ثلاث مهرجانات في أسبوع واحد… والرابع في الطريق

 

أحمد بوغابة / المغرب
يشهد المغرب دخولا سينمائيا استثنائيا هذه السنة، إذ لم يحصل أبدا انعقاد مهرجانات مهمة في نفس الفترة، بل في نفس الأسبوع، وتفتتح بعضها في نفس اليوم، أو تتقاطع في ما بينها عند اختتام أحدها مع افتتاح الآخر. ولا يحدث هذا فقط بين المدن البعيدة بل أيضا القريبة التي لا يفصلها إلا نهر. كما تنعقد هذه المهرجانات في إطار القانون الجديد المُنظم لها وتخضع له، فخلق كثير من المشاكل وتوترا مع اللجنة المكلفة بالدعم. إنها قليلة المهرجانات التي احتجت على قرارات اللجنة. وكان احتجاج بعضها ينطلق من القوانين المسطرة في دفتر التحملات التي وضعتها الوزارة الوصية. وأول مهرجان عبر عن استيائه كان مهرجان سبو للفيلم القصير بالقنيطرة وذلك في رسالة رسمية موجهة لوزارة الاتصال والمركز السينمائي المغربي وعبَّر عنها أيضا جماهيريا في المواقع الاجتماعية حيث أشار مرارا إلى غياب المنطق في “توزيع” الدعم، وبخرقه في حالات عدة بتفضيل تظاهرات ظهرت لأول مرة أو غير ذي تجربة على حساب من راكمته عبر سنين طويلة. وكان ذلك نتيجة لأول اجتماع للجنة الدعم في فصل الربيع الأخير. أما دورتها الثانية في منتصف الصيف فقد دفعت اثنان من المهرجانات إلى التصعيد بالاحتجاج أكثر إلى حد الوصول إلى القضاء من خلال المحكمة الإدارية. كما تفكر فيه كل من إدارة مهرجان الرباط للسينما المؤلف وإدارة مهرجان السينما الأمازيغية بأكادير وهذا الأخير هو الأكثر جذرية وراديكالية من اي تظاهرة أخرى. في هذه الورقة وقفات عند محطة كل مهرجان على حدة وجمعها القدر في نفس اللحظة الزمنية.

سلا: صراع سياسي/ نسائي بين مصر والمغرب
مهرجان سلا هو مهرجان ينظمه الرجال لصالح النساء. ويحمل إسم “المهرجان الدولي لفيلم المرأة” الذي وصل هذه السنة إلى دورته السابعة. وهو من المهرجانات التي تشتغل براحة وأريحة لأن الدعم يصلها من كل صوب، سواء كان رسميا أو خاصا. فهذه أول سنة التي يتمكن فيها المهرجان من الحصول على أفلام المسابقة من إخراج المرأة، إذ كان سابقا يتم الاعتماد أيضا على الأفلام التي يخرجها الرجال حول المرأة. لقد حقق المهرجان “الاكتفاء الذاتي في أفلام المرأة”!؟. أما لجن التحكيم فهي دائما تتشكل من أسماء نسائية في الوقت الذي يتحدث المجتمع المعاصر على المساواة والمشاركة الثنائية للجنسين في جميع القضايا الإنسانية فما بالكم بالفنون. لقد بنى هذا المهرجان “غيتو” له هو فقط ضاربا عرض الحائط اجتهادات الدولة في مستوياتها العليا. سنصل ـ ربما ـ في يوم ما في هذا المهرجان إلى أن يصبح ممنوعا على الرجال كليا مشاهدة أفلامه حين يتمكن من استقطاب جمهور واسع من النساء. أو كما كان معمولا به في بعض القاعات بالأحياء الشعبية  في طنجة خلال سنوات الأربعينات (لا أدري إن كان معمولا به في باقي المدن) بفصل الجمهور بين النساء والرجال حيث تصعد النساء إلى البالكون ويبقى الرجال تحت. كنا نسمع جداتنا وخالاتنا يتحدثن عن أسواق في المغرب مخصصة للنساء فقط. استمر ذلك في الريف مثلا إلى أواخر سنوات الستينات. وربما لا يعرف هذا المهرجان بوجود أفلام وثائقية كثيرة جيدة من إخراج المرأة وجلها رائعة. فهو لا يدرجها في المسابقة ولا يخصص لها مسابقة خاصة بها. هذه مجرد ملاحظات فأهل مكة أدرى بشعابها.

