المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: ما له وما عليه؟!
أحمد بوغابة / المغرب
أنهى المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في ليلة 7 ديسمبر 2013 خطوته 13 بحفل سينمائي تضمن آخر عرض في المهرجان، خارج المسابقة، وهو من السويد بعنوان “نحن الأفضل!”، فهل هي “رسالة” من المهرجان في آخر يوم له بأنه الأفضل أم مجرد صدفة؟؟ لكن الفيلم الذي تم اختياره لتوديع جمهوره والمدعوين لم يكن “الأفضل”، ولا في مستوى الحدث الذي يوصف ب”الدولي”، فترك “الصورة الأخيرة” مُبهمة حول هذه البرمجة التي مست أيضا فيلم الافتتاح، وقد أثرنا ذلك في مقال سابق، في الأسبوع الماضي، بموقع الجزيرة الوثائقية يحمل بعض من أرائنا في المهرجان حيث اعتبرنا فيلم الافتتاح لا يليق بمهرجان يعتبر نفسه تظاهرة دولية ولم أجد مبررا له فنيا كان أو تاريخيا وهو الخطأ الذي سيتجدد في حفل الاختتام بفيلم لن يترك انطباعا جيدا بما أن القاعة الضخمة لم تحتفظ سوى بعدد قليل للغاية.
وبالتالي، فبقدر ما تحتوي هذه التظاهرة على نقط إيجابية كثيرة فإنه في المقابل يتضمن بعض العثرات التي يمكن تجاوزها. نذكر منها بالأساس والمستعجلة تتعلق بالسطرجة (أو العنونة في لغة المشرق وبالفرنسية sous-titrage) بمعنى ترجمة الحوارات مكتوبة مرافقة للأفلام حيث كانت تتعرض العربية ل”مجزرة” حقيقية وتشويه يفوق الخيال إذ لا تمر ثلاث جمل دون أن تكون هناك صيغ خاطئة ولا تمت للعربية بصلة وليست لغة الناس حتى في الأقطار الشرقية حسب ما قال لي أحد الزملاء من الشرق العربي. لا هي بالعامية ولا هي بالعربية إنها “خلطة” لا يفهمها إلا من ترجمها في الظلام. لقد تم الاعتماد على شركة أجنبية موجودة بباريس تتقن الترجمة بالفرنسية والإنجليزية فيما “عَرَبِيَتُها” هجينة.

وقد حصل هذه السنة التأخير في كثير من العروض السينمائية بعد أن كانت السنوات الأخيرة نموذجا في احترام الوقت بالدقيقة والثانية. وتجرني هذه العثرات للحديث عن “السجاد الأحمر”. لقد فقد قيمته الرمزية في مراكش بالسماح للمرور عليه كل من هب ودب ثم التوقف أمام المصورين إذ يحصل ذلك يوميا دون مبرر يعطي للحظة موقعها التاريخي في المهرجان والسينما. وبذلك تم تمييع هذا “البروتوكول” السينمائي المتعارف عليه في المهرجانات الدولية. قد نتفهم المغزى “النفسي” للبعض بتوقيع حضوره في أحد أيام المهرجان، أو في الافتتاح وفي الاختتام، أما أن يبتذل مروره كل مساء دون أن يكون مشاركا بفيلم ما، أو في تكريم له أو عند تكريم صديق مقرب إليه، فهو بذلك يسيء إلى رمزيته الإنسانية أكثر مما يخدمها ب”الإعادة” مهما كانت نجوميته أو يعتقد بها. لا شك أن المتتبعين قد لاحظوا أن بعض الفنانين الأجانب لا يقبلون بذلك يوميا ولا يستجيبون إليها كل مساء، وبعضهم يسرع الخطى ما دام أنه قد تلقى “تحية” كافية من قبل. كما كانت موجودة في المهرجان أسماء ذات قيمة كبيرة، منها أسماء مغربية، اكتفت برمزية الحدث دون السقوط في التمييع المتكرر. وعادة ما يحضر البعض من “عشاق” السجاد الأحمر حبا في قطع مسافته كأنها مهمة فنية لتغيب من القاعة أثناء العروض السينمائية ومن قاعة دروس السينما. ألم يحن الوقت لكي تعيد إدارة المهرجان تنظيم هاته اللحظات من التظاهرة بنوع من العقلانية وبالاتفاق المسبق مع من “يموت حبا” في السجاد الأحمر بطقوسه المتعارف عليها عالميا؟؟؟
الجوائز: ما لها وما عليها!!
