في مهرجان كلكوتا السينمائي
عشرة آلاف مشاهد في الصالة الواحدة… يوميا!
ندى الأزهري- كلكوتا
تنبعث موسيقى الأفلام الهندية وأغانيها من الأمكنة، عمارة قيد البناء، ريكشو* متهالك، تاكسي متماسك… رغم الأبواق التي لا تكلَ، ثمة اصوات دافئة عابقة بالمشاعر تجد باستمرار طريقها إليك ولو من بعيد. السينما الهندية جزء من حياة الناس، مندمجة في واقعهم اليومي باغانيها وملصقات أفلامها وعروض شاشاتها الصغيرة والكبيرة ونجومها المعبودين. للسينما وضع خاص في هذا البلد سواء أكانت الشعبية منها أو ما يطلق عليه بوليوود أو سينما المؤلف.
تعتبر كلكوتا في ولاية البنغال الغربي المكان حيث ” السينما الجيدة” ، حيث ظهر ساتيا جيت راي وريتويك غاتاك ومرينال سن من الجيل القديم وريتوبارنو غوش من الجيل الجديد( الذي غاب في ماي الماضي عن تسعة وأربعين عاما).
منذ تسعة عشر عاما، تنظم المدينة المعروفة بغناها الثقافي مهرجانا سينمائيا دوليا يستقطب خلا ثمانية أيام جمهورا مدهشا بأعداده، باقباله المنقطع النظير، بصبره الطويل في الطوابير التي لا تنتهي امام مختلف أنواع الأفلام التي يقدمها المهرجان، الغربية والآسيوية والوطنية والتي يصل عددها إلى 189 فيلما من 63 بلدا تعرض ضمن أقسامة التي يصل عددها إلى ستة عشر.
في مكتبه الملاصق للصالة التي تعج بفريق المنظمين والممثلين والصحفيين التقينا مدير المهرجان “ياداب موندال” ليعطينا فكرة سريعة عما يحدث في كلكوتا!
– في الهند حيث لا تخلو مدينة من مهرجان ما، كثيرا ما تردد وصف لمهرجان كلكوتا السينمائي بأنه “مهرجان المهرجانات”، هل لأن كلكوتا تُعدَ مرجعا لأفلام سينما المؤلف؟
الهند هي أرض المهرجانات والأعياد بتنوعها وغناها الثقافي والديني واللغوي. مهرجان كلكوتا شامل، ولكنه خاص بطبيعته من حيث أنه يستقطب الناس من مختلف الأهواء ويثير اهتمامهم منذ وقت طويل.
– ماهي أهداف المهرجان الرئيسة، هل تشمل إحداها نشر سينما البنغال الغربي؟
المهرجان مدعوم من الحكومة المحلية، و يعرف عن أهل كلكوتا حبهم للسينما. إنهم يتوافدون بأعداد كبيرة منذ الصباح وحتى ساعة متأخرة. يشاهدون الأفلام، يتلاقون مع الأصدقاء، يعزفون الموسيقى يتناولون الطعام… وكل ذلك في نفس المكان، إنها المتعة وهي ما نرغب بتقديمه لهم. كذلك يسعى المهرجان للمساهمة في نهضة السينما وتعويد الناس على السينما الجيدة وهم في الواقع محبون لهذا المهرجان الذي يعطيهم الفرصة للإطلاع على ما ينتج في حقل السينما في العالم كله.
– هل ثمة احصاءات لأعداد المترددين على الافلام التي يقدمها المهرجان؟
هناك آلاف وآلاف! تُعرض أفلام المهرجان في ثلاث عشر صالة على مدى ثمانية أيام. يمكن القول أن معدل الحضور يصل إلى حوالي 800 مشاهد في العرض الواحد، وبحسبة سريعة نصل إلى متوسط يتراوح ما بين التسعة آلاف وعشرة آلاف يوميا لكل صالة( بعد الحسابات اللازمة لمعرفة العدد الإجمالي لمتابعي المهرجان نصل إلى حوالي المليون!). المثير في الأمر أن الجمهور لشدة اهتمامه لا يعبأ بامتلاء الصالة أحيانا، وحين لا توجد أماكن كافية فإنه مستعد لمشاهدة الفيلم وقوفا! وهذا بالنسبة لي يمنح المعنى لكلمة الجمهور.
– هذا مغاير تماما لما يجري في صالات أوربا! في فرنسا مثلا لا يسمحون إطلاقا لأحد بالوقوف وسد منافذ الخروج حرصا على قواعد السلامة!
هنا لا مكان لهذا النوع من الفرضيات، لعلك لاحظت أعداد الواقفين عند المدخل. إنهم مستعدون للبقاء ساعتين وقوفا لمتابعة الفيلم.
