حكاياتٌ تونسية من الدورة 65 لمهرجان كان
صلاح سرميني ـ باريس
خلال أيام الدورة الخامسة، والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي (16 – 27 مايو 2012 )، كان هناك العديد من المخرجات، والمخرجين التونسييّن يحاولون ترويج أفلامهم المُنتهيّة، ومشاريعهم الحالية، أو القادمة، ومن بينهم “ندى مزني حفايّظ”، مخرجةٌ تونسيةٌ شابةٌ يُرافقها زوجها المُنتج “سليم حفايّظ”، ومجموعةٌ من فريق عمل فيلمها الروائي الطويل الأول “حكاياتٌ تونسية”، وبفضل نشاطها تمكنت من جذب إهتمام المنتج التونسي الأشهر “طارق بن عمار”، الذي ترك مركبه السياحيّ الراسي في ميناء كان كي يشاهد فيلمها في أحد العروض التسويقية للمهرجان، وأكثر من ذلك، توجه بعد العرض مباشرةً إلى الجناح التونسي كي يشارك ضيفاً في لقاءٍ احتفائي بسيط نظمّته المخرجة احتفالا بعرض فيلمها.
بعد عودتي إلى باريس، شاهدت الفيلم، مجهودٌ سينمائيٌ طيبٌ يمكن أن يتطور لاحقاً إذا اعتنت المخرجة بكتابة سيناريوهاتها القادمة.
ما أثار انتباهي، وشجعني على الكتابة التمهيدية عنها، قراءة سيرتها التعريفية، فقد وُلدت في المملكة العربية السعودية من أبويّن يعملان في السلك الديبلوماسي، وعاشت فيها لفترةٍ، ومن ثمّ انتقلت إلى الولايات المتحدة، فرنسا، مصر، وكندا، ومنذ العاشرة من عمرها ظهرت بوادر عشقها للسينما، وأنجزت في سنٍّ مبكرة أفلاماً قصيرة هاوية معتمدةً في الجانب التمثيليّ على أفراد عائلتها، وأصدقائها، وعندما سافرت إلى مونتريال لدراسة إدارة الأعمال سرعان ما غيرت توجهاتها، وعادت إلى الإخراج السينمائي، وقبل أن تُنهي دراستها، أخرجت أفلاماً قصيرةً حازت ـ كما تقول ـ على إعجاب الكندييّن، وعند عودتها إلى تونس في عام 2009 بدأت بتحضير فيلمها الروائي الطويل الأول “حكايات تونسية” الذي ـ كما قيل لي ـ عُرض جماهيرياً في تونس، وجذب أعداداً معقولة من المتفرجين.
من الواضح بأنها تعرف ماذا تريد، وتعتمد على آليات عملٍ احترافية، ومن أجل هذا الغرض، فقد وزعت كتيباً إعلامياً يتضمّن معلوماتٍ أولية عن مشروع فيلم قادم تبحث عن مصادر تمويل لإنجازه.
للوهلة الأولى، نعتقدُ بأنها تتحدث عن فيلم جاهز، خاصةً، وأنها كتبت في الصفحة الأخيرة تحت أسمها، وعنوانها “الفيلم الطويل الأول”، وبقراءة المعلومات المُتوفرة في صفحاته، نفهم بأنه فيلمٌ/مشروع.
فكرةٌ جيدةٌ، ومثيرةٌ للفضول، لقد عرفت “ندى” كيف تختار الطريقة الأفضل لإثارة انتباه الفضولييّن من الصحفييّن، النقاد، المُنتجين، والعاملين في المجالات السينمائية المختلفة، والدليل، بأنه لفت انتباهي، وحالما قرأت صفحاته، بدأتُ أكتب عنه، مع أنه لم يتحقق بعد، وهي ليست من عادتي.
“محاسن” هو عنوان الفيلم/المشروع، صورة الغلاف مغريةٌ أيضاً، ربما تكون مستفزةٌ، وصادمةٌ للمُدافعين عن الأخلاق الحميدة، وخاصةً في أيامنا الثورية هذه.

