المغرب يفتك “الأمياس الذهبي” بثلاثية مستحقة
ضـاوية خليـفة – الجزائر
حصول المغرب الذي ينتج أزيد من عشرين فيلماً في السنة على الجوائز الكبرى لمهرجان الجزائر الأول للسينما المغاربية لأكبر دليل على أنها في الطليعة اليوم مغاربياً والثانية عربياً بعد السينما المصرية، حيث كان الفوز مستحق جماهيراً وبشهادة لجان التحكيم والمهنيين، هذا وقد وزع الأمياس الذهبي للأصناف الثلاث على الشكل التالي “نساء خارج القانون” لمحمد العبودي (جائزة أحسن وثائقي)، “أنتروبيا” لياسين ماركو ماروكو (جائزة أحسن فيلم قصير)، “خيل الله” لنبيل عيوش (جائزة أفضل فيلم طويل)، بينما اكتفت سينما البلد المنظم بجائزتين لا أكثر، جائزة أحسن أداء رجالي ل”خالد بن عيسى” عن دوره في فيلم “التائب” لمرزاق علواش، في حين قررت لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية منح جائزتها الخاصة لفيلم “الواد يا الواد” لعبد النور زحزاح الذي كانت انتقالته لهذا الصنف الذي يعتبر مدرسة أي مخرج موفقة بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمه القصير “قراقوز”، أما السينما الموريتانية وبعدما دخلت بثلاث أعمال خرجت خالية الوفاض على مستوى النتائج لكنها تمكنت من إعطاء المشاهد فكرة مشرفة عن سينما وبيئة البلد، وفي سياق أخر وقبيل اختتام الدورة الأولى كانت للمنظمين التفاتة ووقفة خاصة لفقيد السينما التونسية “منصف بن عامر” الذي توفي ساعات قبل الاختتام ويعتبر الفقيد أحد أبرز الأعضاء المؤسسين لمهرجان قرطاج الدولي.
أزمة السينما المغاربية وبوادر الانفراج

لعل خروج الجزائر بجائزتين “قد يكون” حفظ ماء الوجه على الأقل وبالمقابل يعكس هذا التتويج أزمة حقيقة أو الضعف المسجل بالسينما الجزائرية التي تراجعت بشهادة تاريخها وماضيها فلو عدنا إلى الوراء لظهر الفرق من أول وهلة ولحددنا موقعنا في الخارطة السينمائية اليوم، لكن ومع هذا لا يمكن إلغاء أو التغاضي أو حتى صرف النظر عن اللمسة الجديدة والأفكار الجيدة التي يحملها وتحملها أعمال الكثير من المخرجين الشباب بعضها جسد وبعضها الأخر ينتظر فرصة الاكتشاف أو التجسيد، لكن المشاكل المسجلة على مستوى السيناريو أو التوزيع وغيرها تكون بشكل أو بأخر قد أثرت على بنية العمل والمشكلة هذه لا تقتصر على الجزائر بل تشترك فيها أيضا الدول الأخرى التي بحثت في مهرجان الجزائر للسينما المغاربية الذي شكل دافعا كبيرا للمهنيين ودفعاً أقوى للكثير من المحترفين والسينمائيين المغاربة خاصة الشباب منهم عن فرص أكثر لدعم وتعزيز المشاريع المشتركة على مستوى الموضوع والتنفيذ مستقبلا، خاصة وأن مستوى أفلام هذه الدورة كان جد متقارب بشهادة لجان التحكيم التي ضمت خيرة السينمائيين، وأثناء عقد إحدى الندوات المقامة على هامش المهرجان والمخصصة للحديث عن سبل إنعاش الإنتاج المشترك لامس حديث العديد من السينمائيين حنين الماضي الذي جسدت من خلاله تونس، المغرب والجزائر إبداعات سينمائية لم تأخذ حقها في العرض والتوزيع، خطوات لم تعرف طريقها للدوام والاستمرار، أو ربما كانت تنتظر الفرصة المناسبة لإعادة تفعيل التجربة والاتفاقيات وخلق سينما مشتركة تجتاز الحدود وتتعقب أثر الماضي وتصنع من المستقبل حلقة جميلة وجديدة، ولعل أقرب تعاون سنشهد ولادته قريبا “فتوى” فيلم سيحمل بصمة المخرج التونسي المتميز “محمود بن محمود” الذي اختار أن تكون الجزائر شريكه في العملية الإبداعية، باعتبارها من أكثر الدول الداعمة لفكرة التعاون المشترك.
