لجنة تحكيم السينما تحيل المخرجين القدامى للمعاش
فيلمان مختلفان في توجههما يتقاسمان الجوائز الوطنية
أحمد بوغابة / المغرب
… وانتهى أول أمس الحفل السنوي بالسينما المغربية الذي أُقيم بمدينة طنجة (شمال المغرب) حيث تم توزيع الجوائز في حفل الاختتام أمام جمهور غفير انقسم كالعادة حول نتائجها خاصة حول الأفلام الطويلة. طبعا لكل لجنة تحكيم مبرراتها كما تعكس أيضا مستوى أعضائها وخلفياتهم. وقد تصيب اللجنة في أفلام وتفشل في أخرى فيتساءل البعض عن حصيلتها لفهمها فيما يستغرب آخرين من نتائجها ويغضب السينمائيون الغير المتوجين.
لم تُثِرْ نتائج لجنة التحكيم الخاصة بالفيلم القصير ردودا سلبية كثيرة فقد اعتبرها الأغلبية منصفة ومقبولة وهي على كل حال في حوزتها ثلاث جوائز فقط توجت بها فيلم “الهدف” لمنير العبار بالجائزة الأولى الكبرى بينما سلمت اللجنة جائزتها الخاصة لفيلم “يدور” لمحمد مونة وذهبت جائزة السيناريو لفيلم “فوهة” لعمر مول الدويرة. يتناول الفيلم الأول “الهدف” الهجرة بشكل جديد حيث يتم إبداع أشكال جديدة للمرور نحو الضفة الأخرى من المتوسط بينما الفيلم الثاني “يدور” يصور علاقة السينما بالواقع وكيفية تصويره. أما الفيلم الثالث “فوهة” فهو يربط التاريخ بتكوين رجولية الطفولة والزعامة في التغلب على الخوف.والطامة الكبرى أنه تم تعذيبنا قبل إعلان الجوائز لمدة تصل إلى 20 دقيقة، ورطة كبيرة وجد فيها الحضور نفسه إلا من كان قوي العزيمة بعدم تحمله لذلك “الشيء الغريب” فغادر القاعة حتى يحمي نفسه من الرداءة المُبالغ فيها إلى حد مرضي. كان عرض ذلك “الشيء” بمثابة
أما لجنة التحكيم للفيلم الطويل، التي لها خريطة واسعة من الجوائز، تصل إلى 12 جائزة، فقد انقسم – إلى حد ما – الجمهور والفنانين تُجاهها خاصة تُجاه فيلم “يا خيل الله” لنبيل عيوش وأفلام أخرى مُحترمة جاءت من مخرجين مغاربة مقيمين في المهجر ك”يوميات طفولة” لإبراهيم فريطاح و”خويا” لكمال المحوطي التي لم تحظ بالعناية المطلوبة سينمائيا من لدن اللجنة. بينما كانت شُجَاعَة وفي كامل قواها العقلية بإقصاء أشباه أفلام للذين يعتبرون أنفسهم عباقرة زمانهم. فقد خرجت بدون فُل ولا حُمص، خاوية لأنها ببساطة فارغة. نذكر بالأساس “البايرة” لمحمد عبد الرحمان التازي و”طنجاوي” لمومن السميحي و”غضب” لمحمد زين الدين. أقصت أيضا أفلاما أخرى كثيرة لكن هي الأولى لأصحابها التي كان يمكن تَقَبُّل هفوات بدايتهم لأنها أفضل بكثير إذا تمت مقارنتها مع “القدامى” الذين تجاوزهم الزمن وأصبحوا جزء من تاريخ مضى وانتهى. وأحسنت لجنة التحكيم بإحالتهم إلى التقاعد/المعاش عطفا عليهم.

باستثناء التنويه الذي ذكرته اللجنة في حق الفيلم الوثائقي “نساء بدون هوية” لمحمد العبودي وجائزة أفضل عمل أول للفيلم الوثائقي “تنغير – القدس: اصداء الملاح” لكمال هشكار وجائزة المونتاج للفيلم الوثائقي/الروائي “محاولة فاشلة للتعريف بالحب” لحكيم بلعباس وكذا جائزتين أفضل موسيقى وأفضل صورة لفيلم “يا خيل الله” لنبيل عيوش فإن أغلب الجوائز تقاسمها الفيلمين “زيرو” لنور الدين لخماري و”ملاك” لعبد السلام الكلاعي وهو أول فيلم روائي طويل لهذا الأخير.
