مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.. الآفاق والتحديات
كانت هناك أكثر من دولةٍ عربية حاضرة في الدورة الأخيرة لمهرجان كان بأفلامها في أقسامٍ مختلفة، أو بتمثيلٍ رسميّ سينمائيّ في “سوق الفيلم”، وكانت كلّ واحدة منها تطمح بأن تعكس صورةً زاهيةً عن نشاطاتها السينمائية، ومن ينتقل من جناح إلى آخر (أو بالأحرى من خيمةٍ إلى أخرى) في “القرية الدولية” بحثاً عن التواصل الاحترافي مع الآخرين، يُلاحظ التفاوت في أداء المُشرفين على هذه الأجنحة، وتكفي رغبة الأغلبية بالتردد على هذا المكان، أو ذاك كي تظهر الفوارق بين نشاطات وفود البلدان المُشاركة :
مصر، الجزائر، تونس، قطر، لبنان، والإمارات العربية المتحدة “مهرجان دبي، وأبو ظبي”.
ومن بين اللقاءات التي نظمّها الجناح المصري بإشراف الناقدة، المُؤرخة، والخبيرة “د.ماجدة واصف” لقاءً إعلاميّاً للإعلان عن الدورات الجديدة لمهرجاناتٍ قادمة.
بالنسبة لي، في كلّ مرة أكتب فيها عن المهرجانات العربية، كنتُ، وما أزال، أدعو إلى تأسيس المُتخصصة منها، وضرورة انتشارها في كلّ المدن، كما السياسة المهرجانية في المغرب.
ويبدو بأنّ مصر بدأت تسير في هذا الاتجاه :
ـ مهرجان السينما الأفريقية في الأقصر.
ـ مهرجان السينما الأسيوية في الغردقة.
ـ مهرجان السينما الأوروبية في الأقصر أيضاً (وهنا أُسجل تحفظاتي حول فكرة إنعقاده في مدينة الأقصر بالتحديد، ومن الأفضل بأن يكون لها مهرجانها الخاصّ عن السينمات الأفريقية).
بالإضافة طبعاً إلى استمرار المهرجانات الأقدم :
ـ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
ـ مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال.
ـ مهرجان الإسكندرية للسينمات المتوسطية.
ـ مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، والقصيرة.
وهنا، أشارك وجهة نظر الناقد السينمائي المُخضرم “سمير فريد” بضرورة إحياء “المهرجان القومي للسينما المصرية”، وبأنه الأكثر فائدةً للسينما المحلية الوطنية.
وتهدف حواراتي هذه مع بعض مدراء مهرجاناتٍ، وتظاهراتٍ عربية إلى إثارة النقاش حول بعض القضايا الخاصّة بالمشهد السينمائي العربي بشكلٍ عام (وهي بالأحرى قراءاتٍ أكثر منها حوارات).
“سيد فؤاد” رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، و”عزة الحسيني” مديرة المهرجان، كانا من بين أعضاء الوفد المصري الذين تابعوا الدورة الأخيرة لمهرجان كان، ولاحظت بأنهما الأكثر فضولاً، وكنت أجدهما ينتقلان من خيمة بلدٍ إلى أخرى، ويلتقيان مع العاملين في الصناعة السينمائية، وخاصةً العربية، والأفريقية، ويجمعان المعلومات، والوثائق الورقية، ويتحدثان بتواضعٍ عن المهرجان، يستمعان، يُصغيان، ويتقبلان النقد برحابة صدرٍ لا مثيل لها، يعترفان بالنواقص، والسلبيات التي حدثت في الدورة الأولى رغماً عنهما، ويتباهيان بالجوانب الإيجابية..