عرفت المسابقة الرسمية للدورة 13 نفس الإيقاع كالسنوات الماضية بوجود أفلام في مستوى عال جدا وأفلام أخرى متواضعة. ويرجع السبب في تقديري إلى الخط التحريري الذي يسير عليه المهرجان بكونه يدعم الشباب في العالم منغلقا في أن تكون الأفلام الأولى أو الثانية لأصحابها رغم تجاوزه أحيانا لهذا العُرف المُسطر بضم أحيانا أسماء من القدامى كما هو الحال هذه السنة مع المخرج الإيطالي روبيرطو أندو المشارك بفيلم “تحيا إيطاليا” وهو من مواليد 1959 وله في جعبته أكثر من خمسة أفلام طويلة وعدد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية وأيضا المخرج الاسكتلندي كيفن ماكدونالد المشارك بفيلم “كيف أعيش الآن؟” والذي أخرج عددا من الأفلام الوثائقية والروائية.
15 فيلما خضعت للمسابقة أمام لجنة ترأسها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، ولا نعتقد أن اللجنة وجدت صعوبات كبيرة في إقصاء كثير منها وهذا ما بدا لي واضحا من نتائجها التي جاءت على الشكل التالي:

الجائزة الكبرى، التي تحمل إسم النجمة الذهبية، كانت من نصيب فيلم ” هان كونغ – جو” للمخرج “لي سو- جين” من كوريا الجنوبية وهو من مواليد 1977. يتطرق الفيلم للتفكك العائلي في مجتمع يعرف إكراهات عصرية كثيرة فيتعرض أبناؤها لأخطاء يصعب معالجتها بسهولة. وقد تفوقت كثيرا الممثلة الرئيسية في تقمص شخصية مراهقة ضائعة رغم مواهبها ومحاولاتها للالتزام بحسن السيرة إلا أن مجتمعها وأسرتها ومعاناة المراهقين الآخرين تجرها للانتحار لتتخلص من سوء تدبير الآخرين الذين يحملونها مسؤولية هي في الواقع نتاجهم.
أما جائزة لجنة التحكيم فقد تقاسمها مناصفة الفيلم الأمريكي “الدمار الأزرق” للمخرج جيريمي سولنيي، والفيلم الكوبي/ الفنزويلي “حوض السباحة” للمخرج كارلوس ماتشادو كينطيلا الذي ازداد سنة 1984. هل أرادت اللجنة بهذه الجائزة أن تخلق جسر “الصلح” السينمائي في مراكش بين الأعداء: الولايات المتحدة وكوبا وفنزويلا؟ خاصة إذا عرفنا أن كلا الفيلمين ليسا من أفضل الأفلام المشاركة في المسابقة. فيهما التكرار لأفلام كثيرة شاهدنها من قبل. ولم تأت بجديد في المعالجة السينمائية خاصة الفيلم الأمريكي الذي يعيد إنتاج “الوصفة” الأمريكية التي تعتمد على الانتقام الفردي البطولي بالسلاح والقتل والدماء والدمار من أجل العائلة ولو مر على ذلك سنوات كثيرة إلا أن روح الانتقام تبقى دائما موجودة.
