إنتصار آخر لأرغو في نتائج جوائز البافتا


محمد رضا

المنافسة القائمة حالياً بين «أرغو» و«دجانغو» و«لينكولن» و«البائسون» تبلورت في لندن قبل أيام عن منتصر ومهزوم في واحدة من أكثر ترشيحات موسم الجوائز حدّة وذلك بإعلان نتائج جوائز الأكاديمية البريطانية (بافتا).
وأول ما يتناهى إلى المتابع قيام بن أفلك بتحقيق نجاح آخر يضيفه فوق حصده جوائز جمعية المنتجين وجمعية مراسلي هوليوود وجائزة التمثيل الجماعي من جمعية الممثلين. فهو حصد جائزة أفضل فيلم، كونه من منتجي هذا الفيلم المتحدّث عن وقائع تدور بعد “الثورة الإسلامية” عندما تم إرسال عميل للسي آي أيه متخفّ بهوية منتج هوليوودي لإنقاذ ستّـة أميركيين هربوا من الأسر إلى السفارة الكندية القريبة من السفارة الأميركية في طهران.

سكوت برادلي في «كتاب مسطّـر بالفضّـة»

وكما لو كان الأمر رداً على إغفال أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في هوليوود ترشيح بن أفلك كأفضل مخرج، قامت الأكاديمية البريطانية للفيلم والتلفزيون بمنح أفلك جائزتها لأفضل إخراج. وإذ فعلت ذلك تجاوزت كل الأسماء الكبيرة التي كانت رشّـحت لهذه الجائزة لجانب أفلك وهي كاثرين بيغيلو عن «زيرو دارك ثيرتي» وآنغ لي عن «حياة باي» وكونتين تارانتينو عن «دجانغو طليقاً»  وكذلك مايكل هنيكه عن «حب».
في جائزة أفضل فيلم فإن «أرغو» خطف الجائزة البريطانية من «البائسون» لتوم هوبر و«لينكولن» لستيفن سبيلبرغ و«زيرو دارك ثيرتي» لكاثرين بيغيلو كما «حياة باي» لآنغ لي، وهي الأفلام ذاتها التي تتنافس على الأوسكار الأميركي هذا العام.
على الرغم من ذلك، نال «البائسون» أربعة جوائز بافتا ففازت آن هاذاواي عن دورها في هذا الفيلم، وجائزة أفضل تصميم شعر (لليزا ويستكوت) وأفضل تصميم إنتاج (إيفا ستيوارت وآنا لينش روبنسون) كما أفضل صوت  (مجموعة من ستة فنيين). بذلك ما حققه «البائسون» هو جملة من الجوائز الهامشية بإستثناء تلك الممنوحة لممثلته في دور مساند. أما جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي  فنالتها الفرنسية إيمانويل ريفا عن دورها في «حب» وخسرتها في المقابل منافساتها: الفرنسية الأخرى ماريو كوتيار عن «صدأ وعظام» والأميركية جسيكا شستين عن «زيرو دارك ثيرتي» ومواطنتها جنيفر لورنس عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة» والبريطانية هيلين ميرين عن دورها زوجة ألفرد هيتشكوك في «هيتشكوك».
بالنسبة للتمثيل الرجالي دانيال داي-لويس كسبها عن «لينكولن» لكن بن أفلك خسرها عن «أرغو» كذلك فعل برادلي كوبر عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة» و»هيو جاكمن عن «البائسون» ويواكين فينكس عن «السيد»، وهم ذاتهم المرشّحون كذلك لأوسكار أفضل ممثلين رئيسيين ما يشي بأن النتائج هنا سوف تكون، على الغالب، مطابقة.
في قسم التمثيل المساند نال البافتا كرستوفر وولتز عن «دجانغو طليقا» وأفلتت من يدي ألان أركن عن «أرغو» جافييه باردم عن «سكايفول» وفيليب سايمور هوفمن عن «السيد» وتومي لي جونز عن «لينكولن».
الأكاديمية البريطانية تخصص السينما البريطانية بمسابقات خاصّـة وفيلم جيمس بوند الأخير «سكايفول» خطف البافتا كأفضل فيلم بريطاني. وهو، فنياً وتقنياً أقلّـها أخطاءاً وهنّات. الأفلام الأخرى «آنا كارنينا» و«البائسون» و«سبع مرضى نفسيين» ثم «أفضل فندق نبتة  ماريغولد عجيبة» (أو كما بالإنكليزية The Best Exotic Marigold Hotel).

