صدور العدد السادس من مجلتنا على الآي باد iPad

الهامش.. داخل الصورة وخارجها..
حسن مرزوقي

ما هو الهامش..؟؟ وأين يقع..؟؟
إنه ذلك الذي تجمع وجهات النظر الغالبة، سلطة وسطوة، على أنه خارج دائرة نظرها. إنه وبكل بساطة ما يقع خارج ما ترسمه السلطة – بشتى أنواعها ومظاهرها- مركزا لها. يعني أن الهامش هو ما همّشته السلطة وأقصته لأنه يفسد جمالية سلطتها أو هكذا يخيل إليها. وبالوقت يرضى لنفسه بوضعية الهامش مؤسسا حولها رؤية وتصورا. فالهامشي ينتهي في النهاية بالإقرار بأنه هامشي.
في كل مجتمع هناك مؤسسات تقوم على تحديد حدود المركز في المكان والزمان والسياسة والفن والدين والاقتصاد والمجتمع وكل ما تطاله يد السلطة ماديا ومعنويا. فالمؤسسة هي التي تهمّش الهامش ثم تسميه وتصوره في الأذهان على أنه هامش. وهو إما عالة على السلطة أو عدو لها أو هو من فضلاتها الحتمية. وبذلك تنطلق كل الماكينات المساهمة في صناعة الرأي العام وترسيخ الصور في الأذهان لتغرس الهامش في هامشيته. وبترسيخ تلك الصورة الذهنية ينطلق السلوك السياسي والاجتماعي ليجسّد المواقف العملية من الهوامش. سواء كانت أمكنة هامشية لا يرتادها إلا أناس هامشيون تطاردهم السلطة لترجعهم إلى أمكنتها المركزية المضبوطة. أو قد يتعلق الأمر بأفكار تقع على هامش عقل السلطة من تعبيرات فنية أو توجهات فكرية أو سياسية فتحزم السلطة مرة أخرى عدتها وعتادها وأبواقها وخطباءها لتهمّش تلك الأفكار  وتقصي أصحابها وأحزابها بشتى أشكال الإقصاء.
الهامش هو صوت مقموع دائما.. وهو ردة فعل تجاه السائد والمتفق عليه من قبل المجتمع طوعا أو كرها. ولأنه صوت فإنه لا يصمت. لذلك مثلما أن المركز يصنع استراتيجياته باستمرار لتهميش الهامش، فإن هذا المهمش ينتج أيضا أشكال بقائه بالتعبيرات الفنية وممارسة الرفض للمركز وهي ممارسة تكون من جنس ثقافة الجماعات المهمشة بتوترها وعنفها وحقدها على من كان سببا في إقصائها.
الفن والسينما ولا سيما السينما الوثائقية هي من الأطراف الأكثر مساندة لهوامش المجتمع فهي صوت من لا صوت له. هنا نتحدث عن الفن الحقيق أي الذي لا يرتدي جلباب السلطة لأن الفن بطبعه رافض لأي سلطة. ويمكن القول بدون مبالغة إن المجال المثالي للفيلم الوثائقي هو هوامش الثقافة والمجتمع. لذلك كانت الأفلام الأكثر نجاحا عالميا هي تلك التي تناولت مواضيع لم تتناولها الأجهزة الرسمية الناطقة باسم المركز.
هذا العدد من المجلة يحاول أن يقارب مفهوم الهامش على عدة صعد. فعلى الصعيد السوسيو-ثقافي كما في دراسة الباحث والإعلامي التونسي نصر الدين اللواتي الذي وضع مفهوم الهامش ضمن إطاره من مفهوم المدينة بالمعنى الأنثروبولوجي والثقافي لمفهوم المدينة كفضاء للتفاعل وإدارة الصراع بأساليب شتى. أما أسامة غنم الأكاديمي والناقد السوري فقد وضع إشكالية الهامش في سياق الفن والنظريات الجمالية في المسرح خاصة والفنون عامة. ثم تحدث الناقد المصري امير العمري عن قضية الهامش في السينما والعلاقة بين السينما الروائية والسينما الوثائقية وتجاذبات المركز والهامش لأشكالها التعبيرية من خلال تجارب المدارس السينمائية.  من جهته تعرض الإعلامي المصري أسامة صفار إلى “تيمة” الهامش في السينما المصرية بجانبيها الروائي والوثائقي مقدما إطلالة تاريخية سريعة لحضور هذه “التيمة” في السينما. ويعرفنا الناقد السوري المقيم في باريس صلاح السرميني بتجربة سينمائية فريدة من نوعها تعبّر عن هوامش الفن السينمائي الذي يلامس فيه الوثائقي الروائي ولا يحترم حدود النظرة “المركزية” للفيلم. وهي تجربة الفرنسي جيرار كوران المسماة Cinematon  والقائمة على البورتريهات. ثم يقدم لنا الأكاديمي التونسي الطاهر الشيخاوي السينما الأفريقية وأهم تجاربها وهي تجربة من الهامش وإليه.
إن التركيز على الهامش كموضوع جذاب للسينما الوثائقية يجعل من الوثائقي تعبيرة فنية جماهيرية لانحيازها للقضايا المسكوت عنها رسميا. ولكن التناول الأكثر أهمية في نظرنا هو الاحتفال بجمالية الهامش وفق تعبير جمالي يدخله إلى دائرة المركز ثقافيا. بالتالي فإن السينما الوثائقية تعيد الهامش إلى المركز من نفس إحدى البوابات التي حاول فيها المركز إقصاء الهامش وهي بوابة الصورة.

رابط المجلة

http://itunes.apple.com/app/id489190316?mt=8


إعلان