حاز “زيرو” على الجائزة الكبرى/الأولى وأفضل دور رجالي للممثل يونس البواب وجائزة أفضل دور ثاني رجالي للراحل محمد مجد الذي توفي يوم 24 يناير الأخير (2013)، وأفضل دور نسائي ثاني للممثلة صونيا عكاشة وأيضا أفضل صوت ليكون في حوزته خمس (5) جوائز من 12 (تقريبا النصف) وحصل “ملاك” على ثلاث (3) جوائز وهي جائزة لجنة التحكيم والسيناريو وأفضل دور نسائي للممثلة الشابة شيماء بن عيشة.
يدخل فيلم “زيرو” (صفر) إلى عمق مدينة الدار البيضاء بعرض محتوياتها الاجتماعية خاصة علاقة المواطن بجهاز الأمن من خلال شخصية رجل الأمن الذي يُنعت ب “زيرو” (صفر) لأنونه على هامش المجتمع ومنبوذ من رؤسائه لينتقم لصديقته ولكل الفتيات اللواتي يتعرضن لكل أنواع الاستغلال.
سقطة كبيرة للمهرجان !؟!؟!؟
كان المهرجان الوطني للفيلم المغربي قد أرسى قاعدة جديدة منذ استقراره بمدينة طنجة بأن يقتصر حفل الاختتام على إعلان اللجنتين على لائحة جوائزها (15 جائزة وبعض التنويهات) لأنها كثيرة إذا أضفنا إليها كلمات التعبير للمتوجين ولحظات تأريخ بالصور أمام المصورين حيث يدوم الحفل ساعة أو أكثر بقليل. لا مجال للكلمات الرسمية أو إعادة عرض الأفلام الفائزة بالجوائز الكبرى/الأولى باعتبار أن تلك اللحظة يطبعا القلق وتثير الأعصاب بين الفائزين وعدمهم وتشتغل وسائل الإعلام بينهم فلا يمكن تنظيم فقرة أخرى التي لا يتابعها أحد.
إلا أن هذه السنة خرجت إدارة المهرجان عن المألوف ففرضت علينا عنوة ودون إعلان مسبق أو إخبار بما ستُقْدِمُ عليه (علما أنها تصدر نشرة يومية للمهرجان). ذكرت منشطة الحفل “شيئا ما”على أنه “فيلم وثائقي” حسب ما قيل لها من طرف المنظمين والله أعلم. والطامة الكبرى أنه تم تعذيبنا قبل إعلان الجوائز لمدة تصل إلى 20 دقيقة، ورطة كبيرة وجد فيها الحضور نفسه إلا من كان قوي العزيمة بعدم تحمله لذلك “الشيء الغريب” فغادر القاعة حتى يحمي نفسه من الرداءة المُبالغ فيها إلى حد مرضي. كان عرض ذلك “الشيء” بمثابة صفعة في حق السينما والمهرجان وحتى من شارك فيه. حمل ذلك “العجب” عنوان “إدغار موران في طنجة”.
فَلَوْ لم يعرض في حفل مهم وفي أهم تظاهرة سينمائية في المغرب لما أشرنا إليه أصلا لأنه لا يستحق تضييع فيه القوة الذهنية ومساحة النص إلا ان العقوبة التي عاقبتنا به إدارة المهرجان هي التي فرضت علينا للوقوف عند تلك المهزلة التي أساءت لصورة المهرجان في آخر يوم له. حرام والله.