رؤى مستقبلية مشرفة
لا يمكن الحكم على أي تظاهرة سينمائية كانت أم ثقافية بأنها ناجحة من عامها الأول، إنما يمكن التنبؤ بغد أفضل لأي حدث من طبعته الأولى خاصة إن كان يحمل رؤى مستقبلية واضحة المعالم والأهداف، كلام ينطبق على مهرجان الجزائر للسينما المغاربية الذي تمكن من التأسيس لصرح مغاربي حظي بترحيب واسع بعدما اجتاز الحدود دون تأشيرات وتمكن من كسر كل الحواجز اللغوية أو ما يعرف باللهجات، المشكل الذي لم يجد مكانا أو مقعدا بين الجمهور بل تركه للغة السينمائية التي ارتقت بأعمال اشتركت في التميز والموضوع مما يؤكد أن السينما المغاربية تمتلك طاقات تستحق فقط الدعم والفضاء الملائم، وبالتالي حضر التميز وغابت الفوارق فتناسى الجميع السياسة واستسلم الكل لأحاديث السينما، الفن والثقافة، وفي سياق ذي صلة كشف المحافظ عبد الكريم آيت أومزيان : “أن تبني السينمائيين المغاربة لفكرة المهرجان والتفافهم حوله يعد انجاز كبير حققناه في أول دورة وهو ما يدفعنا للعمل أكثر لتحسين الأداء والمستوى ويحملنا مسؤولية أكبر لاختيار أفلام جيدة مستقبلا، ومن الآن سنبدأ في التحضر لثاني دورة المزمع عقدها شهر جوان من السنة الجديدة، كما سنعمل أيضا على تطوير أنفسنا وفتح أفاق أوسع، فهذه السنة ولحرصنا الشديد على إعطاء الأفلام بعد جمالي وعالي الدقة زودنا قاعات العرض بتقنية العرض الرقمي المتطور “دي سي بي، والطبعات المقبلة ستحمل الكثير من الأشياء الجميلة والمفاجآت”.

انطباعات عن المهرجان
اعتبر الممثل الجزائري حسان كشاش عضو لجنة انتقاء أفلام الدورة الأولى من المهرجان أن هذا الأخير أوجد من خلاله المبدعين المغاربة مساحة لتلاقي الأفكار وإمكانية تجسيدها إلى مشاريع سينمائية مستقبلا مثلما حدث في مهرجان وهران للفيلم العربي، معتبرا أن السينمائيين العرب أو المغاربة على وجه الخصوص ما يحتاجونه هو فرصة الالتقاء لدراسة العديد من النقاط والاستثمار في الصناعة السينمائية كل على مستواه.
أشاد المخرج والمنتج الكبير “لمين مرباح” رئيس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بالمستوى المشرف والجيد الذي ظهرت به السينما المغاربية في إطار هذا المهرجان الذي مكنه من مشاهدة هذا الكم الهائل من الانتاجات وسمح بمعرفة جديد السينما المغاربية وما تحمله من أفكار خاصة بالنسبة للموجة الجديدة من الشباب، وأضاف صاحب فيلم ” بني هندل” الغائب منذ سنوات عن السينما أن سينما دول المغرب العربي بإمكانها منافسة السينما العالمية لأنها تمتلك مقومات حقيقة يجب عليها استغلالها بالشكل العقلاني والجيد.
