الدوليّ للأفلام القصيرة في كليرمون ـ فيران
مسابقاتٌ، وإحتفاءٌ بالسينما الهندية
صلاح سرميني ـ باريس
في النشرات الإعلانية التي تسبق إنعقاد الدورة القادمة للمهرجان الدوليّ للأفلام القصيرة في كليرمون ـ فيران (فرنسا)، يقول السينمائيّ الكنديّ “تيودور أوشيف” عضو لجنة تحكيم المسابقة الدولية عام 2012، ومُصمّم ملصق الدورة القادمة (1- 9 فبراير 2013) :
“يُجسّد مهرجان كليرمون ـ فيران مقاومةً مثالية، ويُمثل المُلصق الذي صمّمته مُتمرداً رومانسيّاً، حيث بإمكان أيّ واحد منا أن يكون فناناً (مخرجاً)، ويُغيّر العالم، يكفيه فقط إيماءةً بسيطة، وفكرةً مع ريشة صغيرة تتهادى في الضوء…”.
***
كما حال المهرجانات الكبرى، لا يكفي كليرمون ـ فيران قراءةً واحدة، مُتمهلةً، أو عاجلة، حيث أصبح مع السنوات، وتراكم خبراته مؤسّسةً، مدرسةً، منبعاً، مصدراً، واجهةً، …بإختصار، هو مرجعٌ سينمائيّ للمشهد الدولي الخاصّ بالأفلام القصيرة بكافة أنواعها، وأشكالها، وهذا الإحتفاء المُستحقّ لا يحجب عن مهرجاناتٍ أخرى تفوّقها في مجالات إختصاصها، ولكنّ الإشارة إليها يتطلب قاموساً، أو موقعاً خاصاً لم يتوانَ صُناع الثقافة السينمائية الفرنسية عن إنشائه، والإستفادة منه.

يتكوّن مهرجان كليرمون ـ فيران من ثلاث مسابقاتٍ رئيسية، إستعادات، تظاهرات، ودزينةً من البرامج الموضوعاتية.
المُسابقة الوطنية
سوف أبدأ من الأقدم، المسابقة الوطنية التي أصبح عمرها 35 عاماً، لقد إنطلق المهرجان معها، وبقي مكتفياً بها لفترة عشر سنواتٍ تمهيدية قبل أن يُوازيها بمسابقةٍ دولية، ومعها تطوّر، وأصبح الأشهر، والأهمّ.
يتميّز الإنتاج الفرنسيّ للأفلام القصيرة بالخصوبة، والغزارة، وتشير المعلومات المُتوفرة في موقع المهرجان إلى أكثر من 1500 فيلماً فرنسياً تمّ تسجيلها هذا العام، ما هو مدهشٌ أيضاً في هذا الزخم نوعية الآليات الإنتاجيّة، وإحترافيتها، ومن بينها يتجلى بهاء أفلام مدارس، ومعاهد السينما (التحريك خاصةً)، والباحث عن مفاجآتٍ سينمائية مدهشة، لن يجد أفضل من…. كليرمون ـ فيران.
من أجل الدورة القادمة، تمّ إختيار 63 فيلماً من مجموع 1587 تقدمت للمُسابقة الوطنية بنسبة إختيار وصلت إلى ( 3.97%)، منها 4 أفلام لمخرجين عرب، أو من أصولٍ عربية بنسبة (6.35%) من عدد الأفلام المُختارة :
وهذه الأفلام المحظوظة هي :
ـ “هذا الطريق أمامك”، إخراج “محمد بوركبة”.
ـ “كرونوفوتوغرافي” (وتعني التصوير الفوتوغرافي المُتلاحق لخلق الحركة)، إخراج “شعب محمود”.
ـ “أرض معروفة”، إخراج “نسيم عموش”، وهو من إنتاج فلسطيني/إماراتي/فرنسي مشترك.
ـ “الأعماق”، إخراج “يوسف شايبي”، وهو أيضاً من إنتاج تونسي/فرنسي مشترك.
