نزهة صيفية في أفلام الموسم
الصيف، يقولون لك في هوليوود، هو الموسم الذي يرفع الفيلم او يهوى به. موسم يتم فيه حشد الأفلام التي تتوجّـه إلى كل الفئات معاً، أو- على الأقل- للفئة الأكبر حجماً من المشاهدين وهي فئة الباحثين عن الترفيه الكبير.
وهو موسم مبتكر.
إلى منتصف السبعينات، كانت صالات السينما- عصر ما قبل المولات- تكتفي بعروض مكررة لأفلام سابقة تمّ إطلاقها في العام ذاته او في الأعوام السابقة. وهذا التقليد كان له سبب: في ذلك الفصل الحار، جرى الاعتبار، فإن همّ الناس هو الرحلات والسياحة والبحر. أما الاختباء وسط جدران صالة معتّـمة فإن هذا ليس وارداً. ولم يكن الأمر وقفاً على هوليوود. المفهوم ذاته كان مطبّقـاً من بيروت إلى باريس ومن بغداد وتونس إلى ريو دي جينيرو وجوهانسبيرغ.
في العام 1975 حدث طارئ جديد، اسمه ستيفن سبيلبرغ، بتغيير المعادلة. فكك الرموز المتداولة وحث شركة يونيفرسال على إطلاق فيلم معاد للسياحة وللبحر عنوانه Jaws (وسمّي عندنا بـ “الفك المفترس”) في عز الصيف. وبالفعل قامت الشركة بدفعه إلى صالات السينما في العشرين من حزيران/ يونيو من ذلك العام وتجاوبت معها البرازيل والأرجنتين فعرضته الأولى في السابع من تموز/ يوليو والثانية في الحادي والثلاثين من ذلك الشهر. لكن دول العالم الأخرى انتظرت موعد الفصل الشتوي وعرضته البرتغال في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1975 ثم كرّت المسبحة لتشمل استراليا واليابان وبريطانيا والسويد وإسبانيا وهونغ كونغ والدنمارك وذلك في الأسابيع الممتدة من اكتوبر إلى كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام. أما فرنسا فعرضته في الأول من الشهر الأول من العام التالي.
في لبنان لم يكن سهلاً عرضه لا في الصيف ولا بعده إذ اندلعت الحرب الأهلية في ذلك الحين ولم يصل الفيلم ولا سمكة القرش التي فيه إلى الشواطئ اللبنانية بل وصلت رصاصات القتل إلى صالات السينما أولاً كونها ترمز إلى لقاء الأديان والناس إذ يدخل المسلم او المسيحي إليها فينصهر فيها لساعتين قبل أن يعود إلى ما كان عليه.
بالنسبة لي، أنا الذي اعتبرت أن الهرب هو “ثلثي المراجل” كما يقول المثل، شاهدته على متن البارجة الحربية الأميركية التي أجلتني مع رعايا أجانب بعدما تسللت إليها بواسطة صديق أرمني كان يعمل في مركز “جون ف. كندي” الذي تم تدميره أيضاً على أساس أن الوطنية تعني الانغلاق على الذات. في الليلة الأولى من ليلتين على متن البارجة التي غادرتها في أثينا تم عرض هذا الفيلم أمام جنود البحرية. وبينما كانوا يستمتعون بحرب البشر ضد السمكة المفترسة، كنت صامتاً في ركني “المدني” بينما لم يأبه معظم الغربيين الهاربين من أتون الحرب المبكر للفيلم وفضّلوا النوم باكرين.
المهم هو أن نجاح الفيلم في الصالات الأميركية الذي كان مفاجئاً، غيّر طريقة تعامل هوليوود مع الصيف وذلك تبعاً لاستجابة الجمهور الكبير لفيلم يحذّرهم من مغبّـة النزول إلى الشواطئ لأنه ليس معروفاً متى تخرج سمكة قرش باحثة عن غداء او عشاء. الحقيقة أن أحد أسباب تحفّظي على الفيلم يكمن في أنه دفع، برسالته تلك، العديد من الصيادين للبحث عن أسماك القرش وقتلها على سبيل إثبات أن الرجل ذي العقل الفارغ أفضل من السمكة حتى ولو لم تهاجمه. والعديد من أسماك القرش لا تهاجم عبثاً ولم يتم تسجيل أن سمكة قرش واحدة في ذلك العام وفي العام الذي تلاه هاجمت سابحاً على الشواطئ الأميركية، سواء أشاهدت سمكة القرش الفيلم المعادي لها أو لم تشاهده..!
منذ ذلك الحين والصيف هو مكَـب الإنتاجات الكبيرة والأمر يحتاج إلى كتاب، وليس إلى مقالة لاستعراض فصول الصيف من ذلك التاريخ وإلى اليوم وما عرضته. الأجدى إذاً النظر إلى ما تم عرضه فعلاً هذا الصيف وكيف تم استقباله وتصنيفه.
