أوليفر ستون المتغيّـر يتحدّث للوثائقية
محمد رُضا
فيلم أوليفر ستون الأخير «متوحّـشون» (عرض في ربيع 2012) حكى قصّـة صديقان يواجهان عصابة مخدرات مكسيكية كبيرة تريد السيطرة على تجارتهما الصغيرة. لإجبارهما على ذلك، تقوم العصابة باختطاف صديقتهما (المشتركة)، لكن الصديقان يواجهان العنف بالعنف، وكما في أفضل أفلام اليوم تتوالى حمامات الدم ويصبغ ذلك العنف كل شيء.
الفيلم ليس حكاية بوليسية عادية، وليس- رغم حبكته- عن أبطال خارقين للمألوف يدخلون ويخرجون من المشاهد الدموية بنجاح…. لكنه في الوقت نفسه ليس فيلماً فنيّـاً ولا جاء بالأهمية التي أرادها.
لم ينجز الفيلم أي نجاح يُـذكر ولم يعني إسم مخرجه، أوليفر ستون، أي شيء يُذكر للجمهور. وانقسم النقاد حوله: من معجب مدهوش إلى رافض لا يقل دهشة كون أوليفر ستون كان وعداً كبيراً في أيام سابقة.
قابلت أوليفر ستون في لوس أنجيليس وجلسنا في “ذ فور سيزنز» لنحو ساعة. كانت هذه المقابلة الثالثة معه (الأولى أجريتها قبل حضوره مهرجان دبي السينمائي سنة 2007 والثانية في مهرجان فنيسيا سنة 2009).
– «متوحشون»، كما «إستدارة» و«ولدوا طبيعياً قتلة» فيلم عنيف، في مقابل «وول ستريت» مثلاً. هناك عنف الواقع الإقتصادي، لكنه عنف مستتر. كيف ترى ذلك؟
إذا كنت تعتقد أنه لا يوجد عنف في العالم فإنك في حالة نكران. كل منا فيه عنف. أعتقد أن هناك عنف طبيعي. ما أراه ضرورياً حين تبلغ سنّاً متقدّماً هو التفريق بين “عنف ضروري” و”عنف غير ضروري”. عندما يقوم أحد شخصياتي الرئيسية بجريمة قتل لا داع لها أريد أن أقول أن تخطّـى الضرورة. لم يكن هناك واجباً بصرف النظر عن أنه اضطر إلى ذلك أم لا. لكن كما ذكرت، هذه تجارة لا تعرف حدود المنطق. وهناك في الفيلم احتمالات أخرى غير مطروقة- كان يمكن مثلاً للشابين قبول قيام “الكارتل” المكسيكي بشرائهما والعيش بنعيم لسنوات عديدة قادمة. كان العرض جيّداً أفضل مما يمكن جنيه من التجارة نفسها. لكنهما لم يقبلا.
– ما الذي وجدته في ?كتاب دون وينزلو? مثيراً بالنسبة إليك لدرجة تحويل الرواية إلى فيلم؟

لقد أحببت الكتاب. والمسألة تمّـت من دون تخطيط. وكيل أعمالي برايان لورد بعث لي بالكتاب وقال لي: “إقرأ هذا. إنه خاص”. برايان لا يبعث لي بالكثير من السيناريوهات او الكتب وحين يفعل أنتبه جيّداً. قرأته سريعاً. قرأته على نحو متسارع ووجدته رواية مشوّقة تختلف عن الروايات الأخرى حول المخدّرات. هناك زاوية جديدة لها حول زارعي مخدّرات مستقلّين … شبّان من كاليفورنيا يزرعونها فإذا بها بعض أفضل منتوجات في العالم. أفضل من الوارد من أفغانستان او من فييتنام او من جامايكا او جنوب السودان. وهؤلاء يجدون أنفسهم فجأة مهددون بالسقوط تحت سيطرة المؤسسات الكبيرة.
– في الفيلم هناك تعاطف مع تجار الماريوانا الصغار. لكن هل من المفترض بنا أن نؤيد التجار الصغار ضد الكبار او من الأجدر أن نتّخذ موقفاً واحداً من كليهما؟
طبعاً من موقف أخلاقي صارم لابد من وقفة ضد الجهتين، لكني لست هنا في وارد أن أكون شرطياً. المشاهد يستطيع اتخاذ الموقف الأخلاقي الذي يريد لأن الفيلم يتيح ذلك فهو لا يدعو لنصرة فريق على آخر او تحبيذ تجار صغار على تجار كبار. كلهم يعملون في حقل غير قانوني وخطر، لكن الذي استهواني، تكملة لسؤالك، هو ما ورد في الكتاب من أحداث. ولم تكن كل أحداث الفيلم من الكتاب وحده. كان لابد من إضافة بعض المفارقات. الكاتبان دون وينزلو وشاين ساليمو وأنا اشتغلنا على الكتاب وطوّرناه إلى أن أصبح الفيلم الذي شاهدته.
– حين كان أرنولد شوارتزنيغير حاكم الولاية حاول الحد من ذلك الرواج التجاري الكبير للمخدرات وفشل.
نعم. لكنهم أفشلوه. لقد حاول تصحيح ما يمكن تسميته بالمشكلة الصحيّة، لأن هذه هي التسمية الصحيحة لمشكلة الإدمان. الإدمان ليس جريمة كجرائم القتل. لكنهم أفشلوه. حورب على نطاق كبير. الآخرون لا يريدون تغيير النظم المعمولة. هذا يشبه إدارة الدفاع. يشبه صناعة الأسلحة النووية… لا يريدون حلّـها. لا يريدون تغيير النظام حتى ولو كان التغيير هو الفعل الصحيح. هناك من يستثمر في هذه الصناعة وصار من الصعب إيقفاها، وهذا ما يحدث في صناعة المخدّرات. لذلك أقول أننا سوف لن ننتصر في هذه الحرب. أبداً. مطلقاً. إنها كالحرب في أفغانستان او كالحرب في العراق. لا نستطيع إعلان نهاية لأي من هذين الحربين من دون الإعلان عن أن دخولهما كان جريمة. بالنسبة للمخدرات، لا أنادي بجعلها قانونية لكن على الأقل تغيير النظام الذي فشل في احتوائها.