المُسابقة الدولية
بالتوازي، وصلت المسابقة الدولية إلى رقم مفصليّ، 25 عاماً، ربع قرن على تأسيسها، وفي كلّ دورة من دوراتها تتقاطع الآفاق، أفلام روائية، تحريكية، تسجيلية، كوميديات، وحقائق معاصرة، أفلام النوع، وأخرى قادمة من أفضل مدارس السينما في العالم تشدّنا نحو عوالم الإبداع السينمائيّ الشاب.
وقد تمّ إختيار 79 فيلماً من مجموع 6152 كانت تأمل المُشاركة بنسبة إختيار( 1.28%)، منها 4 أفلام عربية بنسبة (5.06%) من الأفلام المُختارة:
وهذه الأفلام الأكثر حظاً هي :
ـ “اللعنة”، إخراج “فيصل بوليفة”، بريطانيا/المغرب.
ـ “مركب ورق”، إخراج “حلمي نوح”، مصر.
ـ “صباح عادي”، إخراج “بهية علواش”، الجزائر.
ـ “وهبتك المتعة”، إخراج “فرح شاعر”، لبنان.
مسابقة المُختبر
بدورها، مسابقة المختبر هي الأكثر حداثةً، طليعيةً، وشباباً، فقد وصلت هذه السنة إلى دورتها الـ 12، وطوال سنواتها الماضية يتزايد أعداد المُعجبين بها، يقفون في طوابير طويلة أمام الصالة التي تعرض إختياراتها، كي يكتشفوا أعمالاً خارج المألوف تماماً، تقاطعاتٍ غير متوقعة، نظراتٍ أصيلة، وأفلاماً مسكونة بالمُجازفة.
تستقبل هذه المُسابقة بالتحديد المتفرجين الأكثر فضولاً، المُنفتحين على الدهشة، الإثارة، والإبتهاج بتجارب أبدعها سينمائيون مجانين بالصورة، والصوت، ولكن، يكفي القول، بأننا نعود من مهرجان كليرمون ـ فيران عاقلين.
هذه المرة، تمّ إختيار 30 فيلماً من مجموع 6152 (هي نفس الأفلام التي ينتقي منها الفريق إختياراته الدولية) بنسبة وصلت إلى (0,49%)، ولا واحد منها جاء من البلدان العربية، أو من إخراجٍ سينمائيٍّ عربي(وهي ملاحظةٌ منذ تأسيس المهرجان حتى اليوم، مع بعض الإستثناءات النادرة جداً).
وهكذا يصبح مجموع الإختيارات الدولية 109 أفلام من 6152 فيلماً بنسبة إختيار (1.77%).
مرحباً بالهند
لايكتفي المهرجان بالمُسابقات الوطنية، والدولية، حيث يُوازيها بإستعاداتٍ، وتظاهراتٍ، وبرامج موضوعاتية.
هذه السنة، وعلى الأرجح بمناسبة مئوية السينما الهندية، سوف يحتفل بها على طريقته الخاصة، تظاهرة إستعادية لأفلامها القصيرة تحت عنوان “مرحباً بالهند”.
في عام 1912 “داد صاحب فالكه” ـ أبّ السينما الهندية ـ صوّر في بومباي أول فيلم طويل صامت بعنوان “راجاهاريشاندرا”، وكانت تتخلله لقطات تفسيرية مكتوبة بالإنكليزية، والهندية، وعُرض للصحافة، وبعض الضيوف في 21 أبريل 1913.

مئة عام فيما بعد، الهند، هذا البلد القارة بثقافاته المُتنوعة التي تعود أصولها إلى آلاف السنين، سوف تحظى على مكانة الشرف من خلال 6 برامج.
بعيداً عن البهرجة، والتنويعات البوليودية، تقترح هذه التظاهرة الإستعادية تنوّعاً تاريخياً، وثقافياً لإنتاج هائل، وفيها نعثر على بعض الأسماء الكبيرة، كما يُخصص المهرجان تكريماً للسينمائيّ الشاب “أوميش كولكارني” الذي سوف يلتحق أيضاً بلجنة التحكيم الدولية.
جُسيّمات خيالية
يتباهي المهرجان بتظاهرةٍ أخرى تحت عنوان “جُسيّمات خيالية”، هذه البانوراما الموضوعاتية تدعو المتفرج إلى إكتشاف النتائج بين العلم، والفيلم القصير، دعونا نتذكر العالم “غاليلة”، وهو، على الرغم من كلّ الصعاب التي واجهته، كان يقول :
ـ ومع ذلكَ، فإنّ الأرض تدور .
