مهرجان روتردام السينمائي يحتفي بسينما داخل ايران


ثيمات جريئة لتُحف بصرية تضع الإنسان في صلب اهتماماتها

روتردام / عدنان حسين أحمد
تنطلق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري فعاليات الدورة الثانية والأربعين لمهرجان روتردام السينمائي الدولي بفلم الافتتاح “ذي ماستر” للمخرج الأميركي بول توماس أندرسون، فيما سيكون فلم الاختتام “ستوكر” للمخرج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك. سوف يُعرض خلال مدة المهرجان “225” فلماً روائياً ووثائقياً و “334” فلماً قصيراً ومتوسط الطول تمثل “60” بلداً، كما يستقبل المهرجان لهذه السنة “2500” ضيف مهني بينهم “300” مخرج سينمائي. وكدأب القائمين على المهرجان في كل عام فقد اختاروا فلمي الافتتاح والاختتام بعناية فائقة لكسب رضا الجمهور الكبير الذي يرتاد صالات العرض خلال الأيام الأحد عشر للمهرجان. يقدِّم فلم “ذي ماستر” لبول توماس أندرسون صورة مدهشة ولافتة للانتباه عن أميركا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ يكشف المخرج أندرسون عن رحلة الجندي البحري فريدي كويل، المدمن على الكحول “جسّد الدور يواكيم فونيكس” الذي يعود إلى بيته من الحرب وهو يشعر بقلق كبير على مستقبله الذي يبدو غامضاً ومجهولاً بالنسبة إليه، لكنه يتغذى من “قضية” قائده الكاريزماتي لانكستر دود “أدى الدور فيليب سيمور هوفمان” الذي يترأس حركة “السانتيولوجي” التي تهدف إلى “مكننة الإنسان”، ومحو إرادته الشخصية، وتطويعه لمصلحة هذه المؤسسة التي تدعي أنها دينية، لكنها ليست كذلك بدليل أن بريطانيا وألمانيا لا تعترفان بها. ويبدو أن انتماء الفنانَينْ توم كروز وجون ترافولتا قد منحا هذه المؤسسة شهرة واسعة تُغبط عليها حقاً. نال أندرسون جائزة أفضل إخراج عن فلم “الحب الصاعق” في مهرجان “كان”، كما حصل على جائزة الدب الفضي عن فلم “سيكون هناك دم” في مهرجان برلين السينمائي. أما فلم الاختتام فهو “ستوكر” للمخرج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك الذي تتمحور قصته حول وفاة والد إنديا ستوكر “مِيّا واسيكاوسكا” بحادث سيارة ومجيء عمها تشارلي ستوكر “ماثيو غوود” الذي لم تعرف أنه موجود أصلاً لكي يعيش معها ومع أمها إيفيلين ستوكر غير المستقرة عاطفياً ” جسّدت الدور نيكول كيدمان”. بدأت إنديا تشك بأن هذا الرجل الغامض والساحر في آنٍ معاً لديه دوافع خفية، وبدلاً من أن تشعر بالغضب أو الرعب، وهي الفتاة المجردة من الأصدقاء تقريباً، ازداد ولعها به. يعد بارك تشان ووك من المخرجين المشهورين في كوريا الجنوبية، وهو أيضاً كاتب سيناريو ومنتج وناقد سينمائي ومن أبرز أفلامه “الفوضويون” ، “عطش” و “ثلاثية الانتقام”.

من فيلم بيتنا

أقسام المهرجان
يتكون المهرجان من عدة أقسام سنكتفي بذكر بعضها مثل “مسابقة جوائز النمر للأفلام الطويلة”، “مسابقة جوائز النمر للأفلام القصيرة”، “الطيف” و “إشارات” الذي يضم هذه السنة ستة أقسام فرعية سنغطي بعضها وهي الاحتفاء بالمخرج الألماني المعروف دومنيك غراف، صاحب الأفلام المشهورة التالية “رسائل كارلا”، ” يوم العائلة”، “القطة”، “ربيع بارد” و “الفتاة اللامرئية. العلامة الفارقة الثانية التي يحتفي بها مهرجان روتردام فهي المخرجة السوفيتية، المولودة في رومانيا كيرا موراتوفا التي تألقت في أفلام كثيرة نذكر منها ” مواجهات قصيرة” “بين الأحجار الرمادية”، “الشرطي العاطفي” و “دوافع تشيخوف”. أما المحور الثالث فقد وُضع تحت عنوان مثير “داخل إيران” وسوف يتم عرض أكثر من ثلاثين فلماً روائياً ووثائقياً وقصيراً منها “111 فتاة” لناهد قباذي، “الضفدعة الخضراء” لأبي الفضل جليلي، “الجنائني” لمحسن مخملباف، “استقبال متواضع” لماني حقيقي، “الثورة المسروقة” لناهد بيرسون ساخستاني، “فصل الكركدن” لبهمن قباذي، و”تابور”لوحيد وكيليفر. أما المحور الرابع والأخير ضمن قسم “إشارات” أو علامات فارقة تحية القائمين على المهرجان هذا العام لثلاثة سينمائيين كبار رحلوا العام الماضي عن عالمنا وهم المخرج البريطاني ستيفن دوكسين والمخرج الفرنسي مارسيل هانون والفنان البصري الياباني ستوم سوغو، من بين الأفلام المميزة التي أنجزها دوكسين”1939-2012″ هي “حلم أميركي”، “مناجاة”، “لحظة” و “محاولة لتقبيل القمر” وقد ترك بوكسين أثراً كبيراً على منظِّري الفلم البريطاني في أوائل السبعينات. أما أبرز أفلام مارسيل هانون “1929-2012” فهي “الرياح تهب حيثما تهوى”، “ضوء الليل”، “أنين الشجرة” و “إيماءة الخزّاف”. أما الفنان البصري الياباني ستوم سوغو فسوف يُحتفى ببعض أعمالة ومشاريعه البصرية التي اشتغل عليها مدة طويلة من الزمن.

