الأغاني في السينما الهندية فترة الستينيّات
صلاح سرميني ـ باريس
هذه محاولة مُتواضعة في تحليل المُفردات الجمالية لبعض أغاني أفلامٍ أُنتجت خلال عقدٍ من تاريخ السينما الهندية (1961- 1970)، وهي تُكمّل قراءةً سابقةً بعنوان “وظائف الأغاني في السينما الهندية”.
وقد إقتطعتُ هذه العينات من سياقاتها الدرامية في الأفلام التي ظهرت فيها، وشاهدتُها كوحداتٍ فنية قائمة بذاتها.
تتشارك معظم أغاني الأفلام الهندية في تلك الفترة بالمُبالغة الواضحة في التعبير عن المشاعر، الأحاسيس، والعواطف، حيث نجد البطل المُغرم على إستعدادٍ بأن يفعل المُستحيلات من أجل إرضاء حبيبته، أو كسب ودّها، وهو ما نُشاهده بطرافةٍ في الأغنية الشهيرة (Mere Sapnon)من فيلم (Aradhana) ـ إنتاج عام 1969، وإخراج “شاكتي سامانتا” ـ .
الصديق يقود سيارةً مكشوفة، وبجانبه “راجيش خانا” يغني لحبيبته “شارميلا طاغور” الجالسة في إحدى عربات قطار صغير ينتقل على مهلٍ بين قرى المنطقة التي تدور فيها الأحداث، تكشف إيماءاتها عن دهشةٍ مُصطنعة، تُخبئ إعجاباً مُغلفاً بقليلٍ من الخجل المُحبب.
وكما حال أغاني كثيرة أخرى، يتكوّن البناء السينمائيّ من مزج لقطاتٍ خارجية للحبيب، وصديقه في سيارةٍ تتابع المسيرة البطيئة لقطار تمّ تصويره من بعيدٍ في مشاهد خارجية، تتشابك مونتاجياً مع لقطاتٍ للحبيبة جالسةُ في إحدى العربات تمّ تصويرها في ديكوراتٍ داخلية مع إستخدام نظام “العرض الخلفيّ” يكشف عن مناظر طبيعية مرئية من النافذة.
في تلك الأغنية المُكلفة إنتاجياً بحسابات ميزانيات تلك الفترة، يتضح الجهد السينمائيّ في تنويع زوايا التصوير، حركات الكاميرا، وأحجام اللقطات، كما تُعتبر واحدةً من “أغاني الطريق” في الأفلام الهندية، التي تسمح بتقديم جغرافيا سينمائية متنوّعة، تجذب المتفرج، وتُزيد من جرعة أحلامه.

أغنية (Bol Radha Bol) في الفيلم الشهير (Sangam) ـ إنتاج عام 1964، وإخراج “راج كابور” ـ تمّ تصويرها في الطبيعة مع الحفاظ على وحدةٍ في الزمان، والمكان، الحبيبة “فايجايانتيمالا” تعوم في أحد الأنهار، والحبيب”راج كابور”(شارلي شابلن السينما الهندية) يجلس فوق شجرة عالية، يحتفظ بملابسها، يعزف على آلة القربة، ويغني لها، هي تتفاجئُ به، ولكننا نشعر بأنها راضيةً، وسعيدة في أعماقها، حتى وإن أظهرت بعض التذمرّ، وإنحصر همّها بإيجاد وسيلة لإستعادة ملابسها.
اللقطات هنا ثابتة، تخلو تقريباً من حركات الكاميرا، ما عدا “الزوم” الشائعة الإستخدام في تلك الفترة من تاريخ السينما الهندية.
وتُعتبر الكاميرا الثابتة إستخداماتٍ شائعة في أغاني تلك الفترة، ورُبما لم يكن المخرجون يرغبون بذل جهوداً إضافية تحتاج إلى وقتٍ، ومال.
لا تخفي الأغنية شهوانيةً مشتركةً بين العاشقيّن، تنعكس على الجمهور الذي ينتظر بشغفٍ خروج “شارميلا طاغور” من الماء بملابس سباحة حمراء مُبللة، تُظهر تقاطيع جسدها الفاتن، وسوف تتوقف الإثارة عند ذاك الحدّ الذي كانت الرقابة الهندية تتسامح معه.
في الطبيعة أيضاً، وبالقرب من أحد الأنهار، يُمتعنا “شامي كابور” في أغنية (Aye Gulbadan) عندما يغازل حبيبته “كالبانا” في فيلم (Professor) ـ إنتاج عام 1962، وإخراج “ليخت اندون” ـ هو أقلّ حركةً، وينتقل المونتاج من لقطةٍ ثابتة إلى أخرى مع حركات كاميرا قليلة، ولكن، يبدو المخرج هنا شغوفاً بحركات “الزوم”.
