”زبانة” يعدم في الخمسينية بمقصلة سينمائية
ضـاويـة خلـيفـة – الجـزائـر
بعد خمسين سنة من استقلال الجزائر عاد المخرج السينمائي ”سعيد ولد خليفة” لفتح دفاتر الماضي و فضح ممارسات الاستعمار الفرنسي بأدواته الوحشية، اللاإنسانية و الغير شرعية في حق شهداء الواجب الوطني، من بينهم ”أحمد زهانة” المدعو ”زبانة” أول شهيد أعدم بالمقصلة التي توقفت لمرتين، و أتت الثالثة برأس البطل أرضاً، حكم نُفذ رغم بطلانه لتنكشف بذلك عورة من عورات فرنسا الاستعمارية التي كان التاريخ بالمرصاد لها لتدوين هذا الحكم المنافي للقانون، وصمة عار كتبت في تاريخ فرنسا الاستعمارية.
الفيلم جاء ليكشف للعالم ما فعلته دولة المستعمر بالأرض و الشعب، فرنسا التي نفذت حكمها في حق الشهيد زبانة بتاريخ 19 يونيو 1956 رغم المعجزة الربانية التي أوقفت المقصلة لمرتين، لكن و كما جرت العادة أدارت ظهرها للحقيقة و القدر و اعترضت على القدرة الإلهية واستأنفت تنفيذ الحكم و كأن شيئاً لم يكن و لهذا ارتبط اسم زبانة بالمقصلة التي طالت أيضا صديق الثورة الجزائرية المناضل الفرنسي ”فرنار ايفتون”، الذي كان أول شهيد أجنبي يعدم بالمقصلة.
ففيلم ”زبانة” كان فاتحة العروض السينمائية المدرجة في إطار الاحتفالات الخاصة بخمسينية استقلال الجزائر و المخلدة لتاريخ شهداء ثورة نوفمبر ، في انتظار باقي الأعمال التاريخية المخصصة لشخصيات أخرى.
فيلم ”سعيد ولد خليفة” عن زبانة الذي لم يأتي بالجديد سوى ما هو معروف و متداول، و بالتالي كانت القطرة التي أفاضت الكأس و النقطة التي توقف عندها كثيرا الإعلاميون و المهتمون بجديد السينما الجزائرية خلال العرض.
نقص المراجع يخون ولد خليفة و ميهوبي …
”زبانة ” المشروع السينمائي الذي انتظره الكثير آتى و بعد طول انتظار مخيبا للآمال و صادما في نفس الوقت، بل مقزما لمكانة الرجل و كفاحه، فالبعض وصف محتواه بالفارغ كونه لم يأت بأي جديد لا عن حياة الشهيد زبانة ولا عن نضاله بعدما صرح كل من كاتب السيناريو ”عزالدين ميهوبي” و المخرج ”سعيد ولد خيلفة” بأنهما اعتمدا على بحث دقيق و مطول و شهادات بعض رفقاءه من بينهم ”سعيد سطمبولي” و محاميه ”زرطال”، إلا أن من تابع العمل لم يلمس أي شيء من هذا القبيل، ليجد أن ”ولد خليفة” سجل مرورا بسيطا و خاطفا على ثلاث، أربع محطات رغم أهميتها في ثورة التحرير، محطات كانت آخرها الأكثر فنية و تأثيرا في الجمهور و يتعلق الأمر بالأيام الأخيرة للشهيد زبانة، لحظة إعدامه بالمقصلة التي جعلت ”السي حميدة” اسما بارزا في مسار الثورة التحريرية، فالعمل جاء خاليا من حماسة الثوار و المجاهدين، وغاب عنه عنصر التشويق و الإثارة التي تجعلنا نتوقع و نترقب ما يحدث بعد كل مشهد، و غابت كذلك الروح السينمائية و نسيم الثورة و التضحية، و كان مؤسفا في هذه الحالة أن لا تنصف السينما شهيد المقصلة الكولونيالية، و المؤسف أكثر أن المخرج لم يأتي بأي متعة سينمائية فكان فيلمه كالجسد بدون روح، و برر السيناريست ميهوبي ذلك بندرة و صعوبة الحصول على المزيد من المعلومات التي تتعلق بحياته و نضاله القصير، حيث ألقي عليه القبض ثمانية أيام بعد اندلاع الثورة التي أعطيت رصاصتها الأولى في الفاتح نوفمبر 1954، في حين سجل الثامن من نفس الشهر و السنة اعتقال الرجل رفقة مجموعة من الفدائيين في معركة ”غار بوجليدة” التي لم ينجح المخرج في نقلها للمشاهد بل اكتفى بتناولها من خلال لقطة لا تعكس حجم المعارك الحقيقة التي شهدتها الثورة الجزائرية، و قد ذهب البعض ممن التقتهم الجزيرة الوثائقية إلى حد اعتبار أن الفيلم قزم كثيرا الشهيد زبانة الذي يعتبره الجزائريون من الرموز الكبرى للثورة.

