يعرض حالياً: الرقابة الذاتية على “رقابة” لم تنفع

محمد رُضا

فيلم «المراقبة» هو كوميديا مع خيط من الخيال العلمي، بالمعنى الواسع للكلمة، يقوم على فكرة وجود مخلوقات فضائية حطّـت في الحي الذي يعمل ويعيش فيه أبطال الفيلم الأربعة. وهو فيلم جديد تكلّـف شمالي السبعين مليون دولار ويبدو أن إنتاجه تم كما لو أن الشركة المنتجة (فوكس) تحوّلت، ساعة الموافقة على السيناريو الهزيل الذي كتبته عصبة من أربعة، إلى جمعية خيرية يهمّها أن يكسب صانعو الفيلم، وراء الكاميرا وأمامها، بضعة ملايين من الدولارات.
طبعاً الوضع لم يكن كذلك، كان أخطر: هناك عقول لا تفهم في السينما تعمل فيها وبعضها مزروع في المكاتب التي تتّـخذ القرارات: ما الذي يتم إنتاجه وما لا يتم إنتاجه، وهذا الفيلم توسّم له البعض أن لا يفشل: أربع ممثلين، بينهم ثلاثة نجوم، لكل منهم شغله السابق في نطاق السينما الكوميدية هم بن ستيلر وجونا هيل وفينس فون… فلماذا يجب أن تعتقد فوكس، او سواها، أنه سيخسر.
لكن الفيلم خسر، وخسر بشدّة. ضاعت الملايين السبعون وإذا ما كان هناك ذكي واحد في الاستديو الذي أضاء النور الأخضر لهذا المشروع، فإن عليه أن يدرك الخطأ الذي وقعت فيه الشركة حين أجازت سيناريو يقوم على فكرة محشوّة بالعبارات النابية والمواقف الأقل إثارة من متابعة شاشة تلفزيونية معطوبة.
لكن خسارة الفيلم، للأسف، قد يكون لها جانب آخر غير الفيلم ذاته والأرجح أنه سبب إضافي حتى وإن لم يكن أوّل. فقبل شهرين وقعت حادثة قتل أثارت الرأي العام الأميركي:
جورج زيمرمان كان يحمل بندقيّته عندما لاحظ فتى أسود (لاحقاً ما أعلن أسمه) يتصرّف على نحو “مثير للشبهة”. جورج زيمرمان قرر أن يلاحق الصبي كونه، أي جورج زيمرمان، مكلّف من أهل الحي في مدينة سانفورد في فلوريدا، بالمراقبة. الوضع الإقتصادي، على ما هو مؤكّـد، دفع البوليس لتقليص وجوده في بعض المناطق، خصوصاً تلك التي عليه أن يتواجد فيها أكثر من سواها، ما يثمر عن قيام أهل الحي بمراقبة الحي. وجورج كان، بدافع الغيرة على أهل حيّة، او لأنه أبيض والصبي أسود، او لأي سبب آخر، انطلق وراء الصبي ثم أطلق عليه النار. حين ألقى البوليس القبض عليه قال  زيمرمان أنه كان يدافع عن نفسه لأن ترايفون مارتن، الفتى الأسود، هاجمه.  قصّـته هذه مليئة بالثقوب وهو الآن ينتظر انعقاد المحكمة من جديد ولو أن القرار لا يبدو سيصدر قبل العام المقبل وذلك لإجراء التحقيقات اللازمة.

                                                            أربع ممثلين والفيلم الرديء واحد

علاقة تلك الحادثة بالفيلم واضحة: أبطال هذا الفيلم الرديء (بالحادثة او بدونها) هم أيضاً أعضاء في مجموعة متطوّعة لحراسة الحي. بعض أبطال الفيلم ينخرطون في هذا العمل كوسيلة للهروب من  زوجاتهم والرابع (ستيلر) هو مدير متجر قريب لا يزال يجر قدميه في الحياة من دون هدف (تماماً كالفيلم). لكن ما يكتشفونه خلال ذلك أن الخطر المحتمل ليس آتياً من عصابات مسلّحة، بل من الفضاء، ذلك أنه- وبفعل الصدفة- يدرك الرجال أن الحي مُـداهم من قِـبل مخلوقات فضائية ما يستوجب الدفاع عنه فعلاً.
على الرغم من أن العدو ليس بشراً، لكن الخط متشابه والعنوان السابق «مراقبة الجيرة» كان تأكيداً على ذلك التشابه. وما يؤكد وجود هذا التشابه هو الحذر الذي ساد الشركة المنتجة، ففي اليوم الثالث لوقوع الجريمة سارعت بسحب ملصقات ومقدّمات فيلم بعنوان «مراقبة الجيرة» Neighbourhood Watch خشية أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الشعور بالعداء لكل ما ينتمي إلى مثل هذا العنوان والوضع الذي يقترحه. هذا على الرغم من أن الفيلم يختلف في مضمونه عن مضمون الحادثة ذاتها. وأقدمت على تأخير عرضه بضعة أسابيع تجنّباً لإثارة المشاعر.
وهي سارعت أيضاً للتأكيد بأن الموضوع يختلف جذرياً عن القضيّة الإجتماعية التي حدثت في سانفورد، فلوريدا، لكنها تشعر مع المواطنين الذين قد يعتبرون أن عرض هذا الفيلم في مثل هذه الظروف يتضمّـن قدراً من اللا مسؤولية.
طبعاً الواقع أيضاً هو أنه إذا ما قرر الجمهور أن الفيلم سيذكّرهم بالمشكلة العنصرية القائمة تبعاً لذلك الحادث، فإنهم سيعرضون عن الفيلم مما سيعني خسارة تجارية أكيدة. الفيلم مقرر لعرض في الشهر السابع من العام، والغالب أن فوكس لن تسحبه من ذلك التاريخ (الا إذا تفاعلت الأزمة) بل ستخفف من درجة الإعلان عنه في الأيام القليلة المقبلة.
هذا النوع من  الرقابة الذاتية عرفته السينما من قبل. حين أقدم الممثل (الراحل) فرانك سيناترا على اقتراح سحب فيلم «المرشّح المنشوري» (1962) من العرض مباشرة بعد اغتيال جون ف. كندي كونه يتحدّث عن محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الأميركي قنصاً.
وفي العام الماضي تقرر عدم عرض فيلم كلينت ايستوود «من الآن»، الذي يصوّر إعصاراً هائلاً يقع في جنوب شرق آسياً، وذلك تضامناً مع ضحايا الزلزال الكبير الذي ضرب اليابان حينها. لكن كلا هذين الفيلمين كان جيّداً. نقطة مبهرة كل في محيطه، على عكس هذا الفيلم الذي كان يجب إعدامه من قَـبل أن ير النور.


إعلان