في المُلخص المُقتضب، كتبت المخرجة :
(“محاسن”، في عيون رجال القرية، امرأة شابةٌ، جميلةٌ، وجذابة، “عبد الخالق” السلفيّ معجبٌ بها مع أنه متزوجٌ، ومشغولٌ بتحضير عملية إرهابية في تونس، ولكن، عندما يعرف بأنها “خنثى” معروفة أيضاً تحت إسم “محسن”، ينقلب كلّ شيءٍ على عقب).
ولا نعرف تفاصيل أكثر عن الفيلم/المشروع، ومن الأفضل بأن لا نعرف الآن حتى لا “نحرق” حكايته الغريبة تماماً على السينما العربية.
الفكرة مثيرةٌ للفضول، والجدل، ولم يحدث أن تجرأ أحدهم، أو إحداهنّ على معالجتها سابقاً، ويبدو بأنّ السينما التونسية (ومعها اللبنانية) هي الأسبق، والأكثر جرأةً في خوض هذه الموضوعات الحسّاسة في المجتمع، والسينما، “المثلية الجنسية” في كلّ أشكالها الرجالية، والنسائية.
وهنا أشارك وجهة نظر المخرجة في الأهداف التي يسعى الفيلم إلى تحقيقها، حيث كتبت :
(بعد الثورة من أجل الحرية، والكرامة (أو الياسمين)، وفي أجواء مازالت بعيدةً عن الاستقرار، يتوجه اهتمامي نحو التأكيد بأنّ المجتمع التونسي، والعربي بشكلٍ عام، يمتلك قيماً عالمية، ويتوجب علينا مواصلة النضال من أجل احترامها، والحفاظ عليها، لأنها اليوم مهددة من طرف مجموعاتٍ تريد فرض وجهات نظرها، وحتى بالعنف)، وعن طريق هذا الفيلم/المشروع تطمح المخرجة بأن تساهم على مستواها، وخبرتها في الوصول إلى تحقيق هذا الهدف.
ماهي القيّم التي تريد الدفاع عنها ؟
ـ المساواة بين الرجل، والمرأة، وإمكانية تحقيق مكانتهما في المجتمع بفضل قدراتهما، وليس عن طريق وساطة أحد، أو انتماءه إلى مجموعة ما.
ـ احترام العلمانية، وهذا يعني، حرية ممارسة الأديان كما نرغب، وحتى في داخل الإسلام نفسه.
الأكثر لفتاً للانتباه في خطابها :
ـ حقّ الاختلاف، واحترام الأقليات، ورفض الديكتاتورية في كلّ أشكالها، ومنها تلك التي تحاول الأحزاب الإسلامية المتطرفة فرضها.
“ندى مزني حفايّظ” ليست وحدها في ميدان الثورة من خلال السينما، فقد سبقها آخرون، التونسية “ناديا الفاني” في فيلمها “علمانية إنشا الله”، وافلاماً قصيرة شاهدتها مؤخراً تتصالح بوضوحٍ، وشفافية مع التابو الاجتماعي، كحال “ليلة البدر” لمخرجه التونسي “مهدي هميلي”، ” BOULITIK” لمخرجه التونسي “وليد الطايع”، “كيف ما يقولوا” للمخرج المغربي “هشام عيوش”، “دراري” لمخرجه التونسي “كمال الأزرق”، “صوت العود” لمخرجه اليمني “إيبي إبراهيم”، “فياسكو” لمخرجته السورية “ناديا حمزة”، ومازالت أنتظر مشاهدة “حكاية سحاقية” لمخرجه السوري “محمد خير دياب”.
وكما تُوضح معلومات الكتيّب، فإنّ محسن/محاسن الشخصية الرئيسية لهذا الفيلم/المشروع، يرمز إلى هذه المساواة بين الرجل، والمرأة، ولا أعتقد بأنّ القصد هو تحول الرجل إلى امرأة، أو العكس، أو تداخل الرجل، والمرأة في جسدٍ واحد كي تتحقق هذه المساواة التي تحتاجها المجتمعات العربية، ولكن، تُكمل المخرجة، بأنّ هذه الشخصية المُزدوجة تُجسّد حقّ الاختلاف في مواجهة خصوم يريدون فرض نمطاً واحداً في التفكير.