تساءلتُ، وتساءل معي الكثيرون، كيف سمح الأستاذ نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي وهو في ذات الوقت المسؤول الأول على المهرجان، بعرض ذلك “الشيء” علما أن الأستاذ نور الدين الصايل شخص ذكي ونابغة في الصورة السينمائية وقيمتها، وأنا متأكد بأنه يعلم علم اليقين أن ما عرضه لا علاقة له بالفيلم الوثائقي وبعيد عنها بُعْد السماء عن الأرض بل لا يقترب حتى من الروبورتاج التلفزي لصحفي حَدِيثُ العمل أو في طور التدريب. ولا يمكن أن يصل إلى أضعف أفلام الهواة المبتدئين حتى. لقد أساء ذلك “الشيء” إلى المفكر الكبير إدغار موران وللأستاذ نور الدين الصايل وكل المتحدثين فيه حيث شوه صورتهم بشكل صارخ. لا وجود فيه للعناصر الأبجدية الأولى في السينما حيث الإضاءة سيئة وغياب لمعنى المونتاج دون الحديث عن الكادراج (التأطير) وما يتطلبه من عمق في المجال السينمائي. كارثة حقيقية وضعنا أمامها المنظمون خاصة في نهاية المهرجان لحظة استثنائية فيه. لم يفقه صاحب ذلك العجب الذي تجرأ بكل وقاحة لتوقيعه على أنه “إخراج سينمائي” معتقدا أن جولته في ساحة 9 أبريل بمدينة طنجة وإقحام بعض الصور المُصوَّرَة برداءة وأربع جمل لإدغار موران تبرير كاف لإقناعنا بالعنوان. قد يعتقد المُشاهد أيضا خلال متابعته إذا توفرت لدية قوة خارقة في الصمود على أن المفكر الكبير إدغار موران قد مات فيتحدث عنه الآخرين. إنه اغتيال حقيقي للرجل ولمكانته فكان من الأفضل أن يكون العنوان “بكريم قتلني…” على شاكلة الفيلم الشهير “عمر قتلني…”عوض “إدغار موران في طنجة”.
من حق صاحب ذلك “الشيء” – الذي لا يمكننا تسميته- أن يعتقد ما يتوهم به إخراجا أو فيلما وأنه حقق معجزة سينمائية لم يسبقه أحد إليها لكن لا يمكن فرضه علينا. كان يمكن إدراجه في المسابقة الرسمية كباقي الأفلام القصيرة ليُمْتَحَن مع الجميع وأمام اللجنة المُكلفة بالأمر وليس إعطائه تلك المكانة التي لا يستحقها بقدر ما يسيء للسينما والمهرجان وإدغار موران ونور الدين الصايل وباقي المشاركين فيه ولمدينة طنجة الجميلة التي لا يملك العيون ليتمتع بها أولا قبل أن يصل إلى مستوى تصويرها. إنه فيلم مُعَوَّق كليا يعكس مُوَقِّعُه.
إذا كانت إدارة المهرجان قد أمتعتنا في افتتاح المهرجان، عند تكريمهما للسينمائيين الراحلين الزوجين أحمد ونعيمة البوعناني، بفيلم وثائقي فعلا في طور الإنجاز من طرف المخرج علي الصافي فإنها ضربت بعرض الحائط كل منجزاتها ومكتسباتها في اختتام المهرجان بأردأ ما يمكن أن يُنتجه التخلف. إن الإدارة لا تتحمل المسؤولية في مستوى الأفلام المشاركة في المسابقة حتى ولو كانت رديئة لأن ذلك مرتبط بالمبدع نفسه أما أن يتم إقحام ما هو غير مناسب مع المهرجان فذلك تتحمل فيه المسؤولية المطلقة. إنها عثرة وسقطة وهفوة كبيرة سقط فيها المهرجان التي لم نكن نتمناها له وأن تكون النهاية مأساوية بل تراجيدية.
أضداد حول فيلم سينمائي

أشرنا في نص الأسبوع الماضي لفيلم “تنغير – القدس: أصداء الملاح” للمخرج الشاب كمال هشكار أنه سيخلق الحدث السياسي في المهرجان بوجود من هم ضده ومن يسانده أيضا أو من يقف يتفرج على تحويل تظاهرة فنية لمعترك السياسة وجعل الفيلم قنطرة لهذا الصراع.
