وثائقيات الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي
قيس قاسم
برنامج الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي أُعلن عنه رسمياً قبل أيام في مؤتمر صحفي إستعرض فيه رئيس المهرجان علي الجابري خطوطه العامة وأبرز ما استجد فيه، وحصيلة ما تم اختياره من أفلام أدرجت بعناية لتغطي مساحة فقراته الكثيرة “لقد جَمعت فقرات هذه الدورة أفضل ما أنتج سينمائياً على الصعيدين العربي والعالمي لهذا العام، وقمنا باختيار باقة من الأفلام والأسماء السينمائية التي حققت حضورها في المشهد السينمائي العالمي، وحازت ثناء نقدياً كبيراً”. إذا كان هذا الكلام يصح على مجموع اختيارات المهرجان فأنه يصح بشكل خاص على أفلامه الوثائقية لأسباب كثيرة تخص حالتها في منطقتنا، وذائقه مشاهديها والإهتمام بهذا النوع السينمائي على المستوى التجاري. واحدة من تميزات المهرجان تكمن في تشجعيه على انتاجها واتاحة الفرصة لجمهوره لمشاهدة أفضل ما مقدم منها في العام الواحد لتؤسس بهذا ذائقة سينمائية جديدة لم يألفها الجمهور العربي من قبل تتقارب بالطبع مع توجهات المهرجانات المختصة بالفيلم الوثائقي وهي قليلة بالمقارنة بالمهرجانات العامة. على مستوى الدعم المقدم لصناع الوثائقي فأن صندوق “سند” يلعب دوراً مهماً في تشجيعهم على الإستمرار في عملهم خاصة وأن الكثير منهم لا يجدون الدعم المطلوب في بلدانهم والعراق خير مثال فما زال دعم الجهات الرسمية أو المعنية بالسينما دون الطموح وتوجه سينمائييها للبحث عن مصادر دعم خارجي ملحوظ وبالتالي فأي عون يحصلون عليه، من هذا المهرجان أو غيره مثل دبي والدوحة، يعد بمثابة طوق نجاة لطموحاتهم السينمائية وفي هذا المجال لاحظنا حصول أفلام عراقية، تميزت بالجودة عموماً، على دعم مهرجان أبوظبي كفيلم قاسم عبد الجديد “همس المدن” والذي يمثل كما جاء في الكاتالوغ المنشور على موقع المهرجان الرسمي “رحلة شخصية تستمر لأكثر من عشر سنوات في العالم المحبب إلى قلبه، يجمع صوراً من الحياة في شوارع رام الله، بغداد وأربيل، تكشف عن النضال اليومي للروح البشرية”. والى جانبه هناك فيلم المخرج التونسي عوني حمزة “جمل البروطة” الذي استغرق انجازه أكثر من ست سنوات تابع فيه حياة تونسيين يعملان في تحميل وتفريغ شاحنات القش، وكيف توصلهما الظروف المعيشية المزرية قبل الثورة إلى طريق مسدود. وضمن الموضوع العربي سعى المهرجان الى إحضار ما هو منتج في بلدان العربية الى جمهوره، ودعم صانع الفيلم الوثائقي نفسه ليكمل دربه الابداعي، وما حققته بعض الأفلام المقدمة في دورة العام الماضي من نجاحات على المستوى العالمي وحصولها على أرفع الجوائز في مهرجانات كثيرة كفيلم “عالم ليس لنا” للفلسطيني مهدي فليفل ما يشير الى ذلك بوضوح. تعرض دورة هذا العام، التي ستبدأ أعمالها في الرابع والعشرين من هذا الشهر وتستمر حتى الثاني من نوفمبر، أفلاماً في عرضها الدولي الأول اشتركت في تناولها موضوعات آنية لها صلة بما تمر بها بلدان المنطقة من أحداث وتغييرات مثل الفيلم المصري “قيادة في القاهرة” لشريف القطشة، وفيلم محمد سويد “بلح تعلق تحت قلعة حلب” يسجل فيه صاحب “نساء عاشقات” و”ما هتفت لغيرها” تجربة شاب اختفى والده في أقبية المخابرات السورية منذعام1980 ، وكيف انخرط بالثورة، هتَافاً في التظاهرات الحاشدة في البداية حتى أصبح مقاتلاً في شوارع مدينة حلب.
