الملتقى الثاني لحقوق الإنسان بالقنيطرة

“السينما في خدمة قضايا حقوق الإنسان”

أحمد بوغابة / المغرب

يعود الملتقى الجهوي للسينما وحقوق الإنسان بالقنيطرة هذه السنة أكثر قوة وتنظيما في دورته الثانية بعد نجاح دورته التأسيسية الأولى التي وضعت الإطار العام للاشتغال. وقد اجتمع لإنجاح هذا الملتقى الثقافي والفني المحض كل من جمعية مدنية عريقة في الحقل السينمائي يرجع تاريخ وجودها لبداية السبعينات من القرن الماضي والذي يترأسه أحد الأسماء البارزة في النضال الحقوقي والسينمائي معا الأستاذ أيت عمر المختار الذي كان كاتبا عاما ثم رئيسا للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب إبان سنوات الرصاص بالمغرب هو الذي عرف أيضا مرورا بسجون الدولة المغربية. كانت الجامعة الوطنية الأندية السينمائية حينها قوة ثقافية جذرية، وفي أوج عطائها ونشاطها، إلى حدود منتصف التسعينات من نفس القرن. ومعها جهة رسمية ممثلة في اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرباط – القنيطرة التي يترأسها الأستاذ عبد القادر أزريع أحد المناضلين الحقوقيين وطنيا ودوليا. لقاء جميل، إذن، حول قضية مشتركة فيه منافع لساكنة المنطقة.

تنعقد الدورة الثانية للملتقى الجهوي للسينما وحقوق الإنسان من 12 إلى 16 نوفمبر الجاري بمدينة القنيطرة (تبعد 30 كلم عن شمال العاصمة الرباط) تحت شعار “السينما في خدمة قضايا حقوق الإنسان” انطلاقا من الوعي بدور الصورة في التثقيف لذا كان اختيار الفيلم لفتح النقاش العمومي مع المختصين والمحترفين والجمهور وكل من يعنيه الأمر للدفع بحقوق الإنسان إلى الأمام برؤية طموحة للمستقبل وبنائه بناء صحيحا يصمد أمام كل التقلبات الممكنة والمفترضة. وقد أصابت اللجنة بما جاء في كلمتها الافتتاحية باسم هذه المؤسسة “إن اعتماد اللجنة الجهوية على السينما كدعامة لنشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، يجد سنده في كون المعارك الديمقراطية والحقوقية الكبرى كانت دائما في ارتباط عضوي بالمسارح ودور السينما والرسم والغناء وغيرها، مما يجعل الانفتاح على كافة الأجناس السبعة النبيلة من الفنون ضرورة مفروضة في العمل اليومي في مجال حقوق الإنسان”، ونِعْمَ التفكير.
وقع الاختيار في الدورة الثانية على الأفلام التي تعالج تأثير الاعتقال والسجن على المعتقلين والمساجين وذويهم بعد إطلاق سراحهم، أو بعد إنهاء المدد التي حوكموا بها، وكيف يستقبلون العالم الخارجي من جديد وكيف ينظرون من حولهم للتغيير الذي حصل في غيابهم على أسرهم ومجتمعهم وفي ذات الوقت نظرة الأسرة والمجتمعات للمعتقلين والسجناء.
سيعرف اليوم الأول من الافتتاح (الثلاثاء 12 نوفمبر في الساعة السادسة والنصف مساء) حدث سينمائي تاريخي بفضل فيلم “العيش في تازمامارت” بحضور مخرجه الفرنسي الشاب دافي زلبرفان الذي لم يكن يتجاوز 18 سنة حين بدأ يفكر في إخراج هذا الفيلم والذي تمكن منه سنة 2005. وستكمن تاريخية هذا العرض أساسا في حضور عدد من قدماء معتقلي تازمامارت سواء الموجودين في الفيلم أو أصدقائهم الذين شاركوهم نفس المعاناة لسنوات. لم يلتقي المخرج بهم منذ إنجاز الفيلم. ومنهم مَنْ لم يسبق له أن شاهد الفيلم من قبل وبالتالي ستكون هذه أول مرة يرى فيها صورة عن تاريخه الشخصي والجماعي.
ستستمر أيام التظاهرة على نفس الإيقاع بأفلام لها نفس الوزن في معالجة موضوع الملتقى، وهي: “شتي يا دني” للمخرج اللبناني بهيج حجيج الذي حصد مجموعة كثيرة من الجوائز. و”الأستاذ” للمخرج التونسي محمود بن محمود و”أحرار في سجن غزة” للمخرج البلجيكي كريس دين هوند، و”1995″ للمخرج المصري خالد يوسف الذي يتوقف فيه عند تجربة السينمائي المصري المناضل رمسيس باسل الذي ينتمي لعائلة ملتزمة سياسيا وفكريا باليسار المصري وهو نفسه تعرض للاعتقال.
ويختتم الملتقى بالفيلم الطويل المغربي الجديد “هُمْ الكلاب” للمخرج الشاب هشام العسري في ثاني عرض له في المغرب بعد العروض التي عرفها في أوروبا كمهرجان “كان” في دورة السنة الجارية، ومؤخرا في قرطبة بإسبانيا التي حصل منها على الجائزة الكبرى وكان حسن باديدة، الذي أدى الدور الرئيسي، قد فاز بجائزة أفضل ممثل من مهرجان الرباط في دورته الأخيرة، ويعرف الفيلم برمجة في عدد من المهرجانات الدولية وبالتالي سيكون حظ ساكنة القنيطرة مشاهدته في بداية عروضه الأولى قبل مهرجان مراكش الدولي التي سيعرض فيها في فقرة “نبضة قلب”.
وتمتد أنشطة الملتقى إلى بعض المدن الصغيرة المجاورة للقنيطرة بأفلام أخرى في إطار التعاون مع الجمعيات والأندية السينمائية بها ضمن نفس التوجيه. وهذه التظاهرة تريد أن تكون ملتقى – كما يحمل إسمها – للنقاش ببعد ثقافي لذا لا يريد أن يتضمن مسابقة بين الأفلام، مستبعدا حاليا المنافسة، رمزية كانت أو غيرها، بقدر ما يضع جميع الأفلام المشاركة في مستوى واحد حتى تكب المساهمة في إثارة الانتباه لثقافة حقوق الإنسان وتشييعها. كما لم يرغب الملتقى أن ينغلق داخل الجغرافية المغربية فقط واقتصار النقاش بين أهل البلد وحدهم وإنما فتح حدوده لمختلف التجارب السينمائية، وبالتالي الحقوقية، في باقي الأقطار للتفاعل الإيجابي معها. ولم ينغلق أيضا في جنس سينمائي واحد على حساب الآخر بل جمع في البرمجة بين الروائي المتخيل وبين الوثائقي فهي كلها أفلام لها نفس الدور ونفس الأبعاد.