و إن كان ضروريا التنويه بالجهد المبذول من قبل فريق العمل من الكاتب و المخرج إلى أبسط تقني و ممثل، إلا أن الفيلم لم يشبع فضول الجزائريين و لم يروي تعطشهم لمعرفة حقائق جديدة عن تاريخ ثورتهم، وهم الذين يعرف عنهم تعلقهم الكبير بثورتهم و برموزهم من المجاهدين، الشهداء و الوطنيين، فالعمل الذي انتهى حيث كان يجب أن يبدأ – أو بالأحرى حيث كان يجب أن ينتقل بالمشاهد إلى أحداث أخرى ذات أهمية تلت تنفيذ الحكم على زبانة- لم يتعمق في مسار الرجل قبل وإبان الثورة، فقد انطلق حسب التس��سل الزمني من عملية بريد وهران التي شارك فيها ”السي حميدة” وهو الاسم الثوري لأحمد زبانة، و التي تمت سنة 1949 فاكتفى بالإشارة إليها من خلال ما تداولته الصحف الفرنسية و تعاطيها مع الحادثة دون التفصيل فيها تمثيلا تفصيليا باعتبارها محطة هامة في المسار النضالي، حيث تم إظهار قصاصات بعض الجرائد التي وصفت زبانة بالإرهابي، مرورا بإلقاء القبض عليه ب”غار بوجليدة” و صولا إلى فترة سجنه بسركاجي بالعاصمة، في حين تجاوز ”ميهوبي” و”ولد خليفة” الحياة العائلية للشهيد، و اكتفيا بظهور واحد لوالدته التي أتت لزيارته بالسجن، كما أنهما لما يبرزا كيف كان لانضمامه لصفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية أثر في تنمية الروح الوطنية، و بعدها التحاقه بالحركة الوطنية و الدور الذي لعبه قبل الثورة، وفي سياق متصل كشف ”ياسين العلوي” منتج الفيلم أن المفاوضات لا زالت جارية مع التلفزيون الجزائري لبث العمل في شكل ست حلقات، لهذا يقول ”لم نستطع أن نجسد كل مراحل حياته و نضاله في الفيلم لأن الصناعة السينمائية لديها قواعدها و معاييرها التي يجب الالتزام بها و بالتالي يمكن التعمق في ذلك خلال الحلقات التي ستعرض على المشاهد في حال وصل الطرفان إلى اتفاق يرضيهما، فكل تلك الأحداث لا يمكن تجسيدها فيما يقارب الساعتين من الزمن و هي مدة العرض”.
و قد أظهر الفيلم كيف أن فرنسا أصرت على محاكمة زبانة محاكمة عسكرية لا ميدانية رغم المحاولات المتكررة لمحاميه بإقناع السلطات بذلك، بعدما اتهمته بقتل حارس الغابات، و اكتفى بمرور بسيط لرسالة نقلت شفويا لمحاميه زرطال من جبهة التحرير الوطني التي قالت أن رأس ”أحمد زبانة” و ”عبد القادر فراج” ثاني شهيد أعدم بعده سيقابل بقتل 200 فرنسي في حال نفذت فرنسا حكمها، فالمخرج لم يقف عند ردة فعل الشعب بعد تنفيذ الحكم في حق ”زبانة و فراج” وهذا كان سيضيف الكثير للعمل.
و اشتكى ”عزالدين ميهوبي” نقص المراجع التاريخية، مؤكدا أن كل ما شاهده الجمهور هي حقائق تاريخية تم توظيفها توظيف فني، جمعها و اشتغل عليها مدة أربعة سنوات بالاعتماد على المحيط العائلي الذي أمدهم ببعض الجوانب في حياة زبانة و كذا المناضلين الذين رافقوه ك”سعيد سطمبولي” الذي قال ميهوبي أنه يملك ذاكرة جيدة ووصف لهم معلومات دقيقة، و في معرض حديثه أكد أن الشيء الجديد الذي جاء به الفيلم هو المقارنة بين ”قيموكي” و ”زبانة”، ليظهر كيف ينظر الفرنسيون إلى مقاوم فرنسي يحارب ضد النازية على أنه مقاوم في حين ينظر إلى زبانة الذي هو في نفس وضعه على أنه إرهابي و من خلال هذه المقارنة أراد ميهوبي أن يدين الاستعمار بأدواته العنصرية.
