مهرجان الهواة بقليبية: ثقافة المقاومة وحُرقة العشق

وسيم القربي – تونس

تنعقد الدورة السابعة والعشرين للمهرجان الدولي لفلم الهواة بمدينة قليبية التونسية انطلاقا من 26 أوت الجاري إلى غاية الأول من سبتمبر، حيث تتواصل الاستعدادات حثيثة من أجل إنجاح هذه الدورة الاستثنائية التي تتزامن مع خمسينية الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة وسط تحديات ورهانات متعددة…

السينما المطمورة/ السينما المقموعة
يعتبر المهرجان الدولي لفلم الهواة من أعرق المهرجانات العربية والإفريقية على الإطلاق، حيث يتواصل انعقاده منذ سنة 1964. وقد تبلورت الفكرة الأولى لتأسيس جمعية الشبان السينمائيين التونسيين عندما حضر حسن بوزريبة صحبة ثلة من أصدقائه عرضا لشريط “صفحة من تاريخنا” لعمار الخليفي سنة 1961، ومن ثمّة تجسّم هذا المشروع الثقافي وتطوّر لينصهر ضمن أسس المشروع الفكري الذي تمّ إرساؤه في تونس الاستقلال. وقد اهتمّ التوجّه السينمائي لجامعة الأندية السينمائية إلى نشر الثقافة السينمائية وإنباتها في العديد من المناطق في الجمهورية عبر سياسة بعث النوادي.
ساهمت حركة السينمائيين الهواة ومهرجان قليبية في التكوين السينمائي الجاد للشباب المولعين بهذا الفنّ الجديد آنذاك وأثمرت التجربة ولادة العديد من السينمائيين والنقاد التونسيين ونذكر على سبيل المثال رضا الباهي وفريد بوغدير وسلمى بكار وكمال بن وناس… كما كان مهرجان قليبية فرصة لاكتشاف مواهب برزت لاحقا في السينما العالمية ونذكر منها “ناني موريتي” من إيطاليا و”دياغو ريسكاث” من فنزويلا و”شايلا غرابر” من بريطانيا، كما زار المهرجان العديد من السينمائيين العالميين على غرار “يوسف شاهين” و”مارك فارو” و”ميشال خليفي” و”غاستون كابوري” و”بابلو سيزار”…

                                     بابا ديوب من التحكيم

استطاعت حركة السينمائيين الهواة من مقاومة العراقيل السياسية التي كانت تستهدف توجهاتها الفكرية والإبداعية، ورفضت الحياد عن مبادئها الثقافية والنضالية محافظة بذلك على هويتها وانتسابها بالرغم من محاولات تدجينها وقمعها.
غير أنّ هذه السينما الهاوية شكلت في أغلب الأحيان سياقا مناهضا لسينما تجارية افتقدت في الكثير من الأحيان لعفويتها الإبداعية وسط حسابات ربحية أفقدت الصورة بريقها الصادق.

برنامج الدورة
يستضيف المهرجان هذه السنة أكثر من 300 ضيف من تونس وخارجها، بالإضافة محبي السينما من مدينة قليبية والذين يغصّ بهم مسرح الهواء الطلق في مشهد يدلّ على قيمة المهرجان وعراقته. ويشارك في هذه الدورة أفلام من الأرجنتين وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وأرمينيا وتركيا وإيران وفلسطين وسوريا والأردن ولبنان ومصر والمغرب والجزائر وبوركينافاسو بالإضافة إلى البلد المنظم تونس.
يحتوي المهرجان على ثلاث مسابقات رئيسية وهي على التوالي:
– المسابقة الدولية: وتتكون لجنة التحكيم من “بابا ديوب” رئيس جمعية النقاد السينغاليين ورئيس الجامعة الإفريقية للنقد السينمائي، و”شفيع آغي محمديان” مدير مركز تطوير السينما الوثائقية والتجريبية بإيران، والمسرحية التونسية “جليلة بكار”، والفرنسي “دومينيك ولون”، والمخرج المغربي عادل الفضيلي.
– المسابقة الوطنية: تتكون لجنة التحكيم من مدير التصوير محمد المغراوي والفوتوغرافي زكريا الشايبي والأستاذة الجامعية صوفيا حواص.
– مسابقة مدارس ومعاهد السينما: وتضمّ كلا من مساعد المخرج منير بعزيز والمسرحية ربيعة بن عبد الله والمصمم رضوان العرقي.
– بالإضافة إلى جائزة الجمعية التونسية للنهوض بالنقد السينمائي.
كما سيتم في إطار السياسة التكوينية إطلاق ورشتين تهتمّ الأولى بالفيلم الوثائقي الإبداعي ويؤمنها المخرج وليد الطايع، في حين يؤطر ورشة أفلام التحريك الأستاذ زهير محجوب.

تحتفي هذه الدورة بخمسينية الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، وحفاظا على طابعها النضالي فإنها تخصّص سهرة خاصة لفلسطين تضامنا مع القضية الفلسطينية من خلال عرض أفلام لمخرجين شبان من غزة.

                                                      من الندوة الصحفية

من أجل ممارسة ثقافية جادّة…
يبقى لسينما الهواة طعم خاص بنجاحاتها وإخفاقاتها… ولعلّ هذه الدورة، التي يؤمنها شباب تربّى على عشق هذه السينما بعد عزوف شيوخها وتحديات شبابها، تكون قادرة على تجاوز هنّات الدورات السابقة. غير أنه وبالرغم من الترفيع في حصة الدعم المقدّم إليها من طرف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث تبقى مثقلة بالإشكاليات التي يسعى مدير المهرجان/الطالب “خليل القبجي” وفريقه إلى تجاوزها من أجل دورة تساير رياح الثورة.
إنّ السينما في تونس اليوم تفرض تغييرا عميقا يقطع مع الماضي، وذلك من خلال الالتزام بتفكير جدي يغني المشروع السينمائي الوطني ويبتعد عن بؤس الصور والمحسوبية والتجارة السينمائية المتوحشة… ولئن كان تغيير الهيكلة الثقافية والسياسة الإبداعية يتطلب بعض الوقت لاجتثاث المتمعشين، فإنّ مهرجان قليبية للسينمائيين الهواة مطالب أكثر من أي وقت مضى بإنضاج مشروعه واستثمار مناخ الحرية والارتكاز على الأسس الجمالية والفكرية قصد تطويره. على هذا الأساس فإنّ التجديد وإثراء المهرجان بات ضرورة ملحّة من أجل فاعلية سينما الهواة لتخرج من التهميش الذي ساير تاريخها ولتزيد من تأجيج حُرقة العشق لهذه السينما… المطمورة.


إعلان