في تلك الأغنية، تُشارك الصديقات رقصاً، كان الرقص ـ في الستينيّات ـ من نصيب النساء، ويكتفي الرجال بحركاتٍ، وإيماءاتٍ مدروسة.
وهكذا تتوالى الطبيعة في أغنياتٍ أخرى، حتى وإن تمّ التصوير في ديكوراتٍ داخلية : منطقة جبلية، شلالاتٍ، وبركة ماء،… كما الحال في أغنيةٍ بالأبيض، والأسود (Begaani Shaadi) بين الثنائيّ “راج كابور”، و”بادميني” من فيلم (Jis Desh Men)، ـ إنتاج 1960، وإخراج “رادو كارماكار” ـ
وفي أغنية (Baharon Phool) من فيلم (Suraj) ـ إنتاج عام 1966، وإخراج “ت. براكاش راو” ـ.
سوف نشاهد طبيعةً تمّ تصويرها في ديكوراتٍ داخلية حتى وإن كانت حدائق متخيلة من عوالم ألف ليلة، وليلة.
كانت الأغاني، بشكلٍ عامّ، تحافظ على وحدة الزمان، والمكان، ولا تتبارى الشخصيات في تغيّير ملابسها كما في الأغنية بالأبيض، والأسود (Bekaraar Karke) من فيلم (Bees Saal Baad) ـ إنتاج عام 1962، وإخراج “هيمانت كومار” ـ التي تمّ تصويرها في الطبيعة، وأماكن أثرية، وفيها أيضاً يتأكد بأنّ الخجل هو الطابع الغالب على ردود أفعال البطلات العاشقات، وهي العلامة الأجمل تعبيراً عن مشاعرهنّ تجاه الأبطال العاشقين.
وفي الأغنية الطريفة بالأبيض، والأسود (Jhoome Re) من فيلم (Jhumroo) ـ إنتاج عام 1961، إخراج “شنكار موخرجي” ـ تحافظ الأغنية على وحدة الزمان، والمكان، الطبيعة في ديكورٍ داخلي، ولن نستغرب الظهور المُفاجئ لمجموعةٍ من الراقصات، والراقصين يُضفون على الأغنية بهجةً، ونشاطاً.

وفي أغنية (SO SAAL PEHLE) بالأبيض، والأسود من فيلم (jab pyar kisise hota hai) ـ إنتاج عام 1961، وإخراج “ناصر حسين” ـ تحافظ بدورها على وحدة الزمان، والمكان، طبيعةٌ في مناظر خارجية، ومونتاج لقطاتٍ ثابتة ماعدا ذاك الغرام بحركات “الزوم” إلى الأمام، أو الخلف.
وفي الأغنية الحزينة (Khilona Jan Kar ) من الفيلم االملون (Khilona) ـ إنتاج عام 1970، وإخراج “شاندر فوهرا” ـ وحدةٌ في الزمان، والمكان، والملابس، غرفةٌ فوق السطح تمّ تصويرها في ديكور داخلي.
في أغنيةٍ بالألوان (Main Hoon Saaki) من فيلم (Ram Aur Shyam) ـ إنتاج عام 1967، وإخراج “تابي شاناكيا” ـ مزجٌ بين المشاهد الداخلية، والخارجية، الحبيبان (ديليب كومار ، وحيدة رحمن) يركبان سيارةً في نزهةٍ غرامية، تكوّنت الطبيعة هنا من مشاهد خارجية، وأخرى داخلية تمّ تصويرها في ديكور، ويتخيّر البناء السينمائي لهذه الأغنية تبديل الأماكن، والملابس مع أنّ الأحداث تجري في فترةٍ زمنية محددة.
الطبيعة أيضاً في أغنيةٍ بالأبيض، والأسود (Saiyan Chhod) من فيلم (Rakhi) ـ إنتاج عام 1962، وإخراج “أ. بيمسينغ” ـ
وفي فيلم (Aap Ki Parchhaiyan) ـ إنتاج عام 1964، وإخراج “موهان كومار” ـ أغنية (Agar Mujhse) بالأبيض، والأسود في وسط حقلٍ من الأزهار، تجمع “دارمندرا”، و”شاشيكالا” في لقطاتٍ كبيرة، بالتبادل مع أخرى متوسطة، الكاميرا ثابتة، وهما لا يتحركان كثيراً، ولقطةُ إعتراضيةٌ للغيوم في السماء تُستخدم غالباً للربط مونتاجياً بين اللقطات.
