة، وهي الازمة التي ماتزال تهمين على الحياة هناك، دون ان يحمل المستقبل تباشير أي انفراجات قريبة.
يبدأ الفيلم بمشهد لنصب الحرية ، لكنه ليس ذاته الذي يستقبل القادمون من البحر الى مدينة نيويورك الأمريكية ، هو نسخة رخيصة وضعت في ساحة مدينة أمريكية هجرها أغلب سكانها ، بحثا عن فرص عمل في مدن كبيرة . الرمز الأمريكي الشهير عن بلاد الحريات التي استقلبت الغرباء من كل العالم ، لم يعد يعني كثيرا للشاب الذي تحدث لكاميرا المخرج الهولندي ، لينطلق الأخير بعدها لمدينة بارينغتون العظيمة في ولاية ماساتشوستس ليقترب من تجربة سكانها الغريبة باختراع عملة مالية جديدة معترف بها ضمن حدود البلدة فقط ، وتكتسب قيمتها من المنتجات الزراعية والتعاملات البسيطة التي يجريها اهل القرية مع بعضهم. ستكشف اللقاءات التي يجريها الفيلم من سكان المدينة أن تجربتهم هذه لن تكون “الحل” القادم للولايات المتحدة الأمريكية، صحيح انها ، أي التجربة، دفعت السكان الى الاهتمام بانتاج غذائهم الخاص ، إلا أن المنتجات الأخرى ، من مواد منزلية وغيرها تأتي بالغالب من خارج أمريكا ، وبالتحديد من الصين ، وأن هذا العملاق الآسيوي لن يرضى بقبول العملة الأمريكية الجديدة، فالولايات المتحدة وكحال العديد من الدول الصناعية السابقة اختارت ان تنتج أو تعتمد في معظم ما تستلهكه على ما يصنع الصين ودول آسيوية اخرى.
تجربة أمريكية أكثر نضوجا في فهمها لآثار سياسات الاستهلاك الأمريكية ، كانت في مدينة ساندبوينت الصغيرة ، والتي قررت بلديتها ومعظم الشركات الصغيرة فيها اتباع خطوات صغيرة للحيولة دون انهيار المدينة الاقتصادي ( وكما حدث للعديد من المدن الأمريكية الصغيرة) ، فتم تخفيض أجور الموظفين في المدينة ، حتى لا يفقد عاملون أعمالهم ، كما تمت زيادة الضرائب ، لتحصيل اموال كافية لبدء مشروعات صغيرة تشغل اعداد من عاطلي المدينة، كما يتجه التركيز في المدينة على نشاطات اجتماعية بسيطة تزيد من ترابط سكانها وتشجعهم على نمط حياة يختلف عن الذي تروج اليه معظم وسائل الاعلام الأمريكية والدعايات التجارية المنتشرة في كل مكان هناك.
يكشف الفيلم في تجواله عبر الغرب الأمريكي ، الثمن الذي دفعته مدن صغيرة بسبب سياسيات الضرائب اليمنية التوجه، فالبلديات التي يهمين عليها اليمينين خسرت كثير من رجال البوليس بسبب عدم قدرتها على دفع رواتبهم ، والذي يعود الى الضرائب المنخفضة التي تفرضها على سكانها. فيكشف أحد رجال البوليس الذين تحدثوا للفيلم بأنهم أصبحوا غير قادرين أحيانا على ملاحقة جرائم القتل بسبب ضعف امكانياتهم، أما الجرائم البسيطة فتترك بدون اهتمام. وحتى مع نتائج ما يعنيه غياب الامن عن المدن ، تصر بعض البلديات اليمنية الصغيرة على الإبقاء على نظام ضرائبها المنخفض والذي تعتبره أحد حقوقها الأساسية في بلد يستطيع كل شخص فيه ان يعش حلمه الخاص ويملك الحق بأن يفعل ما يشاء.

لم تنل الازمة الاقتصادية الحادة فقط من “الضعفاء” ، الذين كانوا يتأرجحون على خط الفقر قبل الأزمة، فالفيلم يتنقل على أحد مخيمات الفقراء التي بدأت تنتشر على مشارف المدن الكبيرة ، حيث وفرت الحكومة الامكانية لبناء خيم صغيرة مع توفير بعض الخدمات المحدودة مثل الكهرباء والماء لهذه المخيمات. تجمع تلك التجمعات خليطا متنوعا من الأمريكيين ، منهم من كان يملك والى قبل سنوات قليلة بيتا خاص ودخلا ممتازا وسيارة واحدة او بضعة سيارات، لكنهم خسروا كل شيء بعد الأزمة ، لينضموا إلى أعداد المحتاجين الذين يعيشون تحت خط الفقر ، والذين بحسب الفيلم وصلوا الى 45 مليون أمريكي ، منهم 15 مليون بدون عمل.
لا يسعى الفيلم كثيرا لنقل شهادات أمريكية خاصة عن الازمة ، لكنها ترد أحيانا ضمن سياقه التحقيقي ، فينقل قصة الموظف السابق الذي وجد نفسه بعد انفصاله عن زوجته وفقده لعمله في الشارع ، ليلتجئ الى واحدة من مخيمات الخيام المتكاثرة. كذلك يمر الفيلم سريعا على حكاية متسول يقف على احد اشارات المرور منتظرا حسنات السائقين. هذا الرجل خسر هو الآخر كل شيء بعد الأزمة ، فبعد أن كان يملك منزلين ودخل ممتاز ، وجد نفسه في الشارع أيضا ، من دون أن يوقف هبوطه السريع شبكة اجتماعية ما.