أراد المهرجان، في سهرة افتتاحه، أن يكون لطيفا ويبدو عليه أنه يعترف بالجميل لأصدقائه فحيي جميع الموتى الذين خطفهم الموت. إلا أن تلك الفقرة كانت طويلة إلى حد أن الافتتاح كاد أن يتحول إلى جنازة في الوقت الذي كان بالإمكان تكثيف الزمن وهو العنصر الأساسي في لغة السينما. أو لم يفكر المنظمون في توزيعها على امتداد الأسبوع إذا كانوا مصرين على تقدميهم بذلك الشكل؟ وتضاعفت أزمة المتابعة لحفل الافتتاح بإعطاء حق الخطاب لرئيس الجهة ورئيس الجمعية المنظمة للمهرجان وكل واحد منهما يمرر “كلاما” لا علاقة له بالسينما ولا مجاله.
أما الحدث الذي سيطغى في تلك الليلة الأولى من أيام مهرجان المرأة وستتداوله وسائل الاتصال لأيام هو الصراع الخفي للمرأة على الخشبة أمام الجمهور الذي غصت به القاعة حيث شاهدنا “الحوار السياسي” من نوع خاص جدا. بين فنانة آتية من مصر وهي أثار الحكيم التي كرمها المهرجان في تلك الليلة ووزيرة مغربية السيدة بسيمة الحقاوي التي تتحمل حقيبة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية. وهي المرأة الوحيدة في الحكومة المغربية والتي تنتمي للحزب الحاكم. فقد تحدثت أثار الحكيم في البداية بقول أشياء عادية ومقبولة حول الرقابة الغريبة التي كانت قد بدأت تتشكل في مصر خلال سنة بفرض قيود على الفن القديم والجديد معا كتلك الممارسة التي أقدم عليها البعض بوضع أغطية على بعض التماثيل وتشويه أخرى مستشهدة بهذه الأمثلة على أنه كان هناك نوع من محاولة فرض رأيا بالقوة على باقي الشعب. لكنها لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته لتحيي بالإسم “عبد الفتاح السيسي” كمنقذ لمصر. وهذا ما أثار حفيظة بعض الحضور إذ لمسوا نوعا من الاستغلال السياسي للمنصة في مجال السينما مع أنها ضيفة مُكرمة ومُعززة. ورأى الكثيرون أنها حملت معها إلى المغرب مشاكل مصر الداخلية لا وجوب لها ولا محل لها من الإعراب، خاصة وأن المجتمع المغربي مقسم إلى أربعة أطراف، بين من هو مع “الانقلاب” ولا يصفونه بذلك وإنما حرر مصر، ومع من هو ضده دون أن يكون يدعم بالضرورة “الإخوان”. وطرف آخر لا يهمه ما يحصل في مصر ولا يعتبر أنه معنيا به. وطبعا هناك طرف يؤيد صراحة “الإخوان”. إن السيدة الوزيرة من الفئة الأخيرة ومع ذلك تم استدعاؤها إلى المنصة لكي تقدم درع المهرجان للممثلة المصرية هي في الجهة المناقضة لها، لأن المنشطين يلتزمان حرفيا بما قيل لهم من طرف إدارة المهرجان وهذه الأخيرة لم تستدرك الحالة بسرعة، خاصة وأن بعض الصحفيين المصورين الذين كانوا أمام الوفد الرسمي في الصف الأمامي عاينوا امتناع الوزيرة في البداية من الصعود إلا أنه تم إقناعها مادام إسمها قد تم الإعلان عنه رسميا من لدن المنشطين. وبالتالي، فهي مضطرة ومحرجة في آن واحد. وحين صعدت المنصة سلمت الدرع للممثلة بسرعة البرق دون أن تنظر إليها وتركتها وحدها رغم أن أثار الحكيم كانت تنتظرها لأخذ الصور معا، وتلتفت إليها باستمرار، بينما الوزيرة تناقش مع المنشطين حيث سيتبين بأنها تلح عليهما لأخذ الكلمة، وبذلك ردت على طريقتها لكن بدبلوماسية قاسية بمعنى كلمتها فيها نقد لاذع دون أن تسميها لأنها تعلم أن الجميع يعلم ما تقصده.