ممنوع الأفلام في السجون !!!!!
وكان النادي السينمائي بالقنيطرة قد فكر مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرباط – القنيطرة في تنظيم مجموعة من العروض السينمائية داخل بعض السجون الموجودة في المدن الصغيرة المجاورة منها: تفيلت، سوق الأربعاء، سيدي قاسم، وأيضا سلا والقنيطرة لخلق أجواء جديدة داخل تلك المؤسسات السجنية حيث وافق المخرج الشاب ابراهيم شكيري ومنتجه محمد رزق على عرض فيلمهما “الطريق إلى كابول” فيها رغم أنه مازال يُعرض تجاريا في القاعات السينمائية بنجاح منقطع النظير منذ سنتين، وهو الفيلم الذي حصل على أعلى إيرادات في السينما المغربية لحد الآن فأصبح ظاهرة استثنائية وسابقة نادرة، لأنه لم يسبق في التاريخ من قبل، لفيلم مغربي أن يبقى في القاعات طيلة مدة سنتين، وفي بعض القاعات لأكثر من 6 شهور متتالية.
“الطريق إلى كابول” هو فيلم كوميدي صرف جمع كثير من الممثلين المغاربة حيث كان قد عبَّرَ بعضهم أيضا – مشكورين – على استعدادهم لحضور العروض بالسجون واللقاء بالسجناء للحديث معهم والترفيه عنهم إلا أن “المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج” (يتحدثون عن إعادة الإدماج والله أعلم !!!) قد أخبرت الجهات المنظمة برفضها تلك العروض داخل “ترابها” بيومين فقط قبل الشروع فيها وبعد ترتيب الاستعدادات لها. وكانت هذه العروض مقررة من فاتح نوفمبر إلى 9 منه قبل انطلاق فعاليات الملتقى بالقنيطرة يوم 12 نوفمبر حيث كانت تشكل جزء من برنامج الملتقى نفسه فتبخرت الأحلام المنتظرة للسجناء في مشاهدة الفيلم الذي وصلتهم أصداءه وغير متوفر لحد الساعة على الأقراص المدمجة ولم يتم قرصنته احتراما للمنتوج المغربي في حياته العادية.