و قد أرجع سعيد ولد خليفة قلة الحوار إلى طبيعة شخصية ”أحمد زبانة” – باعتباره الشخصية التي حركت العمل – الذي كان قليل الكلام، و ليجعل المشاهد يقترب أكثر من حياة و ظلمة السجن و يجعله يلامس المعاناة النفسية التي كان يعيشها زبانة و رفقاءه في سجن برباروس، وفي حديثه للجزيرة الوثائقية أكد أن الحرب التي دامت 8 سنوات لم تكن عسكرية فحسب بل دامت كل هذه المدة لأنها حظيت بدعم من السياسيين، وفي هذا السياق قال: ”السياسية الفرنسية التي خسرت العديد من الدول في تلك الفترة بقيت لها حظوظ استعمارية قائمة على الجزائر، فاستعملت كل الأساليب للحصول عليها، فاشتغالي أردت أن ينصب كذلك على الناحية السياسية، فمثلا مجلس الوزراء كان به كاتب دولة إفريقي الذي أصبح فيما بعد رئيس ساحل العاج، و هنا يتضح أن الاستعمار آن ذاك كان يستعمل أدوات جهنمية لبلوغ أهدافه، كان يستخدم رجل سياسي من العالم الثالث ليستعمر و ليهيمن على مواطن جزائري من العالم الثالث فالناحية السياسية كان مهمة جدا لي بالنسبة لي”.

و قد وفق الممثل الشاب القادم من مسرح الموجة بمستغانم ”عماد بن شني” في أول إطلالة سينمائية له، حيث جسد وبنجاح شخصية زبانة، الدور الذي تحصل عليه بجدارة بعد أن فشل حوالي 400 شاب تقدم للكاستينغ في الظفر به، فملامح ”عماد بن شني” كانت الأقرب، حيث بدا أنه اشتغل كثيرا على الدور لاسيما أنه عاد لبعض المراجع المتوفرة لمعرفة شخصيته و بعض ملامحه كقلة الحديث و إتقانه للهجة أصحاب الغرب الجزائري فالاثنان ينحدران من منطقة الغرب، و قد أكد بن شني أن هذا العمل مكنه من التعرف من جديد على عظمة هؤلاء الرجال الذين يتشرف أي جزائري بتجسيدهم في أعمال فنية، و في ذات الوقت لم يخفي تأثره و باقي الطاقم بما فيهم التقنيين الفرنسيين بمشهد المقصلة الذي أعيد عدة مرات و لم يصور إلا بعد أربعة أيام أو أكثر، و تخوفه طيلة فترة تصوير المشهد كان من إمكانية حصول أي حوادث مفاجئة.
فيلم ”زبانة” في سطور :
الفيلم أنتج من قبل شركة ليث ميديا، بمساهمة من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، و المركز الوطني لأبحاث حول الحركة الوطنية و ثورة أول نوفمبر، و بدعم و إشراف من وزارتي الثقافة و المجاهدين.
من أصعب المشاهد التي لم يجد فريق العمل سهولة في تصويرها هي لقطة تنفيذ حكم الإعدام بالمقلصة فالتأثر كان كبيرا وصل بالفريق أن يذرف دموعا طيلة ثلاث أيام حيث كانت في كل يوم يعاد تصوير المشهد الذي يتوقف قبل أن يبدأ من شدة التأثر فالكل استحضر صورة من اقتيد للمقصلة و هو يصرخ ” تحيا الجزائر حرة”.
لم يرد لا السيناريست عز الدين ميهوبي و لا المخرج سعيد ولد خليفة الكشف عن الميزانية التي خصصت للعمل، و اكتفى ميهوبي بالقول أن دم الشهداء لا يقدر و لا يقاس بأي ثمن…
تفوق الجانب التقني على الطرح التاريخي و الفني للعمل، و كان لإخفاق ولد خليفة و ميهوبي أثر و انعكاس سلبي على المضمون ككل.
كلمة حق تقال أنه من الشجاعة و المجازفة أن يقع اختيارهما على الشهيد ”زبانة” الذي لم يعش كثيرا الثورة، و في ظل النقص الرهيب للأرشيف و المعلومات الضرورية عن حياته و كفاحه، فلو تعلق الأمر بشخصية أخرى كديدوش مراد، حسيبة بن بوعلي … لاختلف الأمر لأنهم الأوفر حظا من ناحية الأرشيف و المراجع مقارنة بزبانة.