جائزة الإخراج كانت في محلها بالنسبة للكثيرين الذين شاهدوا الفيلم الفائز وهو “ميدياس” للمخرج الإيطالي أندريا بالاورو، من مواليد سنة 1982، والمستقر حاليا في كاليفورنيا التي درس فيها السينما. و”ميدياس” هو أول فيلم روائي طويل له من إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وإيطاليا. هذا الفيلم هو من أجمل وأفضل أفلام الدورة 13 حيث المتعة السينمائية تصطحبك منذ بدايته إلى نهايته. فيلم يتحدث بلغة السينما المحضة. وبإخراج في غاية الدقة. معتمدا فيه على سيناريو يبوح بحميمية الشخصيات الغنية لتلك الأسرة الكائنة على أرض قاحلة قتلها الجفاف كما قتل العلاقة القائمة بين شخصياتها في غياب المطر برمزيته في إنعاش الحياة فيغيب الحب في الأسرة حيث كل فرد يسعى إليه بمفرده خارجها مادام الحوار منعدم تحت سيطرة أب متزمت دينيا رغم ما قد يبدو من سعادة زائفة وسطحية في مطلع الفيلم الذي يعلن حينها خفية أن شيئا ما ليس على ما يُرام. إن الأم بكل رمزيتها التي تُحيط بها أسرتها هي صماء وبكماء رغم جمالها وشبابها، ووَلاَّدَة في زمن الجفاف لكن خارج إطار البيت مما يعكس الاغتراب بين المعاش والرغبة ليضيع كل شيء في نهاية الفيلم قبل بداية المطر في الهطول كبداية لحياة جديدة تولد من رحم الموت والضياع نفسه.
جائزة التشخيص النسائي كانت لصالح الممثلة السويدية أليسيا فيكاندير عن دورها في فيلم “فندق” لمخرجته ليزا لانكيست. أما جائزة التشخيص الرجالي فقد تقاسمها ممثلين في نفس الفيلم “حمى” وهما سليمان دازي والطفل ديديي ميشون. الفيلم من إخراج هشام عيوش الذي مثل المغرب في هذه الدورة (مع فيلم مغربي آخر بعنوان “خونة” للمخرج الأمريكي شين كوليت المقيم في مدينة طنجة). طيلة 13 دورة من حياة المهرجان، حصل المغرب على ثلاث جوائز، كانت الأولى في الدورة الأولى سنة 2001 عند انطلاقه للممثلة الشعبية العدراوي عن دورها في فيلم “منى صابر” للمخرج عبد الحي العراقي. والمرة الثانية في الدورة الثالثة سنة 2003 بجائزتين لكل من الممثلة نجاة بنسالم عن دورها في فيلم “رجاء” من إخراج الفرنسي جاك دوايون والذي تم تصويره بمدينة مراكش نفسها. وجائزة السيناريو لنرجيس النجار عن فيلمها “العيون الجافة” وهو من إخراجها أيضا ونجدها هذه السنة في لجنة التحكيم.
تدريس السينما: ما له وما عليه!!

وإذا انتقلنا إلى جائزة أخرى التي تم استحداثها منذ أربع سنوات إبان الدورة العاشرة للمهرجان 2010 (بمناسبة مرور العقد الأول من إنشائه) وهي خاصة بمسابقة أفلام المدارس فقد حصل عليها هذه السنة (2013) فيلم “باد” من إخراج طالبين بالمدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش هما أيوب لهنود وعلاء أكعبون. وهي المرة الثالثة التي تحصل عليها هذه المدرسة رغم أن كثير من المتتبعين يقولون بأن مستوى هذه المدرسة قد تراجع إلى الوراء مقارنة مع سنواتها الأولى. فمنهم من يُرجع ذلك إلى بعض “المؤطرين” المغاربة غير السينمائيين الذين “تسللوا” إلى المدرسة بدون مستوى بيداغوجي يؤهلهم للتربية السينمائية إذ لا يفرقون بين النقد والتعليم وأنهما عالمين مختلفين في الشكل والمضمون، وأن الخطاب عن السينما ليس هو خطاب السينما وحيثياته الإبداعية والتقنية. كثير من متتبعي المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، من المغاربة والأجانب، الذين شاهدوا “أفلام المدارس” وجهوا “نقدهم” للطلبة واعتبار أفلامهم دون المستوى ولا يُرجى منهم مستقبلا فيما أرى شخصيا أن العيب ليس فيهم بل في مَنْ يؤطرهم. كثير من بين الطلبة الذين يتمكنون من الحصول على منح للدراسة في الخارج فيعودون متفوقين لأن هناك أساتذة متخصصين فعلا في تدريس السينما وفنونها بأساليب تربوية مدروسة ومناهج علمية لتلقين فن السينما كإبداع. لا يشبه تدريس السينما كتدريس نص لغوي مكتوب، ولا يمكن إسقاط نفس المناهج بشكل اعتباطي. وهذا ما يعانيه الطلبة المغاربة من جراء تعسف بعض “الأساتذة” أو من يتوهم ذلك.