وسيستمر التمطيط في حفل الافتتاح بتقديم لجنة التحكيم الرسمية المكونة فقط من النساء، من جنسيات مختلفة، ثم تقديم فيلم الافتتاح أيضا لمدة لا بأس بها وهو فيلم مغربي بعنوان “زينب، زهرة أغمات” الذي يُعرض لأول مرة بحضور مخرجته السيدة فريدة بورقية وفريقها الفني والتقني، وهي مناسبة لتكريم هذه المخرجة في ذات الوقت. ونشير أن الفيلم مُبرمج أيضا في المسابقة الرسمية. لم يصلنا الفيلم حتى كان التعب قد لحق بنا. برنامج المهرجان هو نفسه كالسنوات السابقة، أو ما هو موجود في جل المهرجانات، مناقشة العروض السينمائية بحضور مخرجاتها إلى جانب أنشطة موازية كالورشات حول السيناريو. وكأن المغرب سيتحول كله إلى كُتاب للسيناريو حيث هذه الفقرة من المستحيل عدم وجودها في مهرجان ما.     

أكادير: الاحتجاج الراديكالي
بموازاة مع مهرجان سلا، في نفس اليوم والساعة، كان هناك مهرجان آخر في أكادير (جنوب المغرب) المتخصص في السينما الأمازيغية  يعلن بدوره عن افتتاح فعالياته على إيقاع مختلف جذريا عن سلا. مهرجان، تنظمه جمعية شابة بمعنى الكلمة. إسمها بالأمازيغية “إسني ن ورغ” وتعني “التاج الذهبي” حيث الأغلبية الساحقة من أعضائها لم تتجاوز بعد عقدها الثالث ومنها من خرجت توا من العقد الثاني في حياتها، ومع ذلك فمهرجانها مُنظم باحترافية والمسؤوليات موزعة ليُحاسب عليها كل واحد على ما حققه وما عثر فيه وكيف يمكنه التطور فيها مستقبلا. مجموعة شباب، في ريعان العنفوان، تعتبر نفسها جزء من المجتمع الأمازيغي المسؤول على إعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية التي يعتبرونها مقصية من الشأن العام المغربي. فهم بذلك يناضلون أكثر من غيرهم لإنجاح تظاهراتهم التي وصلت بدورها إلى الرقم السابع. فيحاول المتتبع المقارنة بين مهرجان سلا للمرأة ومهرجان أكادير للأمازيغية. بين من تجاوزوا الستين في عمرهم (سلا) مع من هم في بداية الحياة (أكادير)، بين من يسعى فقط ل”تنشيط” مدينة سلا وبين مَنْ له “قضية” في أكادير، وبين مَنْ تحتضنه أكثر من ستين (60) جهة ذات وزن اقتصادي كما هو الحال في سلا مثلا وبين مَنْ يصل إلى عشرة (10) محتضن فقط محلي في أكادير.