كبداية، ونظراً لنجاح مواسم الصيف تم توسيع رقعة الفصل ليبدأ من الربيع، ففي أيار/ مايو من كل عام ينطلق السباق وهذا ما حدث هذا العام. الشهر المذكور شهد عروض أربعة أفلام جماهيرية القصد والنيّـة هي فيلم الكوميكس «المنتقمون» The Avengers [إخراج جوس ويدون مع روبرت داوني جونيور ومجموعة كبيرة من الأصحاب]، «ظلال داكنة» [لتيم بيرتون مع جوني دب]، «سفينة قتال» او Battleship [بيتر بيرغ- تايلور كيتش] ثم «رجال في الأسود 3» [باري سوننفيلد وبطولة ول سميث، تومي لي جونز وجوش برولين].

أفضل هذه الأفلام هو «المنتقمون» وهو أكثرها رواجاً إذ جمع عالمياً بليون و450 مليون دولار. بينما تبوّأ «رجال في الأسود 3» 608 ملايين دولار، وسجل «سفينة قتال» 302 مليوناً وتبعه «ظلال داكنة» بـ236 مليون دولار.
في الشهر التالي، توسّم «بيرانا 3DD» (إخراج جون غولاغر) إذهال المشاهدين بحكاية مائية أخرى. لم يكن شريره الأول، وهو سمكة البيرانا المفترسة، بحجم سمكة القرش لكنها كانت، حسب الفيلم، أكثر فتكاً منها وذلك على الصعيد البصري فقط أما من حيث الإقبال فكان أشبه بسمك السردين إذ جمع أقل مما تكلّـف (إيراداته الأميركية لم تصل إلى نصف مليون دولار). الأكبر حجماً منه كان «سنو وايت والصياد» حيث تشارليز ثيرون لا تكتفي بجمالها بل تريد الإستيلاء على جمال غيرها. الفيلم من إخراج روبرت ساندرز أنجز إيراداً محترماً خارج الولايات المتحدة (316 مليوناً) أما داخل أميركا فإنه زحف ليسجل 62 مليون دولار أي ثلث كلفته.
الأقوى شأناً كان «برومثيوس» لريدلي سكوت، لكن بشكل نسبي. الفيلم الذي تكلّـف 130 مليون دولار لصنعه أنجز بجهد، وبفضل السوق الخارجية،303 ملايين دولار. وكان أقل قيمة فنية مما كان منتظراً منه. لكن الجمهور لم يتوجّـه بعيداً عنه بسبب تلك القيمة، بل لأن السوق كان مكتظاً بأفلام أخرى من بينها تحويل الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن إلى صياد مصاصي دماء في فيلم يحمل العنوان ذاته حققه الروسي تيمور بكمامبيتوف، ومنها أيضاً مهزلة موسيقية بعنوان «عصر الروك» نفّذه واحد باسم أدام شانكمان ثم منها فيلمي أنيماشن كل منهما يحاول أن يبز منافسه لكن لم يكن من بينهما ما يستحق عناء اصطحاب الصغار إليه: “مدغشقر 3″، “شجاعة”.
أفضل أفلام الشهر كانت «بل آمي» [دكلان دونللان ونك أورمرود] الذي لم ينل ثقة غالبية النقاد الأجانب و«إلى روما مع الحب» [وودي ألن]. الذي فعل العكس.
بالوصول إلى شهر تموز/ يوليو فإن أول المتزحلقين صوب هاوية الخسارة كان فيلم أوليفر ستون «متوحشون» وكان يستحق ذلك. على كل حال لم يكن أحد ينتظر منه أن يشق غباراً، والانتباه كان مشدوداً صوب فيلمين «سبايدر مان المذهل» [مارك وب] وهذا سجل حتى الآن 305 مليون دولار عالمياً، و«صعود الفارس الداكن» [كريستوفر نولان] الذي سيتبوأ بلا ريب إيرادات الصيف وبل ربما العام بأسره إذ هو جمع حين انطلق 161 مليون دولار أميركياً وقرابة 200 مليون دولار عالمياً وآخر أرقامه تتجاوز الـ 600 مليون بقليل ولا يزال في أسبوع عرضه الثالث.
كون معظم بقاع العالم العربي منيعة عن التأثير سلباً او إيجاباً على نتائج موسم الصيف، يجعلها بمنأى عن البحث عمّـا جلب النجاح الأكبر بين ما تم ذكره. لكن مدن العالم العربي منيعة عن التأثير بالسلب او الإيجاب لكل فصول السنة ما يجعلها تماماً خارج الاعتبار. لكن بقي من الصيف شهر واحد تزيّنه ثلاثة أفلام رئيسية ونحو خمسة عشر فيلماً جانبية. الأفلام الرئيسية هي «المستهلكون 2» The Expendables 2 الذي يقوده سلفستر ستالون إخراجاً وتمثيلاً، و«بورن 4» [بول غرينغراس] وهو جزء من مسلسل تم تجربته ثلاث مرّات من قبل بنجاح، و«توتال ريكول» [لن وايزمان] وهو إعادة صنع وليس إعادة عرض، للفيلم الذي مثّله أرنولد شوارتزنيغر وتم عرضه -في صيف- 1990