“القوافل الوثائقية” تحيي ذكرى تجارة الرقيق
وسيم القربي – تونس
تواصل القوافل الوثائقية مسيرتها لتزور العديد من المدن التونسية، وقد اختارت أن يحطّ بها الرحال هذه المرّة في مدينة بنزرت “عاصمة الجلاء” وذلك بتنظيم من جمعية بنزرت للسينما وتنسيق من السينمائي المختصّ في التوثيق هشام بن عمار. وسيحتضن حصن “غار الملح” في الفترة الفاصلة بين 23 و26 أغسطس 2012 عروضا للعديد من الأشرطة الوثائقية ستكون مرفوقة بنقاشات.
مفهوم القافلة السينمائية في تونس الكولونيالية…
تتعرّف القافلة بالمعنى السائد بأنّها تتعلق خصوصا بالإبل من خلال التنقل والسفر حاملة في أغلب الأحيان بضاعة عادة ما تكون محروسة… وقد تمّ تطويع هذا المفهوم سينمائيا من خلال إطلاق تسمية القافلة السينمائية خلال الأربعينيات من القرن الماضي حيث كانت الأفلام تجوب الجغرافيا التونسية لتبهر ساكنيها. كانت كل الانتاجات السينمائية الأجنبية بتونس في عهد الاستعمار تستحضر البلد كديكور وفضاء حيث اقتصر الحضور البشري التونسي على مهمة التمثيل، وكانت أدوارهم في معظمها أدوارا ثانوية لإرضاء التونسيين واستقطابهم غالبا لمشاهدة الأفلام الكولونيالية وإيهامهم بالحضور التونسي في هذه الأعمال. وبالرغم من أنّ استهلاك السينما بتونس في عهد الاستعمار نخبويا لوجود قاعة واحدة في البلاد، إلا أنّه في فترة الأربعينيات تمّ تعميم السينما من خلال ما سمّي بـ”السينما المتجوّلة” التي تجوب مختلف مناطق البلاد لتبدأ عملية نشر ثقافة سينمائية بإنتاجات مقلّة. وقد تمّ سنة 1942 تنظيم أول قافلة سينمائية تونسية تعرض الأفلام في مختلف القرى التونسية، قبل أن يتمّ في وقت لاحق إرساء قاعدة سينمائية من خلال بعث نوادي سينما في العديد من الجهات مثلت فضاء لسينما “قارّة” كتعويض لقاعات السينما الغير موجودة أصلا.

القوافل الوثائقية اليوم بقيادة هشام بن عمار…
يسعى المخرج، الذي خيّر التخصّص في الوثائقي والذي عُرف خاصة بفيلم “رايس البحار” سنة 2002، إلى النهوض بهذا الجنس الإبداعي. فبعد فكرة اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي الذي خيّر الابتعاد عنها لأسباب متعددة، استطاع المخرج الهادئ الاهتداء إلى طريق جديد أسّس له تسمية القوافل الوثائقية التي تهتمّ كليا بنشر الثقافة السينمائية الوثائقية. وقد بدأت هذه القوافل تفرض حضورا وازنا في المشهد السمعي البصري التونسي من خلال ترك أثر إيجابي أينما مرّت، حيث شهدت هذه القوافل نجاحا جماهيريا من خلال زيارتها لمدن تونسية عديدة على غرار تازركة، قبلي، قليبية، منزل بوزلفة، دوز، الكاف… بالإضافة إلى عرض الأفلام فإنّ النقاشات غالبا ما مثلت نقطة بارزة للتواصل مع الجمهور المتعطّش لصورة قريبة منه ومن قضاياه. يبقى التحدي كبيرا مثلما يؤكده المخرج هشام بن عمار رفقة فريقه المصغّر ويبقى البحث متواصلا عن جهات داعمة لهذا المشروع الثقافي من أجل تذليل الصعوبات ومواصلة تقريب الجمهور من الصورة التي تعكس ذاته عبر طرح دوري لمحور معيّن لهذه القوافل حسب توقيت عروضها ومدى تزامنها مع أحداث وطنية أو دولية.
إحياء ذكرى تجارة الرقيق من 23 إلى 26 أغسطس بحصن “غار الملح”
تنعقد القوافل الوثائقية هذه المرّة في حصن “غار الملح” بتنظيم من هشام بن عمار وجمعية بنزرت للسينما في الفترة ما بين 23 و26 أغسطس وذلك بمناسبة اليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وذكرى إلغائها حيث يعود بنا التاريخ إلى الليلة الفاصلة بين 22 و23 أغسطس 1791 كذكرى ثورة سان دومينجو (هايتي) التي كانت أول نصر حاسم للعبيد على سادتهم في تاريخ البشرية. وسيتمّ كلّ ليلة عرض فيلم يكون متبوعا بحصة نقاش وتفتتح العروض بفيلم “كيمادا” الذي أخرجه “جيلو بونتيكورفو” سنة 1968 وكان من بين الممثلين الراحل “مارلين بروندو”، وتروي قصة الفيلم تحريض “وليام ولكر” في جزر “الأنتي” على انتفاضة العبيد السود لينتهي الأمر بتنصيب حاكم من أصل مختلط. كما سيتم عرض فيلم “أول اتصال” لـ “بوب كونولي” و”روبين أندرسون” سنة 1982، ثمّ فيلم “غوري، جزيرة جدي” للمخرج التونسي الطيب الوحيشي، ثم “آميستاد” لـ “ستيفن سبيلبارغ” سنة 1997 و”الآميستاد” هو قارب إسباني يحمل عبيدا من إفريقيا سنة 1839 حيث تدفعه عاصفة هوجاء إلى شواطئ كوبا أين يتحرّر العبيد ويقتلون جلاديهم ويجبرون الربّان بالعودة بهم على إفريقيا، غير أنّه يستغلّ جهلهم بالخارطة ليتجه بهم إلى القارة الأمريكية…

وتختتم هذه الأيام السينمائية بعرض فيلم “كوبرا الأخضر” لـ “فرنر هرزوغ” من ألمانيا والذي تمّ إخراجه سنة 1987 ويدوم 110 دقيقة.
تبقى هذه الذكرى مناسبة للاحتفاء بإلغاء العبودية التي لطالما عانت منها شعوب ذنبهم الوحيد العرق أو اللون… ويبقى صدى كلمات الرّق السابق “وليام برسكوت” وكلماته الشهيرة: “سيتذكرون أنهم باعونا ولكن لن يتذكروا أننا كنا أقوياء. وسيتذكرون أنهم اشترونا ولكن لن يتذكروا أننا كنا شجعانا”.
كما تبقى تجربة القوافل الوثائقية تجربة رائدة وقابلة للتطوير، غير أنّ القوافل الحاملة للأفلام والتي يحرسها هشام بن عمار من المهمّ أن تتوجه إلى المناطق القاحلة، هناك أين لا تتوفر شاشات العرض عوضا عن العروض في المدن الكبرى… فلعله من الأولى أن تتجه القوافل إلى “الجغرافيا المنسيّة” على حدّ تعبير الدكتور حميد تباتو، هناك ستكون حتما رسالتها فاعلة بعيدا عن مفهوم التجارة الذي بدأ يهيمن على ذهنية صنّاع السينما في تونس.