**********
في البداية، كنت أرغب في التنويه إلى من يجيب منهما: سيد، أو عزة، ولكن، بعد دقائق، اكتشفت بأنه لا طائل من هذه الدقة، حيث كانا متفقين في الإجابة ومتناغمين في المواقف:
مهرجان السينما الأفريقية في الأقصر مبادرةٌ سينمائيةٌ مهمّة، سبقتها مهرجاناتٍ مماثلة في المغرب، بدون نسيان الجانب الأفريقي في “أيام قرطاج السينمائية” في تونس، ولكن، أعتقد بأنها تأخرت كثيراً في مصر؟
بدأت الفكرة عندما تبيّن لنا، بأنه لا توجد علاقاتٍ ثقافية، أو فنية بين مصر، والدول الأفريقية، وكان يتوّجب علينا، بشكلٍّ عام، وكلّ واحدٍ في مجاله، المبادرة إلى إعادة هذه العلاقات، وهكذا، فكّرنا في السينما تحديداً، وخاصةً، بأنني شخصياً، وينطبق الأمر على “عزة” أيضاً، بأنني لم أشاهد في حياتي أكثر من خمسة أفلام من أفريقيا، لأنه، ببساطة، لا تُعرض أفلام أفريقية في مصر، رُبما في مهرجان القاهرة، والمراكز الثقافية الأجنبية.
نعم، المراكز الثقافية الأجنبية،
وخاصةً “المعهد الفرنسي” الذي يعرض أفلاماً أفريقية من إنتاج مشترك مع فرنسا.؟
صحيح، …..حسناً، بدأنا نُعدّ لهذه الفكرة، وجهّزنا ملفاً قبل سنتيّن من اندلاع الثورة، في عام 2010 تغيرت منظومة المهرجانات في وزارة الثقافة، قدمنا المشروع إلى وزاراتٍ، ومؤسّساتٍ متعددة، وحصلنا على موافقة مبدئية من هذه الجهات، ولكنها طلبت التأجيل إلى ما بعد الانتهاء من الظرفٍ السياسيّ الراهن…..
في النظام السابق، كانت المؤسًسات الحكومية تُنظم هذه التظاهرات، نحن جهة مستقلة، مؤسّسة مدنية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، قبل الثورة، كان يتوجب علينا تقديمها للجهات الحكومية، ولحسن الحظ، في تلك اللحظة، انطلقت الثورة، وتغير نظام تأسيس المهرجانات بعد أربعة، أو خمسة شهور، كان وزير الثقافة السابق “عماد أبو غازي” متحمّساً للمشروع، وبمجهود الناقدٍ الكبير “سمير فريد” تغيرت لائحة المهرجانات السينمائية، ولم تعدّ الدولة تسيطر على هذه الأحداث السينمائية، وبدأ تطبيق اللائحة الجديدة، وتنصّ على مساهمة مالية من وزارة الثقافة لا تتعدى خمسين بالمئة من الميزانية.
نحن مؤسّسة مدنية تدير المشروع من أوله إلى آخره، ومن الطبيعي، بأن تدعمه الوزارة، لأنه دورها.
ماهي هذه المؤسّسة ؟
“شباب الفنانين المُستقلين”، وهي موجودة منذ خمس سنوات، ولا تهدف للربح، وتهتمّ بالمسرح، والفنون التشكيلية.
المؤسّسات المدنية، أو الجمعيات الأهلية التي لا تستهدف الربح، لا يعني بأن يعمل الفريق متطوعاً.؟؟
آه ..طبعاً.
سيد.. ذكرتَ منذ قليل، بأنك لم تشاهد أكثر من خمسة أفلام أفريقية ؟
في مصر، حتى النقاد المتخصصون لم يشاهدوا أكثر من هذا العدد، هم يشاهدوا الأفلام الأفريقية في مهرجانات خارج مصر، نعم، لم أكن متخصصاً في السينما الأفريقية، وهذا يشجعنا بأن نبدأ، بغضّ النظر عن تأخرنا، وقد بدأنا منذ عامين، وعملنا قاعدة بياناتٍ، واطلعنا بشكلٍ أكثر تخصصاً، وتعمقاً في صناعة السينما الأفريقية، وتاريخها، صحيح، قبل ذلك، لم نكن نعرف أيّ شيء عن السينما الأفريقية، عندما بدأنا نبحث عن مصادر عنها لم نجد كتاباً واحداً باللغة العربية عن السينما الأفريقية، ولهذا أصدرنا كتاباً بعنوان “سينما أفريقيا السوداء” كتبه “فرانك أوكاديك”، وترجمه ” محمود علي”، وبدأنا بتكوين قاعدة بيانات عن المخرجين، وصناع السينما في أفريقيا، بمعنى، حوّلنا نقطة الضعف هذه إلى قوة، وملأنا الفراغ الذي فرض نفسه سابقاً.