وعلى ذكر مسابقة “أفلام المدارس” فإن القناة التلفزية المغربية مازالت تستعمل في أخبارها أن الأمر يتعلق بمسابقة الأفلام القصيرة، هكذا بشكل عام، متناسية أن الصيغة تغيرت وأصبحت المسابقة تتم بين المدارس إذ يتطلب التحديد لرفع اللبس القائم إذ لا يحق لمن ينجز الأفلام القصيرة أن يساهم فيها بل ذلك مرتبطا بدراسته الأكاديمية وأن يكون فيلمه يدخل في خانة مدرسة ينتمي إليها أو بفيلم التخرج. ونعتقد أن إدارة مهرجان مراكش واضحة في أدبياتها في هذا الشأن.
ونذكر بالتاريخ أن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش كان يتضمن مسابقة رسمية خاصة بالأفلام القصيرة عند انطلاقه سنة 2001 وإلى حدود سنة 2003 قبل الاستغناء عليها في سنة 2004.
إن مهرجان مراكش تظاهرة سينمائية جد مهمة ببعدها الدولي. كما أنها تتطور سنويا لكن ببطء نحو مَغْرَبَة إدارتها. فهل لم يصل بعد السنة التي تتصالح فيه مع الفيلم الوثائقي الذي لم يجد مكانه بعد في المسابقة والعروض الموازية؟ لقد كانت هذه السنة مناسبة لعرض بعضها تكريما للمخرج الأرجنتيني الكبير فيرناندو سولاناس الذي له مجموعة من الأفلام الوثائقية ذات قيمة فنية عالية بنفس المستوى الذي يخرج به الأفلام الروائية. أفلامه تجيب على كثير من أسئلة الأزمة العالمية وربما كانت ستكون جوابا على بعض الإشكاليات في الأفلام الروائية المشاركة في المسابقة التي طغى فيها الانتحار.

ولا تقتصر أنشطة المهرجان على عروض المسابقة فقط، والتي لا تشكل إلا فقرة من فقراته الكثيرة. نجد أيضا أفلاما خارج المسابقة التي تمس بعض الأقطار والشخصيات المُكرمة التي تحظى بعناية ثقافية من خلال تنظيم جلسات ثقافية معها في إطار دروس السينما، دون إغفالا العروض الخاصة بالمكفوفين وضعاف البصر، وفقرة “نبضة قلب” التي أصبحت خاصة بالأفلام المغربية والتي تعرف إقبالا كبيرا وينتظرها الجميع لمشاهدتها في ظروف جيدة، وعادة ما تثير الأفلام المغربية النقاش أكثر من غيرها من الأفلام المشاركة في المهرجان إذ عادة تكون في عروضها الأولى في مراكش. كما تعرف مراكش، طيلة مدة مهرجان، أنشطة ثقافية تهم السينما وتحتضنها فضاءات أخرى مثل ما تعرفه – سنويا – كلية الآداب باستقبالها للأستاذ نور الدين الصايل ليقدم درسا في السينما أمام طلبة شعبة السينما تحت رئاسة وبتوجيه من الأستاذين بنفس الكلية: الناقدين أيوب بُوحُوحُو ويوسف أيت هَمُو. ولا يقف نشاط هذين الأستاذين مع المهرجان في الدرس السنوي بالكلية بقدر ما يساهمان بشكل فعال في التنشيط طيلة أيامه حيث يتكفل الأستاذ الناقد أيوب بُوحُوحُو بطلبة الماستر في متابعتهم للعروض بقصر المؤتمرات (الفضاء الرسمي للمهرجان) ومناقشتها في ما بينهم باستمرار كضرورة في التلقين بينما يتكلف الأستاذ الناقد يوسف أيت هَمُو بالطلبة الآداب الذين يتابعون الأفلام بقاعة “كوليزي” (تعيد عرض أفلام المسابقة الرسمية). وعادة تكون بعض الأفلام ضمن الامتحانات المقررة. والجميل في هذه التجربة هو وجود تواطؤ إيجابي من لدن أصحاب قاعة “كوليزي” المتمثلة في أسرة العيادي التي تمنح للطلبة الولوج مجانا إلى القاعة خلال أيام المهرجان وهو ما لا يحصل في إحدى القاعات التجارية المنافسة.