مسابقة أفلام الإمارات

على المستوى المحلي تلعب “مسابقة أفلام الإمارات” دورا مهماً في دعم الفيلم الوثائقي كونها أصلاً تعني بالنشاط السينمائي الإماراتي والخليجي عموماً وعبرها يراد اكتشاف المواهب الجديدة. المسابقة التي يشرف عليها المخرج صالح كرامة، انطلقت كما هو معروف في العام 2001 (تحت اسم “مسابقة أفلام من الإمارات”) كواحدة من أوائل المسابقات للأفلام في الإمارات العربية المتحدة، بهدف دعم الإنتاج الفيلمي في منطقة الخليج. وسرعان ما تحوّلت المنصة الأولى للمخرجين الإماراتيين والخليجيين لعرض أفلامهم ومشاركة تجاربهم. في كلّ دورة، تقدم المسابقة ورش عمل وتعرض أفلاماً دولية قصيرة وتصدر كتباً حول مواضيع مهمة في حقل السينما، فضلاً عن سِير مخرجين بارزين من العالم. ومنذ إبصارها النور، أسهمت المسابقة وجوائزها في بناء ثقافة سينمائية وصناعة فيلمية في الإمارات فيها الوثائقي أخذ حيزه وجوائزها ضمنت له مكانته.
دُرر وثائقية
على الصعيد العالمي هناك الفيلم الفائز بجائزة الأسد الذهب في مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير “طوق غرا المقدس” للإيطالي جان فرانكو روزي. الى جانب الباكستاني “هذة الطيور تمشي” ويصور الصراع بين أطفال شوارع كراتشي وبين”السامريون الطيبون” من مؤسسة” أدي” الذين يبحثون عنهم. الوثائقي مصوّر بأسلوب “سينما الحقيقة”، الأمر الذي أسفر قصة أثيرية وملهمة عن القدرة على الصمود في ظل ظروف صعبة. وأفلام أخرى امتازت بتحديها لنا لإعادة النظر بالمُسَلمات التي تسكننا مثل خطورة المفاعلات النووية المستخدمة في إنتاج الطاقة الكهربائية أو ترحيبنا العظيم بالمساعدات الدولية عقب حدوث أي كوارث طبيعية دون تمحيص حقيقة تلك المساعدات وطرق وصولها لمحتاجيها والجهات الخفية التي تحول مساراتها الى أرباح سياسية واقتصادية كما في فيلم الهاييتي راوول بيك “المساعدة المهلكة” حول الهزة الأرضية التي دمرت أجزاءً من بلاده وشردت آلاف من مواطنيه في انتظار مساعدات دولية واعدة في أول الأمر لكنها سرعان ما تحولت الى “مهلكة” للناس والحكومة التي ظلت تركض وراءها دون فائدة فقد اكتشف الوثائقي ان ما هو معلن غير ما هو مرتجى والمتضرر الأكبر هم من تضرر أصلاً بالكارثة. أما الوثائقي الأمريكي “وعد باندورا” فيعيد النظر من خلال علماء وناشطين بيئيين بالخطر الذي نعرفه عن المفاعلات المستخدمة اليوم لأغراض سلمية وكيف انها في الحقيقة أفضل من غيرها المقترحة كبديل لها. في فيلمه يدعو المخرج روبرت ستون الى فتح النقاش على أوسع أبوابه دون حكم مسبق لأن المعطيات العلمية والحرص على كوكبنا من الدمار يلزمنا الإنفتاح على الحقائق حتى لو جاءت متأخرة وغير متوقعة.