دزينةٍ أخرى من البرامج الثابتة في عناوينها سوف تُشكل الهيكل السينمائيّ للمهرجان :
ـ برنامجٌ مُهدى إلى “وكالة الفيلم القصير” في فرنسا بمناسبة الذكرى الثلاثين على تأسيسها.
ـ برنامجٌ يتضمّن أفلاماً من إختيار شركة فرنسية حصلت على جائزة الـ PROCIREP(منتجي السينما، والتلفزيون) في الدورة الماضية 2012، وهو تقليدٌ يتبعه المهرجان منذ سنوات.
ـ مختارات من أفلام “مدرسة الفن” في لوزان (سويسرا).
ـ أفلام قصيرة من أفريقيا الفرانكوفونية.
ـ برنامجٌ يتناول التاريخ من خلال فيلم، وندوة موّسعة تتناول موضوعه.
ـ برنامجٌ خاصّ بأفلام قصيرة تمّ تمويلها، وإنجازها في المناطق الفرنسية.
ـ برنامجٌ لإكتشاف الإبداعات الموسيقية (فيديو كليب).
ـ عروضٌ مخصصة لتلاميذ المدارس، والأطفال.
سوق الفيلم القصير
وهو سوقٌ سينمائيّ مخصص حصراً للمُحترفين المُعتمدين من طرف المهرجان، ويُعتبر مكاناً مثالياً للتبادلات المهنية بين ممثلي عموم قطاعات الأفلام القصيرة في العالم.
بإمكان هؤلاء مشاهدة كلّ الأفلام المُسجلة، وذلك عن طريق حوالي 40 جهاز عرض فيديو شخصي.
يتضمّن الدليل الخاص بالسوق المعلومات الكاملة لـ 7730 فيلماً، ويُعتبر مرجعاً سنوياً لاغنى عنه، وبدءاً من هذه السنة، سوف تختفي نسخته الورقية كي يحلّ محلها نسخةً إفتراضية، وأخرى تفاعلية.
وبالإضافة لمنصات العرض التي تستضيف عشرات المؤسّسات السينمائية من كلّ أنحاء العالم، يحرص بعضها على تقديم نماذج من إنتاجاتها في صالةٍ سينمائية محاذية تماماً لـ”بيت الثقافة”، وتشير أرقام الدورة الماضية 2012 إلى مشاركة 34 بلداً، 247 مؤسّسة، 500 منتج، و464 ممثلاً عن مهرجاناتٍ فرنسية، ودولية.

في هذه الدورة يمكن إحصاء عدداً من الأفلام العربية التي تمّ إقتراحها للمهرجان، وسُجلت تلقائياً في “سوق الفيلم القصير”(مع الأخذ بعين الإعتبار تكرار بعضها في أكثر من قائمة بسبب الإنتاج المُشترك بين بلدين، أو أكثر) :
مصر (38)، لبنان (32)، المغرب (20)، الإمارات العربية المتحدة (15)، فلسطين (13)، تونس (11)، الجزائر (7)، الأردن (7)، البحرين (6)، العراق (6)، الكويت (5)، قطر (4)، سورية (4)، العربية السعودية (2)، موريتانيا (1)، السودان (1).
حصيلة السوق إذاً 172 فيلماً عربياً (منها أفلاماً لمُخرجين أجانب تحمل جنسيات بلدان عربية، بينما هي أجنبية الإنتاج، عربية الموضوع) في مقابل 119 فيلماً من إسرائيل (فيلمٌ واحدٌ في المُسابقة الدولية)، و143 من إيران (فيلمان في المُسابقة الدولية).
هامش
أرقام، وإحصائيات :
يُوفر المهرجان حوالي 5000 مقعداً موزعة على 13 صالة عرض، منها خمسة تتجمّع في مكانٍ واحد، وتتنوّع أماكن العروض مابين صالات “بيت الثقافة”، ومُدرجات الكليات القريبة منه، وبعض الصالات التجارية المُنتشرة في المدينة.
في عام 2012 إستقبل المهرجان 144066 متفرج، و3000 محترف من كلّ أنحاء العالم.