– ماذا عن أفلامك الأولى قبل ذلك؟ ألاحظ أن أوليفر ستون الذي كان ذا نبرة عالية في Platoon و Salvador وJFK و Born on the Fourth of July
يختلف اليوم عما كان عليه. صار أهدأ.
لا أعتقد. لو قلت ذلك عن فيلمي الأخير لما كان ذلك صحيحاً. لكن الذي يحدث هو أنك تعيش ظرفاً كان مليئاً بالأسئلة. أسئلة في بالك وأسئلة في بال المجتمع ككل. وهذه الأسئلة تتغير بتغيّر الظروف. تقول كل ما تريد قوله في فترة معيّنة ثم يصبح من التكرار أن تتوقف هناك وتعيده… طبعاً بحدود. ما الذي أستطيع مثلاً أن أضيفه على «مفرزة» في فيلم آخر طالما أن ما في الفيلم الآخر شبيه بالفيلم السابق. حرب فييتنام عولجت كثيراً في الأفلام من قبل مخرجين آخرين أحبهم جميعاً. وسعيد أنني كنت من بينهم، لكن ما قلته هناك ربما هو كل ما لديّ قوله حتى الآن. كذلك الحال بالنسبة لفيلم “جون ف. كندي”… لا تستطيع العودة إليه بنفس المعطيات وتتوقع أن تحدث اختلافاً.
– لكن خذ «وول ستريت» و«وول ستريت: المال لا ينام” الذي حققته بعد 22 سنة على الجزء السابق. تجد أن الأول كان أكثر صدماً.
يتبع ذلك الظرف نفسه. الا تعتقد؟ حينها كان لا أحد يعلم ما الذي يدور. قدّمت عالماً جديداً للمشاهدين. قبل عامين أو بعد عشرين سنة من الفيلم الأول، هل تستطيع أن تقدّم الفيلم نفسه؟ لا. هل تستطيع أن تفاجيء المشاهدين كما فاجأتهم أول مرّة؟ لا أعتقد.
– نهاية الفيلم الأول منذرة. نهاية الفيلم الثاني توفيقية.

أعتقد أن كل واحد من هذين الفيلمين ساهم في إحداث توعية خاصّـة به. حين تناولت موضوع المضاربة في البورصة وكيف يحقق البعض ثروات هائلة فيه تحت شعار “الجشع جيّد” كان الموضوع بأسره جديداً. في الفيلم الثاني لم يكن. لا تنسى أنه بين الفيلمين هناك أفلام أخرى تعرّضت إلى هذا الموضوع وأن «المال لا ينام» كان عليه أن يكمل قصّـة موجودة لا أن يؤسس لقصّـة جديدة.
– ما هو العامل المشترك الذي تجده في كل أفلامك إذاً؟
أحب الأفلام التي تثير الركود او تدفع للبحث وتبيان الحقيقة. وأنا أبدأ بنفسي. عندما أقرأ سيناريو ما فإن ما أريده من ذلك السيناريو أن يثير لدي ردّ فعل من نوع يدفعني للبحث أكثر خارجه. هناك الكثير من السيناريوهات التي يتم تحقيقها التي لا يجد المخرج أي داع للبحث في أي جوانب متفرّعة. هذا كان الحال من فجر السينما. سيناريوهات كاملة او غير كاملة لكنها لا تدفع المخرج للإستزداة او لإضافة شيء ما عليها. هذا أتجنّبـه قدر المستطاع.
– وتحاول تضمين أفلامك رسائل تتلاقى ومع ما يجول في بال المشاهدين اليوم أيضاً. أقصد “ألكسندر” والرغبة في السيطرة على العالم.
صحيح تماماً. خطّـة القائد الإغريقي، وأنا معجب جدّاً بالثقافة الإغريقية، كانت تطويع العالم بأسره وهو بدأ بالإنتشار في آسيا ومصر. بذلك هو أول قائد فكّـر بطريقة القيادات العسكرية الإستعمارية. أول من عمد إلى نظام الدكتاتوريات العالمية. هذا كان مثيراً لي وأعتقد أنه فتح تلك النافذة أمام المشاهدين ليربطوا بين الفيلم وأحداثه وبين الحاضر أيضاً.
– هل لي أن أسألك عن المخرجين الملهمين في حياتك السينمائية؟ ممن تأثرت بهم أسلوبياً؟
أقدر الفيلم حين لا تعرف ما الذي سيحدث كما الحال في «متوحشون». كانت التجربة أشبه بحمام شمسي او برحلة رائعة تمر بالكثير من الإستدارات والمنعطفات. أردت صنعه على نحو يجعله ممتعاً للمشاهدين. هذا في رأيي أفضل ما يمكن إنجازه: تحقيق فيلم مهم في طرحه بأسلوب مثير. أستاذي في ذلك كان وسيبقى ألفرد هيتشكوك وستانلي كوبريك. هذان الشخصان يستطيعان دائماً أن يفرضا عليك النظر وإعادة النظر. نظرت إلى سام بكنباه وأفلامه الوسترن، وإلى سيرجيو ليوني وكيف ساهم في هذه السينما أيضاً. هناك أفلام ومخرجين عديدين ينتقل التأثير بينهم من دون شك.