أرغو

البافتا البريطانية الثانية هي لأفضل مخرج ونالها كل من بار لايتون ودمتري دوغانيز عن «المنتحل»  والثالثة خصصت للمنتجة تيسا روس عن مجمل أعمالها (نحو 40 فيلم ومسلسل) والتي كان آخرها «سبعة مرضى نفسيين».
باقي أفلام الموسم المتنازعة أنجزت نجاحات خفيفة في مسابقة البافتا لهذا العام. «حياة باي» ربح بافتا أفضل تصوير (لكلاوديو ميراندا) وبافتا المؤثرات الخاصّـة (مجموعة) «دجانغو طليقا» عاد لكونتين تارانتينو بجائزة أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً تُـضاف لجائزة أفضل ممثل مساند التي  حصدها كريستوف وولتز،  لكن «لينكولن» هو الذي اكتفى بجائزة واحدة، وهي تلك التي نالها بطله دانيال داي-لويس كما تقدّم.
أما جائزة أفضل سيناريو مقتبس فكانت من نصيب المخرج- الكاتب ديفيد أو راسل عن «كتاب مسطّـر بالفضّـة».
بمثل هذه النتيجة ترتفع إحتمالات نجاح «أرغو» في إستحواذ الأوسكار خصوصاً وأن عدداً كبيراً من أعضاء الأكاديمية يعتقدون أن إغفال بن أفلك من الترشيح لجائزة أفضل مخرج لم يكن منطقياً أو طبيعياً.
من بين كل هذه الأفلام المذكورة أعلاه، هناك فيلم واحد كوميدي النبرة والمعالجة هو «كتاب مسطّـر بالفضّـة» لديفيد أو راسل، وهو أقل هذه الأفلام حظّـاً في الحصول على جائزة فعلية ومن المحتمل جدّاً أن لا نسمع عنه شيئاً عند قيام حفلة الأوسكار بعد أيام.
إنه عن باتريك (برادلي كوبر) الذي خرج من مصحّـة نفسية أمضى فيها ثمانية أشهر. يعود للسكن مع والديه دولوريس (جاكي ويفر) وباتريك الأب (دينيرو) وسرعان ما يبدأ التصرّف على نحو أرعن يهدد بإعادة إرساله إلى المصحّـة على الرغم من أنه بات يردد ضرورة البقاء على الشعور الإيجابي في الحياة ونبذ الشعور السلبي. لا تملك في هذا الحيّز سوى التعاطف معه: رجل بلا عمل وبِـحمل نفسي وعاطفي منذ أن وجد زوجته وأستاذ في الجامعة في حمّـام البيت بعدما عاد مبكراً على غير عادته. ما كان منه بالطبع إلا أن ضرب الأستاذ حتى كاد يقتله (هذا ما نسمعه لكننا لا نراه) فاقداً القدرة على إحتواء غضبه ما أدخله المصحّـة. لكنه الآن لا يزال يحبّ زوجته على الرغم من أنها لا تنوي العودة إليه ومحظور عليه الإقتراب منها. باتريك يريد رؤيتها ويرغب في أن تصفح عنه كمن وُلد من جديد. في أحد الليالي يتعرّف على تيفاني (جنيفر لورنس) التي لديها أيضاً مشاكلها العاطفية الخاصّـة، منذ أن مات زوجها في حادثة سيّارة (أيضاً لا نرى المشهد لكنه مذكور في أحد الحوارات). معاً سيشتركان في مسابقة للرقص بينما والده (دينيرو) يريد حضوره معه لتشجيع فريقه الرياضي المفضّـل.

البائسون

«كتاب مسطّر بالفضّـة» كوميدي النبرة كما ذكرت لكنه أيضاً جاد في معالجته حال الأسر المتهاوية: هناك أسرة باتريك حيث التباعد كبير بين الإبن وأبيه وهناك أسرة تيفاني المفقودة وأسرة أحد أصدقاء بات التي تقف على حافة التفسّخ. في الوقت ذاته هو فيلم مليء بالقضايا الإجتماعية مثل البيئة التي قد تدفع أي إنسان لحافة الجنون، ومثل البحث المؤلم عن شريك حياة عوض شريك حياة غاب، ومثل دور المؤسسة الصحية في ممارسة نظام متعسّـف كما يوضح لنا الفيلم هذه المسألة عبر شخصية صديق آخر لباتريك هو داني (كريس تـَـكر) الذي يُعاد إلى المصحّة على الرغم من بدء تأقلمه مع الحياة.
للأسف، هناك سلبيات في العمل فليست النهاية المختارة من بينها ولو أنها لا تبدو الأنسب للفيلم، مثل ذلك الإنزلاق صوب تلك النهاية بعدد من المواقف التقليدية والنمطية ككليشيهات سبق لهوليوود أن تداولتها بغية حياكة قصّـة حب تخدم الفيلم كعملية تجارية وليس كعمل يريد الحفاظ على مقوّماته السابقة ورفع حدّتها أو الإبحار بعيداً بها. يتميّز إخراج أوراسل بالحيوية والسيناريو بالأفكار لكن الإنتاج محدود الأماكن ما يجعل الفيلم يكرر مواقعه أكثر بقليل مما يجب.


إعلان