– لاحظنا عدم وجود مسابقات باستثناء مسابقة الفيلم الآسيوي، هل يمنح المهرجان مكافآت مادية؟
ثمة جائزة تقديرية للسينما الآسيوية التي تنظمها نتباك. نخطط لإقرار مسابقة للسينما الدولية ونحن بصدد دراسة التفاصيل. ثمة ملاحظة أخرى وهي قلة أعداد الضيوف الأجانب من فنانين وصحافيين مقارنة بمهرجان مومباي مثلا الذي سبق مهرجانكم بأيام قليلة والذي استقطب نجوما فرنسيين مثل كوستا غافراس وناتالي باي وغيرهم.
تتزايد أعداد الضيوف عاما بعد آخر, هذه السنة حضر ثلاثون منهم ومعظمهم مخرجين ومخرجات للأفلام المشاركة، حضر البعض من بولندا وفرنسا واليونان والبرازيل والعراق… والتقوا بالصحافيين في مؤتمرات صحفية كما التقوا الجمهور في هذا المكان المخصص للعروض. نحاول جذب المزيد والقيام بالدعاية لمدينتا.
– في افتتاح المهرجان، تواجد نجوم من بوليوود مثل أميتاب باشاشان و شاه روخان ، كما العديد من نجوم التلفزيون، هل كان الهدف جذب الجمهور عبر أسماء كهذه وكيف ترون العلاقة بين السينما والتلفزيون؟
لدى حكومة البنغال الغربي النية بتطوير الثقافة السينمائية الجيدة وخلق علاقة حسنة بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة، ويتلاقى هذا مع أهداف المهرجان.
– ألا تجد تناقضا بين جمهور السينما الجيدة التي تعرضونها وبين جمهور التلفزيون؟
لا! نحن نهدف لجذب جمهور التلفزيون أيضا ودعوة الجميع للمهرجان. إن الممثلين الذين دعوناهم يمثلون أيضا في السينما. نرغب باستقطاب كل فرد إلى حقلنا ولا نطرح أسئلة أكاديمية!
– ما تعليقك إذا على ما قاله على المسرح، وبحضورك، المخرج الكبير آدور غوبالاكريشنان الذي قدمتم استعادة لأفلامه، حين اعتبر التلفزيون وما يقدمه ” محيط من التلوث”!
( مبتسما). هذه نظرة أكاديمية. لست الشخص المناسب للتعليق!
– لم نر خلال تجوالنا في أنحاء المدينة أي ملصق لفيلم أميركي! هل الجمهور هنا غير معني بهذه السينما التي تغزو العالم؟
– تنتج الهند في كل ولاية من ولاياتها(28 ولاية) الكثير من الأفلام. وقد نستطيع القول أن في كل أسبوع يولد فيلم فيها! فكيف ستكون ثمة فرصة لأفلام أميركية أو غيرها؟! ولعل هذا أيضا ما يدفع الناس للقدوم إلى مهرجان كلكوتا فهم متشوقون لرؤية ما يقدمه العالم في هذا المجال.
– هل تظن أن هذا الجمهور الذي يحضر في كلكوتا يشاهد أيضا أفلاما من بوليوود؟
– إنه مختلف. إنما ثمة من يحضر من جمهور تولي وود( ما يطلق على السينما الجماهيرية في البنغال والمرادفة لبوليوود في مومباي) وبوليوود. هؤلاء فضوليون يريدون التعرف على السينما البنغالية وهم محبون للسينما بشكل عام ولا يكترثون للنوع.
– كيف ترى الجيل الجديد من سينمائيي البنغالن هل يبشرون بمستويات تضاهي ساتيا جيت راي وريتويك غاتاك في رأيك؟
– لا أريد ذكر أسماء، وأرى أن الجيل السينمائي واعد، ونحن نقدم أفلاما لهؤلاء في القسم المخصص للسينما الهندية المعاصرة في المهرجان. إن أفلاما كثيرة من مختلف انحاء الهند تعرض علينا للمشاركة في هذا القسم وتختار لجنة خاصة خمسين في المائة منها( عرض هذا العام عشرة أفلام). وقد خصصنا في هذه الدورة استعادة لأفلام ريتوبارنو غوش وهو مخرج متميز خطفه الموت مبكرا.
– للسينما الهندية معجبون كثر في البلاد العربية، هل ثمة تعاون بينكم وبين مهرجانات عربية لنشر سينما هندية مختلفة عن سينما بوليوود؟
– للآن لا تعاون بيننا ولكن نرجو حصول ذلك يوما!