جلال بالسعد: سأظلّ أنتج أعمالي بروح الهواية


تونس – صالح سويسي

جلال بالسعد مخرج تونسي يُدَرِّس مادة السينما والتصوير الفوتوغرافي بالجامعة التونسية،. هو عضو قديم بالجامعة التونسية للسينمائيين الهواة متحصل على العديد من الجوائز في المسابقات الوطنية للسيناريو في عديد المهرجانات الوطنية والدولية للسينمائيين الهواة، من أهم أعماله  “بوعايلة” “فرايجي” أو “Zappin”  dix courts, dix regards   “عزيز” . وشريط “أنا العصفور” هو آخر إنتاجاته و ثالث شريط وثائقي.

لننطلق من آخر أعمالك “أنا العصفور”

هو شريط وثائقي يدوم 26 دقيقة .هو في الحقيقة وثائقي – روائي، في جزئه الوثائقي يتحدث عن المولعين بتربية العصافير ويدخل عالمهم وهو عالم جميل وممتع، وتخلصت اثر ذلك للحديث عن رمزية القفص ورمزية العصفور و الجدلية القائمة بينهما.  أما الجانب الروائي في الشريط فهو المتعلق بطفولتي وعلاقتي بالعصفور والشبه بيني وبينه، وهو جزء من سيرتي الذاتية اذ كان العصفور سجين القفص فيما كنت سجين أزقة المدينة الضيقة حيث عشت طفولتي، أزقة ترفض الحياة الفردية و تغذّي الحياة الجماعية. سجن ثان أردت التخلص منه بهذا الشريط هو سجن المقابر التي سيطر بياضها الصامت وسكونها الرهيب على طفولتي. إذن رأيت أنه جاء الوقت للتخلّص من هذين السجنين والتحرر منهما نهائيا كما تحرر التونسي من صمت أطبق عليه لسنوات طويلة.

                                     جلال بالسعد

وهل عرض الشريط خارج إطار المهرجانات؟
الشريط ظهر في مارس/ آذار 2012 وشارك في عدد من المهرجانات ,وآخر جائزة كانت جائزة العمل الأول في أيام نابل للسينما العربية، كما ظفر بجائزة  لجنة التحكيم  في أيام الفيل التونسي في مارس / آذار الماضي. وقد تمّ عرض الشريط في عدد من العروض الخاصة والتي أحبذها لأنها تجمع المهتمّين بالشأن السينمائي كما تأتي بجمهور تلمذي وطلابي وهذا مهمّ جدا بالنسبة للمخرج لأنها فرصة ليسمع ردود الفعل وهو ما اعتبره رجع الصدى الذي على ضوئه يمكن أن تتطوّر التجربة بما يراه المتلقّي المتخصص وحتى العادي.

 وقبل “العصفور” ماذا في تجربة جلال بالسعد؟
أنجزت سنة 2001 شريطا وثائقيّا بعنوان “بوعايلة وهو فيلم قصير من ستة وعشرين دقيقة وشارك في المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية وتحصل على الجائزة الأولى في المسابقة الوطنية، ثمّ قدمت عملا ثانيا في مجال الاحتراف من خلال فيلم “فرايجي”  “Zapping”سنة2006 ويتحدث عن التلفزيون وكيف يمكن أن يصبح سلاحا في وجه المتلقّي.  وبالمناسبة أنا لا أعتبر نفسي مخرجا محترفا بل مازلت هاويّا وسأظلّ كذلك لأنني بالأساس عاشق للسينما وأسعى لأن آخذ نصيبي من هامش التعبير من خلال الكاميرا. لذلك كل ثلاث أو أربع سنوات أنجز شريطا، بعد ذلك قدمت شريط “عزيز” وهذا الشريط يتحدث عن تأثير العنف على الأطفال.

 هل نفهم أنك تدين الشاشة الصغيرة من خلال أعمالك؟
نعم أنا أدين التلفزيون من خلال ما أقدمه من أعمال سينمائية لأن لديّ مشكلة معه، أنا لا أتفرج عليه إلاّ أحيانا قليلة جدا وعلى الأخبار فقط لكن التلفزيون بمفهومه الشرقي لا يعنيني أبدا، والتلفزيون في بيتي هو مجرد ديكور فقط لأن بناتي أيضا أصبحن مثلي لا يتابعنه بكثافة، وأنا أرى أن هذا الجهاز أصبح أداة لتدمير العقليات ولمهاجمة الأذهان ليصبح الإنسان مجرد مستهلك لا أكثر. إذن  “Zapping” و”عزيز” عملان لإدانة الشاشة الصغيرة