بينما ترتكز الأغنية بالأبيض، والأسود (Phool Tumhe) من فيلم (Saraswatichandra) ـ إنتاج عام 1968، وإخراج “غوفيد ساراييا” على بناءٍ سينمائيّ لطيف، وفيها يتبادل الحبيبان (نيتان، ومانيش) الرسائل بطريقةٍ مبتكرة تعتمد على مونتاج متوازٍ بينهما، هي في منزلها الفاخر، وهو بجانب شاطئ البحر، ومن ثمّ في حديقة، يقرأ كلّ واحدٍ منهما رسالة الآخر غناءً.
لم تكن كلّ أغاني أفلام تلك الفترة مقتصرةً فقط على الغزل، الحبّ، والرقص، كان الكثير منها يشذّ عن تلك القاعدة، وسوف تكون أغنية (Chahoonga Main Tujhe) بالأبيض، والأسود من فيلم (Dosti) ـ إنتاج عام 1964، وإخراج “ساتين بوس” ـ حالةً خاصة في هذه القراءة.
“موهان” (سودير كومار) شابٌ أعمى فقد بصره في حادثة، يمشي في طريقٍ طويل من مكانٍ إلى آخر، يغني أغنيةً حزينة تُجسّد حالة التشرّد التي يعيشها (أغنية طريق).
الطريف، بأنه قد تخطى عدد من شاهدها في “موقع يوتيوب” أكثر من مليون، و300 ألف شخصاً، بينما وصل عدد مشاهدي الأغنية الحزينة (Khilona Jan Kar ) من الفيلم االمُلون (Khilona) إلى حوالي مليون متفرج، ويكشف هذا الرقم الضخم مقارنةً مع أرقام مشاهدة كلّ الأغنيات المُشار إليها في هذه القراءة ولع المتفرج الهندي (وجنسياتٍ أخرى) بمشاهد الحزن التي تُتقن الأفلام الهندية إبداعها، كما تعكس ـ رُبما ـ حالةً إجتماعيةً، إقتصاديةً، ونفسيةً، وتماهي مع عذاب الشخصيات، وأيضاً فرصةً مناسبة للبكاء الفرديّ، أو الجماعيّ في صالةٍ مظلمة.

بدورها، تُعتبر اللقطات الكبيرة للشخصيات الرئيسية إحدى المُفردات الجمالية التي تحرص عليها الأغاني الهندية، وهي أفضل وسيلة لإيجاد علاقة حميمة معه تُقرّبه كثيراً من المتفرج، وتستحوذ على مشاعره، وعواطفه، كما الحال مثلاً في اغنية (Agar Mujhse Mohabbat) من فيلم(Aap Ki Parchhaiyan) ـ إنتاج عام 1964، وإخراج “موهان كومار” ـ
وأغنيةٌ أخرى بالألوان تحمل نفس عنوان فيلم (Chaudhvin Ka Chand) ـ إنتاج عام 1961، وإخراج “محمد صديق” ـ
في غرفة نوم الحبيبة “وحيدة رحمن”، المشهد ليليّ داخليّ، من الشرفة يُطلّ القمر مكتملاً كي يُزيد من شاعرية اللقاء العاطفي، ويتميّز البناء السينمائي بلقطاتٍ كبيرة تُظهر جمال “وحيدة رحمان” في دور “جميلة”، وهي تخفي نظرات الخجل من كلمات الغزل الرقيقة التي يبثها لها “أسلام” (غورو دوت) غناءَ.
كانت، وماتزال ساحات القصور الفاخرة، والصالونات الواسعة التي تستوعب شخصياتٍ كثيرة، وفرقة موسيقية، وراقصات، أماكن مثالية يستثمرها المخرجون في أغاني الأفلام، كما الحال في أغنية (Deewano Se Yeh Mat) من فيلم (Upkar) ـ إنتاج عام 1967، وإخراج “مانوج كومار” ـ وتوظيف الإضاءة أيضاً في تصميم الرقصة، وتكوين المشهد بكامله في مكانٍ واحد.
وفي أغنية (Sakhiya Aaj) من فيلم (Sahib Bibi Aur Ghulam) ـ إنتاج عام 1962، وإخراج “أبرار ألفي” ـ تُوظف الإضاءة بطريقةٍ تخفي ملامح الراقصات، وتُركز على الراقصة الأولى/المُغنية/ الحبيبة، وهي تقاليد سينمائية معروفة في السينما لإظهار الشخصيات الرئيسية في لقطةٍ ما بطريقةٍ مثيرة لإنتباه المتفرج.
هوامش :
وظائف الأغاني في السينما الهندية
http://doc.aljazeera.net/cinema/2011/08/20118167337530684.html