آيت عمر المختار، شريف حتاتة و عبد الله أزريع

حجة المندوبية العامة لإدارة السجون – و”إعادة الإدماج” – أن الفيلم لا يصلح للسجناء !!! حجة بدون تبرير. فاستغربت الصحافة المحلية والوطنية لهذا التبرير غير المبرر لأن الفيلم كوميدي خالص. كان سيخلق نشاطا نفسيا ممتعا عند السجناء بفضل حضور الممثلين من أسماء معروفة. ليس للفيلم أية صبغة سياسية أو تحريضية أو أي رسالة من الرسائل التي أوَّلها المسؤولون على السجون لأنها غير موجودة أصلا إلا في مخيلتهم التي يطغى عليها “الأمن” أكثر من اللازم وبدون معنى. إن قرارهم هذا في حق فيلم “الطريق إلى كابول” قد فضحهم أمام الجميع لأنه بَيَّنَ بالملموس أنهم لم يشاهدوه أصلا، وأنهم ضد الفرجة داخل السجون، وضد الترفيه على السجناء، وضد إعادة جزء من إنسانيتهم ولو لساعتين من الزمن. أين “إعادة الإدماج”؟؟. قد يقبل الجميع، بصدر رحب، تبرير الرفض لو كان الفيلم المقترح يمس الجوانب الأمنية. لكن أن يُمنع فيلم كوميدي من ولوج السجن هو مجرد مطية للمنع في ذاته خاصة وأن الجهة المنظمة لا تريد أن تبرمج فيلما في السجن يكون يتناول قضايا السجن بكل حمولاته النفسية والاجتماعية وربما السياسية على سجناء هم في أمس الحاجة لاستقبال الحياة والفرح بها.
وجهتا نظر في التعامل مع السجن والسجناء. ‘ن الإدارة المكلفة بالمؤسسات السجنية ما زالت تعتبرها مؤسسة “قمعية” تحد من الحرية والتحرك وكل ما من شأنه تسلية السجين وتعليمه والتخفيف من الضغوطات حتى ولو كان مجرما حقيقيا وخطيرا، بينما النظرة الحديثة هو أن من أهادف مؤسسة السجن هو التربية وإعادة التأهيل والإصلاح من خلال فتح جميع نوافذ التهوية بهدف إنارة الطريق أمام السجين وليس المزيد من الحرمان فيكون رد الفعل أقوى وأعنف بحقد ليس من السهل إزالته في ما بعد.
وتكمن غرابة “موقف” أو القرار – بعبارة أصح – للمندوبية العامة لإدارة السجون و”إعادة الإدماج” هو أنها مؤسسة تمنع نشاطا لصالحها تنظمه مؤسسة رسمية معترف بها ولا يمكنها أن تخل بالإطار العام لقوانين السجن التي هي طرف في المتابعة والتحقيق في ما يجري داخلها. تختلط هنا الأوراق، وأن النقاش الذي دار في المغرب مع مطلع الألفية الثالثة حول سنوات الرصاص بالمغرب لم يستوعبه بعض المسؤولين على السجون ويحنون لماضيهم.

من افلام الملتقى

وبالإضافة لما ذكرته الصحافة المغربية، خاصة المكتوبة والإلكترونية، عن هذا المنع الغريب في مغرب يقول بأنه يتقدم ويتطور في مجالات حقوق الإنسان، فقد بادرت أيضا بعض الجمعيات والهيئات المدنية والحقوقية بإصدار بلاغات تنديدية بهذا القرار التعسفي ومنها من راسلت رئيس الحكومة لفتح التحقيق في هذه النازلة لأنها نشاز واضح في الصورة. لم يترك المجتمع المدني أن تمر هذه العثرة مر الكرام. أليس من المناسب لطرح هذه الإشكالية الثقافية داخل السجون بالتفكير في إلزام المؤسسات السجنية بتنظيم أنشطة ثقافية كالعروض السينمائية والمسرحية والغنائية وحتى الندوات والمحاضرات ولو مرة في الشهر كموعد قار. ربما أحلم؟ ! فأنا أتحدث من داخل التجربة وأعلم بها.

