المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: الخطوة 13
أحمد بوغابة / المغرب
نحن الآن في شهر ديسمبر، ورغم ذلك مازالت الشمس ساطعة بقوة، فساعد هذا الطقس على أن يعرف المهرجان السينمائي الدولي الذي يٌقام سنويا، منذ 2001، بمدينة مراكش (جنوب المغرب) إقبالا كثيفا من طرف ساكنة المدينة ونواحيها وباقي المدن المغربية، فضلا عن المهتمين بفنون السينما من الأقطار الأوروبية دون أن يكونوا مدعوين رسميين من لدن إدارة المهرجان. يوجد من الأجانب من يخطط لقضاء عطلته بمراكش، في هذه الفترة، لتصادف مع انعقاد المهرجان حتى تكون الاستفادة مزدوجة. وهذا ما عبر لي به بعضهم خلال دردشات عفوية، فيها الشمس والسينما والنجوم قبل العودة للاحتفاء، عائليا، بعيد المسيح.
وصل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في السنة الجارية، 2013، للدورة 13 والذي انطلق يوم الجمعة 29 نوفمبر وسيستمر إلى يوم السبت القادم 7 ديسمبر محتفظا بهويته التي أكدها رسميا في السنين الأخيرة… بعد سنوات التجريب الأولى.
يعتمد المهرجان على مسابقتين رسميتين، الأولى تهم المحترفين، وخاصة بأفلامهم الأولى أو الثانية، وتضم هذه السنة 16 فيلما جاءت من جنسيات مختلفة ويترأس لجنة تحكيمها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي. وهذه اللجنة يترأسها دائما مخرج أو ممثل أجنبي. والثانية خاصة بسينما المدارس بالمغرب التي يتم تخصيص لها أمسية (الخميس 5 دجنبر) ولجنة خاصة بها يترأس دورة السنة الحالية المخرج المغربي نور الدين لخماري وهي المرة الأولى التي يترأسها مغربي، فربما تكون من التغييرات الجديدة في المستقبل. يشارك في مسابقة المدارس 10 أفلام غالبا ما تكون من أفلام التخرج. يحظى الفائز بجائزة بقيمة 300 ألف درهم مغربي لإنجاز شريطه القصير الثاني.
لا يقتصر المهرجان على هاتين المسابقتين فقط طبعا بل يتضمن عروضا سينمائية كثيرة خارج المسابقة سواء بمناسبة تكريم مخرج أو مخرجة، ممثلة أو ممثل، سينما بلد الضيف، عروض بالوصف السمعي لضعيفي أو فاقدي البصر. وكذا فقرة “نبضة قلب” التي تُعرض فيها بعض الأفلام المغربية الجديدة التي لم تخرج إلى القاعات بعد، وغالبا ما تتضمن أفلاما مختلفة في تناولها السينمائي لتبيان تنوع السينما المغربية.
ويعتمد المهرجان على عنصر ثاني جد مهم متمثلا في دروس السينما طيلة مدة انعقاده تقريبا، وهي لها نفس قيمة العروض السينمائية، وتعرف إقبالا كبيرا خاصة من طرف الشباب حيث يحاورون المخرج الذي يلقي الدرس عن معنى السينما في جوانبها المختلفة الفنية والفكرية والإنتاجية اعتمادا على أسلوبه الشخصي أو للنظام الذي ينتمي إليه سينمائيا. وقد أصبحت هذه الدروس تتضمن أيضا مفكرين في الفكر والفلسفة المهتمين بالصورة وتجلياتها الإنسانية والنفسية في تطور المجتمعات الحديثة فتجمع هذه الدروس بين التقنية والفكر. فبعد المفكر إدغار موران في السنة الماضية يحضر هذه السنة المفكر ريجيس دوبري. وتشاء الصدفة (إن كانت حقا مجرد صدفة أو تم التفكير فيها عمدا ومسبقا من إدارة المهرجان) هو أننا نعلم جيدا علاقة روجيس دوبري بأمريكا اللاتينية في سنوات شبابه ليلتقي في مهرجان مراكش مع عملاق السينما اللاتينية المخرج المناضل فرناندو سولاناس الذي يكرمه المهرجان، وهذا يُحسب كنقطة مضيئة في هذه الدورة.
إذا كانت العروض السينمائية تخرج من قصر المؤتمرات في اتجاه فضاءات مختلفة كقاعات كوليزي وميغاراما والساحة الشهيرة ذائعة الصيت “جامع الفنا”، فإن بعض الأنشطة الثقافية المرتبطة بالسينما هي أيضا تذهب إلى الجمهور كما هو حال مع الدرس السنوي الذي يقدمه الأستاذ نور الدين الصايل والذي يخصص حيزا مهما لطلبة كلية الآداب بمراكش رغم إكراهات المهمة التي يتحملها في هيكلة مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش باعتباره نائب الرئيس المنتدب.