فترات متباعدة بين أفلامك، هل هو مشكل تمويل أم اختيار منك؟
طبعا مشكلة التمويل مطروحة لأن الشريط الوثائقي القصير  لا حياة له بعد إنتاجه لأنه لا جدوى ولا مردودية مادية من ورائه ولا يمكن إيجاد منتج يراهن على الأعمال الوثائقية التي لا تعرض في القاعات ولا في التلفزيونات ولا يجد إقبالا من المتفرج، وبالمقابل يسعى خلف الأعمال الإعلانية مثلا، لذلك يجد المخرج نفسه مجبرا على البحث عن الفكرة التي تأخذ وقتها حتّى تتخمّر ثم البحث عن منتج تقنعه ليراهن على الشريط وينتجه وبذلك من الطبيعي أن تصل الفترات بين أفلامي إلى أربعة سنوات وأكثر ،ثمّ كما أكدت سابقا أنا لا أحترف السينما أي هي ليست مورد رزقي اذ لا يقلقني ألاّ أنتج بشكل متواصل.

أشرفت على إحدى ورشات أيام نابل للسينما العربية، كيف وجدت الشباب الذين أطرتهم وهل كان لديهم رغبة في العمل على إنتاج أعمال وثائقية؟
يشهد الفيلم الوثائقي في السنوات الأخيرة إقبالا هامّا من الشباب، ولاحظنا جميعا كيف أصبح عدد كبير منهم مدونين يلتقطون الصور ومقاطع الفيديو، وتأكد هذا خاصة مع الثورة التونسية، حيث أحسّ الجميع أننا أمام مرحلة مفصلية ولحظة فارقة في تاريخ البلاد ويجب أن نترك أشياء يشاهدها أبناؤنا فيما بعد. وهنا المسألة ستختلف عمّا كنّا نسمعه من أجدادنا حول حرب التحرير مثلا لأن الصورة اليوم هي سيدة الموقف.

لذلك وجدنا أنّ الجميع أصبحوا مخرجي أشرطة وثائقية، أي أنّ الجميع تقريبا عرفوا القيمة التاريخية والعلمية للتوثيق بكل أشكاله. واليوم تأكدنا أن الرغبة لدى الشباب كبيرة جدا لتعلّم وإنجاز أعمال وثائقية وخلال الورشة في هذا المهرجان كان عدد المشاركين كبيرا جدا وهو ما يؤكد تلك الرغبة و أيضا قيمة الفيلم الوثائقي والدليل أن الورشة أنتجت أربعة أفلام وثائقية وثلاثة أعمال مونتاج صور وهذا جيّد جدا في ثلاثة أيام ولو أنني ساعدتهم في تنسيق تلك الأعمال والتحضير لها.

ولكن ألا ترى أن الكثيرين اليوم أصبحوا يستسهلون الأمر ويصورون أشياء يسمونها أفلاما وثائقية؟
ثمة فرق واضح بين الربورتاج والفيلم الوثائقي، مثلا يصوّر الواحد منهم اعتصاما لعمّال السكة الحديدية ثم يأتي ويقول هذا شريط وثائقي ، هذا خطأ .ثم إنّ كثرة العروض الوثائقية الجيدة ستجعل المتلقّي يفرّق بين هذا وذاك، يبدو انه جهل بالمصطلح أو جهل بالميدان لا أكثر.

وحتى نختم هذا اللقاء، ما هو جديدك؟
لديّ شريط وثائقي جديد من 52 دقيقة جاهز ولكنني لم أجد من ينتجه  أو يموّله إلى حد الآن، ومن خلاله أحب أن أقدم تاريخ البلاد انطلاقا من اليوميّ الذي يعيشه الناس ومن التجارب الفردية والذاتية، حيث أردت أن أقول أن الفرد يمكن أن يعبّر عن المجموعة يعني انه ليس من الضرورة أن تتابع تاريخ شعب كامل، بل يمكن أن تتابع حياة فرد واحد وطريقة حياته وأحاسيسه وتجاربه لتحكي البلاد.
عملي يقدم عائلة من أربعة أجيال تعيش في نفس المكان، تابعتهم وتابعت التناقضات التي تحكم علاقاتهم. أربعة أجيال ليس بالشيء الهيّن فيمكن من خلالها تقديم مقاربة هامّة حول تاريخ بلد بأكمله من خلال هذه العائلة التي حافظت على ترابط أجيالها رغم الاختلافات الجوهرية أحيانا.


إعلان