اعتبر المخرج المغربي “محمد العبودي” المتوج فيلمه بالأمياس الذهبي كأحسن فيلم وثائقي أن مهرجان السينما المغاربية جاء ليعزز من أواصر الأخوة والتعاون بين دول تشترك شعوبها في نقاط وتفاصيل عدة وسينما واحدة تسعى لتطويرها كلما أتت الفرصة خدمة للإبداع الفني والثقافي، معتبرا حصول فيلمه على هذه الجائزة وفي أول دورة يعكس الرؤية الجادة للمنظمين والرغبة الملحة للجزائر لتعزيز التعاون السينمائي، وأضاف قائلا “نفتخر بالاختيار الذي قام به المنظمون، واعتبره اختيارا صائبا وموفقا إلى حد كبير، والشيء الجديد الذي منحته لنا هذه التظاهرة هو فرصة الالتقاء ومناقشة اهتماماتنا ودراسة مشاريعنا وكذا متابعة هذا الكم الهائل من الأفلام التي كنت أبحث عن الفرصة لمشاهدتها وفعلا تابعت الكثير منها ولأول مرة هنا بالجزائر في إطار سينمائي مغاربي منظم، أما بالنسبة للأفلام فاعتبرها جيدة ذات نوعية وتعكس واقع وحركية المشهد السينمائي بدولنا، فهنا تعرفت على السينما الموريتانية وتابعت مستجدات السينما التونسية وجديد السينما الجزائرية، وبالتالي كان عرس سينمائي ومكسب جديد يستمد إشعاعه من إبداعاتنا ومن واقعنا”.

اعتبرت “فضيلة مهال” رئيسة لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية أن هذا المهرجان ضرورة وميلاده حتمية لأنه يجمع كل السينمائيين المغاربة تحت غطاء واحد وفقاً لأهداف فنية نبيلة لأناس يحملون أفكار ومشاريع متقاربة، مؤكدة أنها شكل من أشكال الوحدة التي يبحث عنها سينمائيو دول المغرب العربي، تقول “صحيح الأفلام تحمل بصمة خاصة لكن ما كان ينقصها هو الهوية المغاربية ولهذا جاء تأسيس هذا المهرجان الذي يعلق عليه صناع السينما أحلامهم وأمالهم، وبمثل هذه المبادرات يمكن لسينماتنا أن ترتقي”.
الأفلام المتوجة في الدورة الأولى :
الأفلام الطويلة:
الأمياس الذهبي للفيلم الطويل: “يا خيل الله” للمخرج نبيل عيوش (المغرب).
جائزة أحسن سيناريو: “زيرو” للمخرج نور الدين لخماري (المغرب).
جائزة أحسن دور رجالي: خالد بن عيسى عن دوره في فيلم “التائب” للمخرج مرزاق علواش (الجزائر).
جائزة أحسن دور نسائي: جليلة تلمسي عن دورها في “أندرومان” للمخرج عز العرب علوي (المغرب).
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: “الأستاذ” للمخرج محمود بن محمود (تونس).
الأفلام القصيرة:
الأمياس الذهبي للفيلم القصير: “أنتروبيا” للمخرج ياسين ماركو موروكو (المغرب).
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: “صباط العيد” للمخرج أنيس لسود (تونس).
تنويه خاص من لجنة التحكيم: “مارجيل” للمخرج عمر مول الدويرة (المغرب).
تنويه خاص من لجنة التحكيم: “المسافر” للمخرج مناد مبارك (الجزائر).
الأفلام الوثائقية
الأمياس الذهبي للفيلم الوثائقي: “نساء خارج القانون” للمخرج محمد العبودي (المغرب).
جائزة أحسن بحث وثائقي: “يلعن بو الفسفاط” للمخرج سامي تليلي (تونس).
جائزة لجنة التحكيم الخاصة: “الواد يا الواد” للمخرج عبد النور زحزاج (الجزائر).