الثيمات الرئيسية
لا يمكن بطبيعة الحال حصر الثيمات الرئيسية التي يتمحور عليها “559” فلماً فهي كبيرة بمكان وربما تحتاج إلى سلسلة طويلة من المقالات كي نفرز هذا الكم الكبير من الثيمات والأفكار الرئيسية التي تأسست عليها الأفلام سواء أكانت روائية أم وثائقية أم قصيرة أم متوسطة الطول، لكن اللافت للنظر أن الثورات، والانتفاضات، والربيع العربي، وسقوط الأنظمة الدكتاتورية، ليس في الوطن العربي حسب، وإنما في مختلف أرجاء العالم قد وجدت طريها إلى أفلام مهرجان روتردام السينمائي الدولي الذي يقف بكل تأكيد مع حرية الشعوب، ويدعو إلى تحريرها من ربقة الأنظمة المستبدة.

روتردام

فهناك أفلام تتناول الربيع العربي، وهناك أفلام تتمحور حول الاستفتاءات كما هو الحال في تشيلي أو إيران أو غيرها من بلدان العالمين العربي والإسلامي على وجه التحديد. الكوارث الطبيعية والنووية أخذت حصتها في هذا المهرجان الذي سيعرض أفلاماً عن اليابان وهي تناقش بجرأة كبيرة مخاطر التسرب النووي الذي أحدثه مفاعل محطة فوكوشيما للطاقة النووية وتأثيره على الإنسان والكائنات الحية من جهة وعلى الطبيعة من جهة أخرى. استقبل المهرجان أفلاماً كثيرة تتناول موضوع الهجرة من مختلف أرجاء إلى أوروبا وأميركا وكندا وغيرها من البلدان المانحة لحق اللجوء السياسي والإنساني، بل ذهبت أبعد من ذلك حينما استقبلت أفلاماً تركز على موضوع الهجرة من بلدان أوروبا الشرقية الفقيرة نوعاً ما إلى البلدان الأوروبية التي تعيش حالة من الرفاه الاقتصادي غير المسبوق في التاريخ، ولعل هولندا، البلد المنظِّم للمهرجان قد أنجز عدداً من الأفلام التي تتناول قضايا اللاجئين ومشاكلهم التي يواجهونها في البلد المُستقبِل لهم. ثمة موضوعات شديدة الحساسية لا يهرب منها القائمون على المهرجان، بل يتصدون لها بشجاعة نادرة مثل احتكاك الأديان السماوية أو انسجامها في هذا البلد الأوروبي أو ذاك الذي قد يشهد بعض “الفورات العنصرية” بين أوانٍ وآخر من بعض المتطرفين، لكن الدساتير الأوروبية هي صمّام الأمان في مثل هذه الحالات وهي التي تضمن العدالة الاجتماعية ولا تفرق بين الناس على أساس اللون والعرق والجنس والدين فالكل متساوون أمام القانون، ومع ذلك فهناك أفلام تركز على التسامح الديني وأخرى ترصد الأصوليين المتشددين وتفضح نواياهم التدميرية التي تهدد السلم الأهلي في هذا البلد الأوروبي أو ذاك. ثمة أفكار ومضامين كثيرة تنطوي عليها الأفلام المشاركة في مهرجان روتردام السينمائي الدولي سنتوقف عندها في مقالات قادمة مثل السينما التجريبية، والسينما الشعرية، والجريمة والمخدرات والعنف الأسري، والمثلية الجنسية، والأزمات المالية التي بعض الدول الأوروبية على حافة الإفلاس وما إلى ذلك من موضوعات مهمة وشديدة الصلة بحياة الإنسان حيثما يعيش على سطح الكرة الأرضية التي نتمنى لأهلها أن يعيشوا حياة آمنة مطمئة هادئة.


إعلان