ماهي الخطة البرمجية للمهرجان ؟
يهتمّ المهرجان بالأفلام الروائية الطويلة، القصيرة، التسجيلية، وأفلام التحريك،…
أفلام التحريك الأفريقية قليلة جداً، والتجريبية نادرة جداً..
…..ويمنح المهرجان جوائز مالية، طبعاً بالإضافة إلى النشاطات المُوازية : ملتقى، ورش عمل مصرية/أفريقية لإنتاج خمسة أفلام قصيرة، روائية، وتسجيلية، خصصنا 10 ألاف دولار لكلّ فيلم، ونبحث عن شركاء، تلقينا عشرين فكرة قدمها أصحابها للورشة، ودعا المهرجان المخرجين، والكتاب، والمصورين (20 شخصا) ووزعهم عبر الورشات، تمّ اختيار خمسة مشاريع للإنتاج.
كانت الورشات بإشراف المخرج التونسي رضا الباهي، المخرج المصري أحمد عبد الله، المصور المصري كمال عبد العزيز….
ولماذا تمّ اختيار مدينة الأقصر مكاناً لانعقاد المهرجان ؟
تم اختيار الأقصر لكسر مركزية القاهرة التي تحوي كلّ الأحداث السينمائية، وحرمت 28 أخرى من مناسباتٍ مشابهة، وبصفتها عروس الجنوب المصري، فهي أقرب إلى أفريقيا، وبوابة لها، كما أنها تتمتع بإمكانياتٍ لوجستية عالية جداً، مطار، فنادق، اسم عالمي سياحياً، وتعتبر أكبر متحف مفتوح في العالم.
وماذا عن ميزانية المهرجان ؟
حصلنا على خمسين بالمئة من وزارة الثقافة “المركز القومي للسينما ـ صندوق التنمية الثقافية”.
وعشرين بالمئة من وزارة السياحة، وخمسة بالمئة من وزارة الخارجية، والباقي من محافظة الأقصر، والمجلس القومي للشباب.
وكيف يتمّ العمل الإداري، والفني ؟
هناك إدارةٌ فنية مكوّنة من مستشارين : سمير فريد، خالد يوسف، هند صبري، سعد هنداوي……
الإدارة الفنية موزعة على كلّ المُستشارين، نحن نعمل كفريق عمل جماعيّ.
وكيف تحددون “الفيلم الأفريقي” ؟.
هو الفيلم الذي تدور أحداثه في أفريقيا بغضّ النظر عن جهة الإنتاج، ولكن من الضروري أن يكون المخرج أفريقيا.
وماذا عن أفلام لمخرجين أفارقة تدور أحداثها خارج أفريقيا.؟
في الدورة الثانية سوف نُخصص برنامجاً بعنوان “أفريقيا خارج الوطن”، كما نفكر بتنظيم “سوق للفيلم الأفريقي”.
كم فيلما وصل إلى إدارة المهرجان ؟
وصلنا 210 فيلما طويلا، تسجيلية، قصيرة، وتحريك، وهناك لجنة مشاهدة تشاهد كلّ الأفلام.
نسعى بأن يشارك أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية، وفي بعض الحالات كنا نتغاضى عن المُستوى.
وكانت الترجمة، إنكليزي، فرنسي، إحدى المشاكل الرئيسية للمهرجان.