كل ما سبق قوله أعلاه هو من مكتسبات المهرجان التي تطورت مع تطور المهرجان. لكن ما هو الجديد الذي تحمله الدورة 13؟ .

يمكن أن نبدأ بالتغيير الذي حصل في الكتابة العامة للمهرجان حيث حلت السيدة سلوى زويتن محل عبد الجليل العكيلي والذي اعتبره البعض تغييرا جذريا فيما اعتبره الآخرون مفاجئا. لقد اشتغلت السيدة سلوى زويتن سابقا بالمركز السينمائي المغربي حيث كانت مسؤولة على قسم الإنتاج إذ هي التي كانت تسلم رخص التصوير للأفلام المُصورة بالمغرب وكل ما يتعلق بالترويج للسينما المغربية خارج التراب الوطني. وبالتالي، فقد كانت على رأس أهم مصلحة في المركز السينمائي ولها دراية عميقة بالسينما.
كما تم إدخال تحسينات على ديكور واجهة قصر المؤتمرات المُحتضن لفعاليات المهرجان من خلال ديزاين جديد على مدخل القصر والسجاد الأحمر، وإعطائه إسم “الهر” الذي تم تصميمه على شكل “هر” أبيض يدخل القصر، وهو بالمناسبة شفاف حتى يسمح بإضاءة طبيعية للمدخل وفي ذات الوقت سيسمح بالوقاية من المطر في حالة هطولها تفاديا لتجربة السنة الماضية التي خلخل فيها المطر احتفالية استقبال النجوم على السجاد الأحمر. لكن، هذه السنة لم يكن المطر في موعده بل ترك الشمس ليستمتع بها الجمهور والمدعوين.
إن الهندسة التي عرفها مدخل قصر المؤتمرات، نجد استمراريتها داخله أيضا على شكل معرض موزع في مختلف أركانه من منحوتات لها بُعد ثقافي في شكل كتب أو نوطة موسيقية أو رقصة إلى آخره، وكل هذا هو من إنجاز النحات الفرنسي جيرار إيفريغ.
وعملت إدارة المهرجان على تزيين جينيريك الشاشة من خلال تشكيل الرسوم لمعالم مدينة مراكش التراثية الأساسية كالمدينة العتيقة والكتبية وقصر البديع والمنارة وجامع الفنا (وأيضا بعض المآثر بالمدن لأخرى العتيقة) بالاعتماد على الكتابة لفقرات المهرجان موظفة اللونين الوطنيين: الأحمر والأخضر (ألوان العلم المغربي) وهي الألوان التي تشكل بها الملصق وغلاف الكاتالوغ (كتاب المهرجان) وبذلك يتم التأكيد على الهوية المغربية للمهرجان التي بدأت بالانفتاح أكثر على المغاربة في السنين الأخيرة. ويمكنني أن أجزم بأن هذه الخطوات بدأت مع تحمل الأستاذ نور الدين الصايل المسؤولية المذكورة سابقا في إدارة المهرجان.
وتقدم إدارة المهرجان في الدورة الحالية على خطوة في غاية الأهمية من خلال عقد لقاء مهني احترافي سيجمع الموزعين وأرباب القاعات بالمغرب مع زملائهم المعتمدين في المهرجان من مختلف أقطار العالم لدراسة مستجدات الساحة نتيجة التطور التكنولوجي الرقمي بهدف إيجاد حلول للتسويق ونقل الأفلام يتم الاتفاق عليها تكون دائمة ومستمرة. فهل سيستغل المغاربة الفرصة للدفاع عن الفيلم المغربي كي يجد مكانه في القاعات التجارية العالمية بشكل عادي؟
وإذا عُدنا إلى اليوم الأول من المهرجان، يعني حفل الافتتاح، فهو كان باهتا خاصة بعرض فيلم هندي “رام – ليلا”، قصة روميو وجوليت على الطريقة الهندية. فيلم يصلح لعروض جامع الفنا أو في أمسية أخرى خلال أحد أيام المهرجان وليس يوم الافتتاح. أستغرب شخصيا، ومعي كثير من المتتبعين، من هذا الاختيار لأنه لا يملك خصوصيات فنية تؤهله ليكون في واجهة حدث سينمائي كمهرجان مراكش. “عثرة” تم نسيانها بسرعة إرادية بعد مشاهدة الدفعة الأولى من أفلام المسابقة التي بعضها في مستوى عال جدا في الإبداع السينمائي (“الجري وراء الأوهام” من إسبانبا، و”ميدياس” من الولايات المتحدة الأمريكية)
ينتظر الجمهور بأحر من الجمر الأفلام التي تمثل المغرب في المسابقة الرسمية حيث سيتم عرضها ابتداء من يوم الأربعاء: “خونة”، والخميس: الحُمى” والتي ستخلق بالضرورة النقاش حولها ككل سنة فترتفع حدة النقاش والجدل و.. و… سنعود للمهرجان عند اختتامه.