محسن/محاسن، كما تصفه المخرجة، كائنٌ دافئٌ، لطيفٌ جداً، طريفٌ، متعلقٌ بعائلته، ومصمم أزياء موهوب في عمله، والأهمّ، لا يُشكل خطراً على أحد، الخطأ الوحيد، تركيبته الجسدية الغامضة، لأنه، جسدياً، وبالمعنى الحرفيّ، نصف رجل، ونصف امرأة.
في الفيلم/المشروع شخصيةٌ أخرى، “عبد الخالق” خصمه، سلفيّ متشددٌ، ومستعدٌ للتضحية بحياته من أجل القضية التي يدافع عنها، ويبدو في المحصلة ضحية، من الواضح بأنّ أشخاصاً يتلاعبون به، ولكننا لا نراهم أبداً، ونتخيل بأنهم من تنظيم القاعدة.
قناعتي، بأنّ الأفكار المُتطرفة/المُتخلفة تُشكل منظومةً متجذرةً في عقول مواطني مجتمع ما، وبدون مواجهتها بسياقاتٍ ثقافية/فكرية لن تنجح أيّ ثورة يشارك فيها الملايين بحماسٍ بالغ، ويحولون فكرة “إسقاط الأنظمة” إلى فعلٍ هوسيّ بدل أن تتوجه المُطالبات نحو تغييّر آليات التفكير أولاً.
في الفيلم/المشروع، تتحرك الشخصيات في أجواء الحالة التي تعيشها تونس بعد “زين العابدين بن علي” مع كلّ العقبات التي ظهرت.
تنحاز المخرجة إلى العلمانية، والديمقراطية بإظهار الخصائص الاقتصادية، والجغرافية، وأيضاً الإمكانيات البشرية، والإبداعية الكامنة للبلد، وتريد أن يُظهر الفيلم، بأنه يوجد في تونس إسلامٌ معتدلٌ، متسامحٌ، ومعاصر، يواجه المُتدينين المُتشددين الذين يستخدمون العنف سلاحاً وحيداً لهم، ويتوضح هذا الأمر من خلال المواجهة بين “الشيخ” الذي يُعارض “عبد الخالق” السلفيّ، وأيضاً في سلوكيات “محسن” المسلم.
تؤكد المخرجة أيضاً، بأنه فيلمٌ ملتزم، وإذا تحقق، سوف يساهم بتطوير الأفكار في الاتجاه الصحيح.
فيما يتعلق بالسيناريو، من المفترض بأن تتعاون المخرجة مع “باسكال جوس”، سيناريست فرنسي يعيش منذ سنواتٍ في المغرب، ومعروف بحساسيته بمشاكل المرأة المغاربية، وعلاقاتها مع الرجل، وقد كتب عدداً من المسلسلات التلفزيونية للتلفزيون المغربي حول هذا الموضوع.
يطمح هذا الفيلم/المشروع ـ كما كتبت المخرجة ـ بأن يقدم صورةً حيةً، واضحةً، ودالةً على تونس جديدة تعيش حالة فورانٍ في هذه الفترة المفصلية من تاريخها.
ببساطته، وتعبيره، سوف يساهم في التفكير بخصوصية السينما التونسية، وطرائقها المختلفة في تقديم الواقع من خلال الخيال، ولتدعيم الإحساس بالواقع، سوف تلجأ إلى استخدام العناصر الأصلية، والطبيعية : أماكن، مستلزمات، قطع فنية، وحتى شخصيات حقيقية.
تطمح المخرجة بالتأكيد على اختلاف بصريّ بين جزأيّ الفيلم، في الجزء الأول الذي تدور أحداثه في قرية “محاسن”، سوف تكون حركات الكاميرا ثابتة، ورشيقة، وفي الجزء الثاني عندما تنتقل الأحداث إلى تونس العاصمة، سوف تكون الألوان مشرقة، والكاميرا محمولة في معظم الأحيان، وسوف تلعب الصورة دوراً جوهرياً لقصّ الحكاية، ومن الضروري ـ كما تقول ـ تصوير جمال الواقع، ومن أجل هذا الغرض، سوف تعمل مع مدير تصوير أجنبي يمتلك الموهبة، والحساسية الضرورية لهذا الفيلم/المشروع
بانتظار تحقيقه إذاً…