فيلم “الاختطاف ” للمخرج الدنماركي ليندهولم
الرأسمالية والقرصنة: حياة الناس في المعايير ذاتها
علي البزّاز
السعادة الإنسانية المُصادرة من قبل القراصنة، ومن الرأسمالية عند المعايير والقيم ذاتها. يشتركان معاً في تهديد الحياة، كلّ بحسب طريقته ومعتقداته ومآربه، يتقاسمان المكان والزمان. الإنسان ووجوده وأحلامه هي الحكمُ على نجاعة الأفكار والسلوك، لا الخطابات والشعارات. يبتغي فيلم” الاختطاف”، حائز جائزة( لجنة التحكيم وجائزة أحسن دور رجالي للممثل سورن مالينك في مهرجان مراكش الدولي 2012)، التنديد بالإرهاب من خلال قرصنة بحرية، والتوحش الرأسمالي الذي يفضل المال على حياة البشر في الوقت ذاته. تتعرّض سفينة الشحن الدنماركية “م.ف روزن” للاختطاف من قبل قراصنة صوماليين في المحيط الهندي، يطالبون بفدية مالية ضخمة. يُساوم مدير الشركة التنفيذي الممثل سورن مالينك الخاطفين، محاولاً دفع فدية قليلة، حفاظاً على أموال الشركة، وعدم تشجيع القرصنة مستقبلاً. تستمر المفاوضات أزيد من 130 يوماً. وبعدما تتمّ التسوية بنجاح، يتعرض ربّان السفينة للقتل من قبل أحد الخاطفين. بمعنى، سبّب ربح المال معاناة طاقم السفينة، وقتل أحد أفرادها. فما الجدوى إذاً من إطالة التفاوض؟ أهو الاستخفاف بحياة البشر مقابل المال؟.

تلتجيء شركة الشحن البحري إلى نصائح خبير في عمليات القرصنة، يظهر دوره جلياً في الفيلم من خلال المشاركة الفعلية في التفاوض، يقودها مدير الشركة التنفيذي مع الخاطفين. يطلبُ منه التقيّد بتعلمياته حرفياً، بغية إعطاء صورة حازمة، تساعد على دفع فدية قليلة. مشهد جميل، يكشف عن بشاعة الجشع الذي ينتج لاحقاً التضحية بكابتن السفينة: يسجلُ خبير التفاوض الأرقام المالية التي يقترحها مدير الشركة على سبورة معلومات، تستمر هذه العملية أزيد من ثلاثة أشهر. المال يدّون بعناية وتراجع تفاصيله، وفي المقابل، حياة الضحايا في صميم الخطر وتتدهور مشاعرهم. تبدأ عملية القرصنة قبل رسو السفينة، الجميع متلهف لرؤية عائلته. يستجيب مدير الشركة لتعليمات خبير التفاوض بمهارة هي في الضدّ من مشاعره، إذ يبدو شخصاً مرهفاً. يطرد زوجته، لأنها تلومه على النوم في المكتب وإدارة العملية بنفسه. وهكذا، يقع في تناقض بين إنسانيته والمال. يُخبّأ طبّاخ السفينة مايكل سلسلة/ الحب، هدية من زوجته في بداية عملية القرصنة. يتعامل مع الخاطفين مباشرة يومياً ، يطبخ متقرّباً اليهم لعله يفلح بفك الحصارعن سفينته. ولكن، هيهات، لا وجود للمشاعر الإنسانينه في عالم الإرهاب. المال هو الأهم من الصداقات والود البشري. يُظهر الفيلم الخاطفين كرعاع همج، لا يتورعون عن القتل في أي لحظة. يُشهرون السلاح من دون مبرر، سوى الإرهاب والابتزاز. يهدّد مجلس إدارة الشركة المدير التنفيذي، بتنحيته عن المهمة، إن لم ينه المشكلة. مصالح الشركة وسمعتها في المقام الأول.أخيراً، تدفع الشركة فدية مالية قليلة قياساً إلى المبلغ المطلوب. يلبس مايك سلسلته ثانية، يحاول أحد الخاطفين أن يأخذها عنوّة ، فيمنعه ربّان السفينة قائلاً: دفعنا الفدية، أترك السلسلة”. لكنه يقتل الربّان بسهولة، ثم ترحل المجموعة مع المال والسلسلة/ الحب. ما أدّخرته الشركة من المال، ساعد في قتل أحد موظفيها . لا يُضبط القتل في حدود أو في أخلاق التفاوض. هم مستعدون للقتل في أي زمان ومكان. يدور الفيلم في مكانين مغلقين؛ مكتب الشركة والسفينة المختطفة، الاّ أنه ينجو من الرتابة والملل، بفضل السيناريو المكتوب بإثارة وتشويق إضافة إلى إدارة الممثلين الجيدة من قبل المخرج ليندهم( 1977). لديه خبرة في كتابة سيناريوهات عدّة أفلام منها(” سويمارينو 2010، مع توماس فينتنبرك،” الصيد” مع مايكل مايكل نوير، وبعض السيناريوهات لجهة التلفزيون”). استعان الفيلم بمواقع تصوير حقيقية وبخبرة بعض الأشخاص، ممن تعرضوا إلى حالات خطف مماثلة من أجل تقديم دراما تُحاكي الوثائقي بحبكة مثيرة.

وهكذا، يجيد الطبّاخ مايكل دوره موازياً الممثل سورن مالينك الذي( منح جائزة أحسن دور رجالي، وذلك، لاجادته طريقة التفاوض مع الخاطفين)، مستعيناً بالصرامة تارة، وطوراً بمشاعر إنسانية تحت القهر الإداري والمالي. يسقط مايكل في نوبة كأبة وتتغير تصرفاته كلّها، عندما يُجبره الخاطفون على نَحر خروف. لا تشفع له مهنة الطبخ، على تحمّل الذبح، ينسى مهمته كطاهٍ وعلاقته بتقطيع اللحم والسكاكين. يتماهي مع مشاعره الإنسانية المغيّبة بسبب الإكراه والتهديد. ثمة فرق بين المهنة عندما تكون مختارة بحرّية وممارسة الشيء قسراً. تظل تصرفات الخاطفين ذاتها منذ بداية العملية ولغاية انتهائها. فهم لا يتمتعون مثلاً بهواء البحر رغم تشجيع طاقم السفينة. يستعمل الخاطفون، شاب صومالي”عمر” للتفاوض” يجيد لغة أجنبية، يدعّي بأنه وسيط ليس إلا، تصرفاته تتطابق مع جماعته من حيث المشاعر، غايتهم المال فقط. لا يتظامن”عمر” مع طاقم السفينة، ولا يقترح أنسنة معاملتهم. في المقابل، تتغير شخصية المفاوض مدير الشركة التنفيذي، متأرجحة بين عملها المهني، يحتّم عليه تسوية مقبولة بأقل التكاليف ومشاعره: يطرد زوجته عندما تلومه على حرصه وعدم النوم في المنزل، علامات الحزن والأسف خصوصاً بعد مقتل الربّان. ثمة تفاوت كبيرعاطفياً وشكلياً بين المفاوضَيَن: “عمر”، مفاوض ينشد المال، غير متعاطف وغير إنساني، لا تتغير ملامح وجهه وتعبيراته. عواطف” عمر” ذات اتجاه واحد نحو المال، بينما مشاعر مدير الشركة في رحله متشعّبة.