اعتقد شباب جمعية “إسني ن ورغ” عند الإعلان عن اللجنة التي وضعتها وزارة الاتصال لدعم المهرجانات اعتمادا على دفتر التحملات أنها وصلت إلى مبتغاها. لكن تلقت صدمة قاسية. فكان ردها بنفس القوة حيث رفضت الدعم الذي حددته لها اللجنة والذي تعتبره غير كاف وغير منصف. ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية في نضالها ضد القرار برفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية المتخصصة في مثل هذه القضايا ضد اللجنة (وللتوضيح فإن اللجنة تخضع للوزارة الوصية وهي وزارة الاتصال التي عينتها وليس للمركز السينمائي المغربي كما يعتقد البعض). وصعَّدَتْ الجمعية من نضالها عند اقتراب تاريخ انعقاد مهرجانها بسحب جميع الأفلام الأمازيغية سواء التي كانت مبرمجة في المسابقة الرسمية أو خارجها وحتى التي أنتجتها الجمعية نفسها احتجاجا على اللجنة. وبالمناسبة فإن مهرجان السينما الأمازيغية هو الوحيد في المغرب الذي أخذ على عاتقه بنشر أفلام من إنتاجها على الأقراص المدمجة، يعني DVD، فضلا على خلقه لصندوق من أجل دعم سيناريوهات للأفلام الأمازيغية. وكذا إصداره للكتب سنويا ككتاب “الفيلم الأمازيغي: أسئلته ورهاناته” للناقد محمد بلوش. وكتاب “إضاءات حول الفيلم الأمازيغي” لمحمد زروال.
أثار قرار الجمعية، بسحب جميع الأفلام الأمازيغية من المهرجان، نقاش بين المهتمين بهذه السينما وبين جمهوره الوفي منذ سبع سنوات. ليمتد إلى ساكنة مدينة أكادير ونواحيها. فخلق نوع من التضامن والتآزر مع الجمعية حتى من طرف الذين لا يعلمون شيئا عن السينما وذلك من منطلق الدفاع عن مهرجان يُعتبر في طليعة النضال الثقافي والفني للأمازيغية على المستوى الوطني، ويمكن القول المغاربي أيضا. وهكذا وسعت الجمعية رصيدها الجماهيري. وتمكنت من التعريف أكثر بمهرجانها والإشهار به. ونجح المهرجان في استقطاب الدعم المعنوي من المسؤولين المحليين الذين عبروا بالواضح على ذلك في كلماتهم عند افتتاح المهرجان. كالتنويه الذي خص به الجمعية السيد رئيس المجلس البلدي وثَمَّنَ “صمود المهرجان وسط الإعصار وطالب بضرورة تطبيق الجهوية كما هو حاصل في عدة دول” بينما رئيس الجهة ذكر بأن الجهة منحت ميزانية تصل إلى 3 ملايين درهم مغربي للجنة الفيلم بورزازات مخصصة فقط لدعم الإنتاج السينمائي الأمازيغي ومهن السينما استُهلك منها الثلثين فقط”. إن المواقف الراديكالية التي اتخذتها إدارة المهرجان، دون أن تلغي دورتها، تحولت لصالحها مائة في المائة 100% إنه دهاء الشباب وذكائه الذي حوَّلَ نقطة سلبية تعرض لها في اتجاه إيجابي في مسيرته. فلو كان ألغى الدورة الحالية لما عرف هذا النجاح والحديث عن موقف الرباط من أكادير (سينمائيا طبعا).
احتفظ المهرجان بفقراته الأخرى كالورشات والندوات والمحاضرات واللقاءات فضلا عن سينما الضيف وهي فقرة متميزة إذ يتم برمجة سينمات من العالم تعاني من التهميش في بلدانها الأصلية، أو غير معترف بها، أو تنتمي لما يُسمى بالأقليات. سبق للجمعية أن برمجت أفلام الطوارق أو الكردية أو هنود كندا. أما هذه السنة فقد استضافت السينما “الكطلانية” بكل خصوصياتها المثيرة للجدل بمواضيعها الراديكالية. تضيف الجمعية في كل دورة فقرة جديدة باجتهادها في إضافة ما لا توفره المهرجانات الكثيرة بالمغرب. لا تحس بالملل بين شباب المهرجان الذي لا مثيل له في الاستعداد لتقديم جميع الخدمات للمدعوين والعناية بهم بشكل تلقائي فيه الحب الإنساني المحض.