يوم عرض الفيلم، الثلاثاء 5 فبراير، حضر إلى باب القاعة الرسمية للمهرجان ونواحيها والأزقة المؤدية إليها في صباح مبكر مختلف الفرق الأمنية من التدخل السريع إلى القوات المساعدة والشرطة ورجال الأمن بالزي الرسمي وبدونه للتمَوْقُع في أمكنتها في انتظار الساعة الثالثة بعد الزوال (بالتوقيت المغربي) للحفاظ على التوازن الديمقراطي. فهذه أول مرة في تاريخ المهرجان الوطني منذ تأسيسه سنة 1982 تلتقي حوله هذه القوة الأمنية بعد الإعلان عن بعض الهيئات المحلية/الجهوية السياسية والنقابية والمدنية عن وقفة احتجاجية ضد الفيلم باعتباره في نظرهم يدعو للتطبيع مع إسرائيل. لن أعود لما ذكرته في النصوص السابقة لكن أتوقف عند ما حصل في ذلك اليوم الذي اجتمع قبل نصف ساعة من بداية العرض مجموعة من الناس ينتمون لتيارات مختلفة، أمام مدخل القاعة، يرفعون شعارات مناهضة للفيلم وللمهرجان ويُذَكِّرُون من يمر أمامهم من المدعوين والسينمائيين بأنهم مخلصون للقضية الفلسطينية ويرفضون التطبيع ويطالبون بوقف عرض الفيلم. ويحاولون طبعا التأثير في الجمهور لكي لا يلج القاعة. فكيف في مدينة التي تُعتبر الرابعة في عدد سكانها بالمغرب حيث تحتضن 850 ألف نسمة حسب الإحصائيات الرسمية وربما أكثر بكثير من العدد المذكور ولم تتمكن تلك الهيئات بمجملها تجاوز 30 نفرا؟ لن ادخل في التفاصيل لأنه ليس مجالنا في هذا النص.
استمر الاحتجاج خارج القاعة فيما داخلها تم تقديم الفيلم وعرضه أمام جمهور امتلأت به القاعة رغبة في اكتشافه حيث تابعه الجميع باحترام وصمت تتخلله في مرات قليلة تصفيقات (إن الفرجة السينمائية تختلف عن المسرح والموسيقى ينبغي احترامها بعدم التصفيق خلال العرض وانتظار نهايته للتعبير عن ذلك لكن يتم خرق هذا العرف في أقطارنا). خرجت الأغلبية مقتنعة بالفيلم وبمحتواه وهناك من له تحفظات أو انتقادات سينمائية وفنية.
وبما أنه سبق لي مشاهدته من قبل فقد فضلت متابعة ما يجري خارج القاعة وأخذ الصور ومعرفة الجهات التي شاركت في الوقفة (خاصة وأنني إبن المدينة) ومناقشة مع بعضهم حيثيات الفيلم. وأول شيء أثارني في الوقفة الغياب الكلي والمطلق للفلسطينيين، لم يكن حاضر ولو فلسطيني واحد سواء من المواطنين المقيمين أو من ممثلي الجالية الفلسطينية أو من السفارة. وعليه فهي كانت إذن وقفة مغربية خالصة وكأن هؤلاء هم المسؤولون على فلسطين. وتحدثت مع بعضهم عن أسباب توجيه غضبهم على الفيلم والموظفين الصغار فقط عوض التوجه للمسؤولين الكبار في الدولة. بعد ساعة تفرق الجَمْع دون أن يتوقف العرض. وفي المساء إلتقت مجموعة أخرى من الشباب المؤيدين للفيلم للتعبير عن تضامنهم مع المخرج وأغلبهم من الأمازيغيين. وكانت في ذات الوقت مجموعة من المثقفين قد وزعت بيانا تضامنيا مع المخرج لتوقيعه ونشره.
هذا الحدث وما أنتجه من حراك حول فيلم سينمائي أثار إعجاب الأجانب الذين رأوا فيه الممارسة الديمقراطية الحقيقية بإعطاء الحق لكل طرف بالتعبير دون أن يتعرض الفيلم للمنع فاعتبروا المغرب – في نظرهم – البلد النموذجي في العالم العربي في ممارسة الحرية. ولاحظت أن أغلب النصوص التي نُشرت طيلة أسبوع المهرجان هي حول هذا الحدث والفيلم فحظي بأكبر تغطية إعلامية إذ لم تَخْلُ صحيفة واحدة من تناوله، ومنها من توقفت عنده مرارا بأقلام مختلفة من داخل هيئة الصحف وخارجها. وفي النهاية حصل الفيلم على جائزة أول عمل لمخرجه كمال هشكار.