الدورة ال19 لمهرجان غولدن بل في أضنة..

تُجاور السينما التركية بالعالمية والعربية في قسم البحر المتوسط

قيس قاسم ـ أضنة (تركيا)  
 

تُنظم مدينة “أضنة” التركية وللعام التاسع عشر مهرجاناً سينمائياً عالمياً يضم ثلاثة أقسام يكاد أن يكون كل واحد منها مستقلاً عن الآخر، وفي هذا تميزه وعليه يجري التركيز. ف”ألتين كوزا” من جهة تركي يقدم أفلاماً روائية محلية ويخصص لها مسابقة وطنية ومن جهة أخرى عالمي يوفر لسكان المدينة الأقرب جغرافياً الى سوريا أحدث الأفلام العالمية الخارجة للتو من مسابقات كبيرة وحاصلة على جوائز مهمة فيها مثل؛ “حب” للمخرج النمساوي ميكائيل هانيكه الفائز بسعفة “كان” الذهبية. القسم الثاني مخصص لطلاب معاهد السينما التركية ويركز على إكتشاف المواهب الجديدة. أما الثالث فمكرس لسينما بلدان البحر المتوسط ومختص بأفلامها القصيرة، وأغلب الأفلام العربية تشترك وتتسابق داخله.

في دورة هذا العام من “مهرجان غولدن بل في أضنة” هناك الكثير من الأفلام العربية من بينها: “عزلة تحت الشمس” لرامي عليان واللبناني “خلف النافذة” لنغم عبود التي تعود الى أيام المراهقة وعوالمها المشاكسة والبريئة في آن، عبر حكاية مراهق لبناني معجب بجارتهم الشابة والتي تكبره بكثير وغير مشغولة به إطلاقاً. هذة العلاقة الشبيهة بكثير من حكايات المراهقة تنقلها صاحبة العمل بإسلوب سينمائي جميل سلس وممتع، يرتكز على جودة تمثيل صبي واعد تحرك أمام الكاميرا بعفوية فنقل عوالم زمن بريء في مدينة قد لاتحمل ذات الصفة لكن مازال فيها من الجمال ما يسمح للحكاية أن تمر فيها دون تعقيد أو أثارة مشاكل. انها عن سماحة بلد وحلاوة العيش فيه. ومن فلسطين، التي كرس المهرجان من قبل برنامجاً خاصاً بها، سيعرض “ولادة” لديما أبو غوش ومن مصر ينقل لنا روماني سعد في روائيه القصير “برد يناير” جزءاً جانبياً من المشهد العام لثورة يناير، فيما اختار من تونس “علاش أنا؟” لأمين شيبوب الفائز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم التونسي في باريس العام الماضي.
تحتفي دورة هذا العام بمخرجيّن ألمانيين هما؛ أونور بادمسوي وكريستيان بيتزولد. لبادمسوي المعني كثيراً بالتصام الثقافي داخل المجتمع وعلى وجه التحديد بين الجالية التركية وبين الحاضنة الألمانية والتي أنجز عنها أفلاماً وثائقية كثيرة سيعرض له فيلم “شرف” والمنظور اليه من جانبين متباعدين: تركي والألماني. أما من منجز بيتزولد فيشاهد جمهور أضنة الفيلم الرائع “باربارا” الحاصل على جائزة الدب الفضي في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين العالمي. لعبت الممثلة (ينا هوس) دور الطبيبة الألمانية الشرقية “باربارا” أبان وجود الألمانيتين والتي كانت تخطط بسرية تامة للهروب الى الجهة الغربية من بلادها والإلتحاق بصديقها هناك. يستعيد “باربارا” على غرار فيلم “حياة الآخرين” أجواء الخوف التي كانت سائدة في فترة الثمانيات تحت حكم الدولة الإشتركية وتضييق مساحة الحرية الشخصية على أبنائها، بتناول أخف من الأول، وبميل نحو تبطين الخوف بسطح أنعم، مع ان تجسيده لقمعية الدولة لا يقل عنه بشيء. لقد أخذ القمع طابعاً نفسياً عند “باربارا” محسوس لمعايشيه ترافق مع وجود إنساني مناقض له يسبق السياسي ويكرس العلائق البشرية السوية. فالطبيبة التي غامرت بحياتها من أجل الهروب عبر البحر الى ألمانيا الغربية تنازلت في اللحظة الأخيرة عن حقها لصالح شابة تعرضت لعسف اجتماعي وسياسي، وبتغليبها العام على الشخصي قدمت “باربارا” نموذجاً انسانياً كان قادة البلاد يفتقرون اليه وحتى بعض السياسيين المعارضين الذين قد يجدون في خلاصهم الشخصي خلاصاً عاماً. عن هذة الإشكالية غير المحسومة أنجز بيتزولد عملاً سينمائياً مهما، سيشاهده جمهور أضنة خلال دورة مهرجان مدينتهم المنعقد ما بين (17 حتى 23 سبتمبر).

من وحي فوز فيلم “الفنان” بجائزة الأوسكار لهذا العام أعدت الدورة التاسعة عشر برنامجاً خاصاً بعنوان “عصر هولويود الذهبي” مكرساً للسينما الكوميدية الصامتة، ضم عدد من أفلام تشابلن مثل؛ “أضواء المدينة” و”البحث عن الذهب” الى جانب أعمال الممثل الكوميدي هارولد لويد.
أما مسابقة الأفلام التركية الروائية فيسعى المهرجان الى تغذيتها بأهم وأجدد الأعمال التركية ونظرة الى البرنامج تكفي لمعرفة حجم الاهتمام بهذا الجانب الذي يبرره قوة حضور السينما التركية نفسها في العالم، ويكفي التذكير أن أغلب جوائز مهرجان “أوسيان سينيفان” الهندي لهذا العام ذهبت للأفلام التركية وكذا الأمر في مهرجانات عالمية كثيرة. من بين أفلام الدورة، التي تسعى الى تقديم العروض العالمية الأولى فيها، فيلم “دورة” لدرويش زايم وفيلم ريس تشليك “صمت الليل” وعمل المخرجة ياسمين أوستغلو “في مكان ما في الوسط”. والى جانب عرض الأفلام وترتيب الفعاليات الخاصة بها تنظم بلدية أضنة مهرجاناً كبيراً لها يعني بتقديم ما تمتاز به من امكانيات اقتصادية وتجارية وثقافية وتعرض، عبر جولات سياحية وبرامج لزيارة متاحفها، تاريخها وأهم مراحل تطور المدينة خلاله. كما انها تعد لذوي الاحتياجات الخاصة برنامجاً يتضمن أفلاماً لها علاقة بهذا الجانب وتوفر لهم امكانية الحضور والمشاهدة وبهذا تخلق أواصر جديدة بين سكان المدينة وبين المهرجان مستعينة بالفن السابع كوسيط قادر بسهولة على خلق المزيد من التواصل الإنساني.
 


إعلان