ورغم غياب الأفلام، خاصة الأمازيغية، التي تشكل العمود الفقري لأي مهرجان إلا ان الدورة الحالية (7) كانت ساخنة بمواضيعها الجذرية ك”السينما والسياسة” و”علاقة الأدب الأمازيغي بالسينما” و” الفيلم الأمازيغي في الاستراتيجية الثقافية لجهة سوس ـ ماسة ـ درعة” (منطقة الجنوب المغربي) إلى آخره. وتوج ذلك بعقد يوم دراسي، في اليوم الأخير من المهرجان، انبثق عنه “ميثاق الفيلم الأمازيغي” تضمن مجموعة من التوصيات والآراء والأفكار تمس التلفزيون أيضا وليس السينما فقط.
وفي إطار النضال الذي تخوضه جمعية “إسني ن ورغ”. فقد اختارت تأثيث بالواضح والملموس ملصقها الرسمي بالشعار الأمازيغي للأصبع الثلاثة والذي يدل على “أفكال” بمعنى الإنسان، و”أكال” بمعنى الأرض، و”أوال” بمعنى اللغة الأمازيغية.

الرباط : أمام المحكمة
لابد من القول في البدء أن مهرجان الرباط لسينما المؤلف الذي تنظمه “جمعية مهرجان الرباط” قد نقل فعالياته إلى هذه الفترة التي لم تكن في حيزه الزمني سابقا، فهو كان يُعقد منذ تأسيسه في شهر يونيو. وهذه أول سنة ينتقل إلى شهر شتمبر/ أكتوبر (من 27 شتمبر إلى 5 أكتوبر 2013 في دورته 19 لهذه السنة) وبالتالي تقاطع مع المهرجانين السالفين خاصة مع سلا الجارة التي اختلط المدعوين في فترة ما في الفندق نفسه، ومنهم من كان محسوبا على مهرجان سلا فمدد إقامته في مهرجان الرباط. لا تفرق بين المدعوين. وأعتقد أن ما حصل هو من مكونات المدينتين الجارتين في شتى المجالات. نسمع عادة على أمواج الإذاعة الوطنية الإعلان عن “الآذان حسب توقيت الربط وسلا وما جاورهما”. أو “مطار الرباط ـ سلا”. وأيضا أنهما في نفس الجهة في إطار التقسيم الإداري للجهات بالمغرب. فهل تعمدت إدارة المهرجان نقله إلى هذه الفترة حتى يواكب “مؤتمر منظمة المدن والحكومات المحلية” الذي تحتضنه الرباط عاصمة المغرب خلال هذا الأسبوع؟ أم لأسباب أخرى لوجيستيكة؟ لا يهم. فالمهم أن المهرجان غير تاريخه كما يُغير باستمرار إداراته ومدرائه… إلا الرئيس وطبيعة البرامج واختيار الأفلام وفضاءات المهرجان.
لا يمكنني الحديث بالتفاصيل أو الوقوف عند لحظات منه لأنني لم أواكبه منذ بدايته. ولم أستمر في متابعته نظرا لمهام أخرى خارج الوطن منعتني من ذلك. ولا يمكنني الاعتماد فقط على ما يروج حوله بين الناس بحكم اختلافات جذرية في حكمهم عليه، بين من يشيد به إلى جانب من يرى مشاكل كثيرة في كل مكان بينما لا تتوفر لي شخصيا معطيات الحكم عليها للفصل فيها أنا الذي لم أمكث فيه إلا لمدة يومين من متابعتي له.

لكن، يمكنني أن أجزم بأن كثير من الأفلام المُبرمجة في المهرجان ـ حسب دليل المهرجان ـ  هي جيدة لكوني شاهدت معظمها في مهرجانات أخرى أجنبية ـ باستثناء الأفلام المصرية ـ وهي فرصة لكي يطلع عليها الجمهور المغربي هو أيضا. كما أعتبر الشخصيات المُكرمة في هذه الدورة تستحقها عن جدارة كالممثلة المغربية الاستثنائية نزهة رحيل والمخرج التونسي ناصر خمير والفرنسي جان ـ بيير كريف والمخرج الراحل الروسي أندري تاركوفسكي.