ضيف الشرف: الكاتب المناضل شريف حتاتة
من الفقرات الثقافية المهمة في هذه الدورة، نذكر أولا ندوة أكاديمية حول موضوع “الاعتقال والسجن في السينما” يشارك فيها المخرجون الحاضرون بأفلامهم إلى جانب المخرجين المغاربة الذين أنجزوا أفلاما لها علاقة بالموضوع مثل سعد الشرايبي، عبد الحي العراقي، حسن بنجلون، كمال كمال، ويشارك في الندوة أيضا بعض النقاد السينمائيين والأساتذة الباحثين ومنهم مَنْ قضى سنوات في الاعتقال السياسي. ستحاول هذه الندوة الإجابة على بعض الأسئلة الفنية والفكرية ومحاولة قراءة لأفلام من التجربة. وكيف ينظر بعض النقاد والأساتذة لهذه الأفلام؟.
وسيتميز اليوم الأخير للأنشطة الثقافية بفقرة جديدة في الملتقى تتمثل في اللقاء المفتوح مع شخصية مثقفة عانت من تجربة الاعتقال السياسي. وسيدشنها الدكتور الكاتب والروائي المصري المناضل شريف حتاتة الذي عرف السجون المصرية والنفي منذ عهد الملك فاروق مرورا بعهد جمال عبد الناصر ثم أنوار السادات وصولا إلى زمن حسني مبارك.
ربط شريف حتاتة بين مهنته – الطب- في علاج الأجساد المريضة بموازاة مع علاجه للأوضاع الاجتماعية والسياسية بمصر من خلال نضاله وإلتزامه التنظيمي مع اليسار المصري منذ نشوئه في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي. وقد تحدث بالتفصيل عن تجربته وذلك في كتابه القيم “النوافذ المفتوحة” الذي يقع في 590 صفحة من الحجم الكبير. وهذا الكتاب هو سيرة ذاتية واضحة المعالم وشفافة في بنائها حيث تجمع بين الحكي والتقييم، وبين التجربة الذاتية والتاريخ المصري، بين الفكر والممارسة، بين الماضي والحاضر، فيها قوة الاعتراف بالعثرات والخيبة وقوة الإرادة والنجاحات والتجربة الإيجابية الحاملة الأمل. إنه الرجل الذي حمل على الدوام مشعل الأمل بحتمية التاريخ في التقدم والتطور. 
في حوزة شريف حتاتة أكثر من 20 مؤلفا تتوزع بين الرواية والسياسة والسيرة الذاتية والرحلة والمذكرات. ونستحضر من بين كتبه الشهيرة حول السجن، على سبيل المثال، “العين ذات الجفن المعدني” التي صدرت لأول مرة سنة 1973 وتم إعادة نشرها سنة 1983. أما آخر إصدار له فقد ظهر هذه السنة 2013، الذي صادف 90 سنة من حياته و50 سنة من الكتابة، بعنوان “رقصة أخيرة قبل الموت”.
وقد حوَّلَتْ زوجته الحالية الكاتبة والناقدة السينمائية أمل الجمل، التي تحضر بدورها فعاليات الملتقى، روايته الرائعة “الشبكة” إلى سيناريو في انتظار تصويره. ومن الممكن أن يخرجه الممثل نور الشريف. وكانت أمل الجمل قد حصلت مؤخرا على دكتوراه في موضوع مقارنة اللغة السينمائية في كتابات شريف حتاتة مع أعمال المخرج الروسي أندري تاركوفسكي. ولها إصدارات أخرى، منها على سبيل الذكر، كتاب حول المخرج المصري الراحل يوسف شاهين وآخر عن الإنتاج المشترك.
قبول الدكتور شريف حتاتة، الذي وصل إلى العقد التاسع من عمره، للمشاركة في الملتقى الثاني للسينما وحقوق الإنسان بالقنيطرة في المغرب والنقاش مع الجمهور والمشاركين يأتي في إطار اهتمامه بالتجربة المغربية التي يسمع عنها ويريد التعرف عليها عن قرب. وإسم هذا الكاتب المناضل متداول في المغرب حيث سمعته تسبقه منذ سنوات لذا يمكن اعتبار زيارته للمغرب أحد أهم الأحداث الثقافية بامتياز.              


إعلان