سمعت في الكواليس أن إدارة المهرجان تشتكي من صعوبات مالية وإن كنت أسمع هذا الكلام سنويا. وبسبب ذلك فقد احتجت الإدارة بدورها على لجنة دعم المهرجانات. فهي ترى في قرار اللجنة إجحافا في حق تظاهرتها فقررت هي أيضا رفع دعوى قضائية ضد اللجنة. لكن لا نعلم هل تم تفعيلها إداريا أم مجرد تهديد للبحث عن حلول للمستقبل؟ عندي كثير من الأسئلة حول هذه النقطة بالذات، يعني الدعوى القضائية ضد اللجنة من طرف مهرجان الرباط أو جمعيته، لأن الأمر مختلف مع جمعية “إسني ن ورغ” للسينما الأمازيغية باعتبار أن هذه الأخيرة ليست لها علاقة إطلاقا بوزارة الاتصال والمركز السينمائي المغربي، لا من بعيد ولا من قريب، بينما مهرجان الرباط مجسدا في جمعيته هو أن كثير من أعضاء مجلسه الإداري هم موظفون رسميون في المؤسستين الرسميتين المذكورتين. فكيف ستكون صيغة الدعوى؟ وضد من؟ سنترك الأسئلة إلى أن تُتاح لنا فرصة تعميقها والبحث عن أجوبة لها قريبا.

طنجة: الانتقال إلى الخزانة السينمائية
سيختتم مهرجان الرباط لسينما المؤلف يوم السبت 5 أكتوبر 2013 لينطلق بعده مباشرة المهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة يوم الإثنين 7 أكتوبر بمشاركة 18 دولة ب46 فيلما في المسابقة الرسمية للدورة 11. ويترأس لجنة التحكيم هذه السنة الصحفي والوزير السابق للشباب محمد الكحص الذي سيلقي ايضا الدرس السينمائي في صباح يوم الاختتام.
سيعرف هذا المهرجان كثير من التعييرات وأهمها انتقاله إلى الخزانة السينمائية بطنجة التي كان المهرجان يكتفي فقط بإعادة العروض فيها. تصبح الخزانة هذه السنة القاعة الرسمية للمهرجان. أنها خطوة إيجابية جدا. لأنها حملت السينما والأفلام ومخرجيها وباقي الحضور من النقاد والصحفيين إلى قلب السينما نفسها باعتبار الخزانة السينمائية ليست قاعة تجارية بالمفهوم السائد وإنما فضاء ينشر الثقافة السينمائية على امتداد السنة. وأجوائها ملائمة للشباب السينمائي وأيضا للصحفيين بالعمل المباشر فيها نظرا لتوفرها على الأنتيرنيت المفتوح للجميع عوض الانتقال بين القاعة والفنادق.
من ضمن التغييرات التي ستحل على هذه الدورة نذكر مثلا حذف بانوراما الأفلام المغربية القصيرة المنتجة خلال السنة والتي لا يكون قد تم اختيارها للمسابقة كما كان معمولا به سابقا لكون الإنتاج المغربي انخفض في السنتين الأخيرتين وأيضا مستواها بحكم أن كثير من مخرجي الأفلام القصيرة انتقلوا للعمل في الأفلام الطويلة وبالتلفزيون الذي سرق منهم الوقت كله. وسيتم تعويض هذه الفقرة بعرض 6 أفلام مختارة من المدارس السينمائية.
ونشير إلى ان لجنة دعم المهرجانات قد قلصت 40 في المائة من ميزانية مهرجان الفيلم المتوسطي لهذه الس��ة. وهذا تأكيد لما أشرنا إليه أعلاه بأن اللجنة هي تابعة لوزارة الاتصال أكثر منه للمركز السينمائي المغربي وهو المنظم الرسمي لهذا المهرجان ومؤسسه. ولنا عودة إلى هذا المهرجان.


إعلان